عرض مشاركة واحدة
قديم 01-02-2014, 06:47 PM
المشاركة 25
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي

أين أنت يا مي...اجلس منذ ساعة في انتظارك... ساكنة، هادئة.. تدخلين منالباب...تجلسين في مكانك المفضل. اليوم أطلقت لشعرك العنان، وتخليتِ عننظارتك...تعتذرين عن التأخر... معذرة وجد فقد كنت في طريقي إليك... طلب منىمدير المستشفى اجتماع عاجل... انظر إلك بتمعن وأقول كاذبة...بل كنت تدرسين حالتيمن خلف الزجاج النصف مرئي... من رفيف رموشك السريع وفمك المزموم...اعرف أنى أصبتكبد الحقيقة.

تدراين ارتباكك، وتعقصين شعرك بعجالة، ولا تنسى بالطبع ارتداء نظارتكوصوتك يكتسب بعض الثقة... هل هي احد تنبؤاتك يا وجد؟ فأقول في ضعف كلا تدرسينحالتي منذ أشهر...وفاتك أنى أيضا أدرسك منذ أشهر .. إميل للأمام وصوتي يكتسببعض الإثارة... نبؤاتى قاتلة ومدمرة أيتها المختارة يبدو أنى أثير قلقك اليومفتنظرين مليا إلى قيودي... تقولين بصوت قاس.. -:
إني أنصت يا وجد فهل لديك ماتقولينه أم أؤجل لقاؤنا لوقت لاحق...


أغمض عيني وأنا اهمس بإشفاق لا أمل منك.. كما لم يكن هناك أملا منها...تفتحين فمك مرتاعة...ماذا تعنين؟
أجيب ببرودهل نكمل قصة زرد؟
تركنا زرد الصغيرة بين يدي الهانم...ورجالها التي تصادف مرورهافي الصباح الباكر كعادة الأثيرة،
تجوب بعربتها ذات الستة جياد الكفور، والنجوع لعدة ساعات... وقد تعجب رجالها من تصرفها بحمل الصبية التي تكاد تلفظ أنفاسهاعلى وجه السرعة إلى طبيب بلدتها...لم يكن رأس في البلدة يجرؤ على رفع هامته أوالنظر في عين الهانم، فقد عرف عنها سطوتها وقسوتها...ولا عجب أن بلدتهااسمها بلدة الهانم!

كانت تملك قصر منيفا ورثته عن زوجها الباشا الراحل وورثةهائلة من المواشي والأراضي ملك يديها ..في الخمسين من عمرها ..لها ثلاثةأبناء ذكور ..تركوا البلدة جميعا منذ زمن هربا من سطوتها والسكن بالعاصمة بعدانتهاء تعليمهم في عاصمة النور بباريس.

حينما أسعف الطبيب الصبية وهو يشتاطغضبا مما شاهده من آثار تعذيب وعنف على جسدها سألته في خفوت هل ستعيش أجاب فياقتضاب تحتاج رعاية لعدة أيام بالمستشفى ويجب قبلا إبلاغ...لم يكد يتمكلمته حتى أمرت رجالها بحمل الطبيب والصبية إلى قصرها فبدا بالصراخ ...كتم صوته احد رجالها وهو يهمس في أذنه ويعضه منها في نفس الوقت...

-اصمت.. وإلا أمرتنا بقطع حنجرتك.. فسكت وهو يستمع لصوتها العميق سننقل المستشفى عندنا أشارت للرجلأن يتركه وهي تشيح ببصرها بعيدا...اعد ما يلزمك...أمر الصبية يهمني ... حياتها من حياتك... ابتلع الطبيب ريقه ...هو يعلم من هي الهانم..إن القصص التي تروىعنها مفزعة ..اقل ما يقال عنها أنها مفزعة..لكن ماذا يربطها بفتاة سوداءتعرضت لحالة إجهاض.
- -
ظل ثلاثة أيام في قصر الهانم يولى الصبية عنايته الفائقة..في البداية خوفا من قسوة المرأة الجبارة. لكن الفضول اعتراه واجتاحته رغبة قوية في معرفة مأساة هذه الصبية الصغيرة الرائعة الجمال. فرغم لونها الأسود الابانوسي كانت تملك عيون ذهبية رائقة وشعر حريري مدهش انب نفسه ..انه طبيب ..لا ينبغي له التفكير فيها هكذا..لكن الصبية كانت تثير مشاعره بتحديقها المستمر في السقف وعيونها الغارقة في الدمع وصمتها المطبق كان يحدثها وهو يعالج احد الجراح في ذراعيها حينما أحس برفيف ثوب ووقع أقدام خلفه وصوتها العميق يقول-:
كيف هي؟ ينزف بعمق أنها تتحسن- في الحقيقة يذهلني تحسنها السريع- رغم كل مأساتها لها بنية قوية...

سرحت الهانم في قوله لفتاة أخرى وزمن آخر وأب طيب وعربة يجرونها كل يوم لبيع الحلوى وعيون الباشا تراقبها ويختارها لملاحتها وبياضها الشديد وأبيها الطيب يعجز عن رفض ابنته ذات الخمسة عشر عاما للباشا الكهل المزواج ..لديه ثلاث نساء اربيات مثله...حينما تحظى إحداهