عرض مشاركة واحدة
قديم 10-29-2015, 01:13 PM
المشاركة 1415
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع مدن الملح ...

- بخصوص الشكل والمضمون: يحاول الدكتور نبيه القاسم إبراز دور الشكل في خدمة المضمون لدى عبد الرحمن منيف. فكل عمل روائي هو بناء شكلي أولا وقبل كل شيء.

- إما الزمكانية والشخصية فهي مفاهيم شكلية تكون أساس كل عمل قصصي أو درامي يسخرها الروائي من أجل إيصال المضامين التي يطرحها في رواياته (ص36) فالمكان له وظيفتان عنده: الأولى إضفاء الجو الواقعي الحقيقي على العمل الإبداعي. والثانية تحميل المكان مضمونا روحانيا متعدّد الدلالات، ويُضيف وظيفة ثالثة هي ذكر المكان دون تحديد ذكر ملامح مميزة له (ص52). وإذا ذكرنا المكان فيجب ألاّ تغيب عن بالنا العلاقة الجدلية بين هذا المكان وبين الإنسان لان كلّ منهما يتأثر بالثاني بشكل أو بآخر بحيث لا تكون هناك قيمة لأي منهما دون الآخر. ولما كان المكان والإنسان توأمين في العمل الروائي فإن الزمان هو ثالثة الأثافي، وهو يتمازج مع المكان ليكونا وحدة متماسكة في الشكل والمضمون لكل رواية. ولما كانت هذه العلاقة بين هذه الأقانيم الثلاثة علاقة جدلية إذن فإنه لا يجوز الفصل بينها بأي شكل من الأشكال(ص59).لو أخذنا الصحراء في رواية "رجال في الشمس "1963 لغسان كنفاني مثلا أو رواية "حارة البدو" لإبراهيم خليل أو "الطاحونة السوداء" لبندرعبد الحميد 1984 أو "البحث عن سماوات جديدة" لياسين عبد اللطيف 1989 لوجدنا بادية الشام مسرحا لجميع هذه الروايات كذلك رواية مدن الملح لعبد الرحمن منيف 1984. هي بحق رواية الصحراء وملحمتها الكبرى ( ص 43-44). فالبداوة في هذه الروايات تبدو قيمة ومشاعر وأخلاقا وسلوكا فحتى عندما يغادر البدوي صحراءه تبقى هذه الصحراء ملاصقة له تؤثر في كل سلوك جديد يكتسب من البيئة الجديدة(ص119). فالمكان وحده يستطيع أن يكشف نفسية الشخصية ويُعرّيها أمام الآخرين لأنّ الشخصية يجب أن تكون صريحة في المواجهة والكشف وبشكل صادق وإلاّ فكيف نُفسّر العلاقة بينهما؟!
في المضمون يبحث الدكتور نبيه القاسم في موضوع الزمن كعنصر أساسي لكتابة الرواية، ويؤكد انه لا يمكن إدراك هذا الزمن مستقبلا بعيدا عن العناصر الأخرى! وعبد الرحمن منيف يتلاعب بالزمن بغض النظر عن كون هذا الزمن خارجيا أو داخليا!

- في روايته شرق المتوسط 1972 يحاول عبد الرحمن منيف تجاهل التحديد الزمني لوقوع الأحداث. وقد لمسنا ذلك في سرد الأحداث المتتالية والصعبة التي تتوالى على رجب وأهل بيته غير محدودة بزمن معين. ونستطيع أن نستنتج إن كل الأحداث التي مرت برجب وعائلته مثلا كانت قد حدثت قبل تاريخ 1972!

- أن هذا التلاعب بالزمن يحمل في طياته خطورة، أي الخطأ في ترتيب التسلسل الزمني.

- يتحدث الدكتور نبيه القاسم عن عملية الاسترجاع المتعلقة بالزمن. ويقول:"هناك ثلاثة أنواع من الاسترجاع: خارجي، وداخلي ومزجي ! والهدف من هذا الاسترجاع الزمني هو عودة إلى الماضي وذلك من أجل سدّ ثغرات كان قد خلقها سرد القصة يجب أن تكون قد حدثت وانتهت في الماضي.
إنّ كاتبا روائيا كبيرا كعبد الرحمن منيف يتّخذ الزمن والتلاعب فيه محورا أساسيا في تشكيل المكان والشخصيات وطرق تفكير هذه الشخصيات . يلخص القاسم هذا الفصل بقوله، (ص220).

- ومنيف في تعامله مع الزمن لم يتحجّر عند منهج معين، ولم يسلك مسلكا واحدا، وإنما استفاد من كلّ الأساليب والمناهج، واتّبع مختلف التقنيات السردية مما وفّر له الحرية في الاختيار والتعامل، وأكسبه القدرة على أن يُقدّم الأفضل والأكمل( ص-220)

- الفصل الثالث مُكرّس لدور الشخصية في الرواية: يعتقد عبد الرحمن منيف أنّ هناك علاقة جدلية بين الشخصية الروائية والواقع. وبما أنّ بعض النقاد يعتقدون أنّ الشخصية مُستمَدة من الواقع، وليس من الخيال (ص227) فهو عندما يكتب عن شخصية معينة نراه يأخذ شخصا حقيقيّا يُغيّر الكثير من ملامحه في حين يُبقي على الجانب المهم من حقيقة هذا الشخص. فالحقيقة هي مزيج بين الحقيقة والابتكار .(ص251)

- يقسم نبيه القاسم الشخصيات إلى نوعين هما: الشخصية المسطحة وهي الشخصية البسيطة و الشخصية المدوّرة التي لا يمكن التعبير عنها بجملة واحدة أو حتى أكثر من جملة، هذه الشخصية المدوّرة تكشف حقيقة ذاتها وتنمو قليلا قليلا من خلال السّرد، والشخصية المُحبّبة هي التي تتّصف بالعُمق!

- إنّ تعريف الشخصيات إلى عميقة وسطحية، يتعلق بموقف تلك الشخصية منا! فإمّا أن تُفاجئنا مفاجأة مقنعة وإما ألا تفاجئنا مطلقا! ومع ذلك فإننا لا نستطيع الاستغناء عن أي من الشخصيتين لأنهما ضروريتان لتطوّر السرد وإكسابه جمالا معينا وتشويقا أكبر في نفس الوقت.

- عند معالجته للشخصية العربية فانه اهتم بتصوير بعضها مهزومة منهارة، وغيرها قويّة وسيّدة الموقف، هذه النماذج موجودة وقائمة في كل مجتمع ولا يشذ عنها المجتمع العربي الذي عاش فيه منيف!

- ما ميّز إحدى رواياته عن غيرها من الروايات يتعلّق بشخصية المرأة، فالمرأة كما نعرف تُشكل عنصرا هامّا في كلّ عمل إبداعي. أمّا عند منيف فلم تحصل المرأة على دور بطولي مع أنّه جعل لها فعاليّة وتأثيرا قويين في رواياته. ففي روايتيه "حين تركنا الجسر" و "النهايات" يهمل منيف العنصر النسائي بشكل مُتعمّد، وذلك لأنّ هاتين الروايتين تتّخذان الصّيد موضوعا تدور حوله أحداثُها. والصيد هو رياضة ذكوريّة نادرا ما تُمارسها المرأة إلا في حالات شاذّة(ص 287).

- كانت الشخصية في الرواية العربية حتى أواسط السبعينات تلعب دور البطولة، ولذلك فإنّ نَقد الروايات التي سبقت هذه الفترة تمركز في شخصية البطل وتصنيفاته مُهملا جوانب النص الإبداعي.
وعند منيف كما يستنتج صديقنا الدكتور نبيه القاسم لا نستطيع أنْ نُشير إلى شخصية رئيسية في خماسيّة "مدن الملح" مثلا. ففي هذه الخماسيّة عدد كبير من الشخصيات المهمة والثانوية لا يوليها منيف اهتماما كبيرا لأنه على حدّ تعبير المؤلف تأثر بالنقد الغربي الذي أهمل الشخصية الرئيسية حتى انه ألغى دورها كليّا واستغنى عن دور البطل المركزي(ص298).

- تتعدّد الشخصيات، وتتنوّع في أعمال عبد الرحمن منيف، وذلك في بحثه وراء الشخصية النموذجية التي يريدها مثالا يتقمصه جيل الشباب في أيامنا ويقلدونه بعد أن يحمله قيما وصفات يراها منيف مناسبة، أو يُبعده (أي يبعد الشباب )عن النموذج السيئ ! وهو في كل الحالات يجعل الشخصية متغيرة. دائبة البحث عن كل جديد ، تؤثر في الأحداث وتتأثر بها وتعمل على الاستيعاب والتعلم والاستفادة وهو شأن الروائي الناجح.

- ومما يميز الشخصية النسائية لدى منيف أنّ النساء في رواياته يفتقدن للمشاعر والعواطف ( باستثناء الشيخة زهوه ووداد الحايك)، لأنهن يقمن بوظائفهن التي رسمت لهن كزوجات أو أمهات أو بنات أو أخوات، أمّا العواطف المتدفقة والأنوثة المميّزة والحب الجارف والعشق الفاضح فلا مكان لها في نفوس هذه الشخوص. فكأنّهنّ قد قُدِدن من جبال الملح، نساء ليس لهن وظيفة في الحياة، غير رفع أرجلهن للنكاح أو الولادة.(النابلسي 1991 ص457)(ودكتور نبيه القاسم ص 207).

- أخيرا ما لمسناه في الدراسة الأطروحة هو اللفتة العميقة إلى الجوانب الفنية في روايات عبد الرحمن منيف، ومحاولة تقريب أدبه إلى القراء العاديين، وإبرازه ككاتب متميز له بصماته وتأثيره في تطوير الرواية العربية حيث أخذ من التراث العربي الكلاسيكي وطوّره بحيث يتمشى مع النقد الغربي وأساليب الكتابة الغربية في عصر الحداثة والعولمة.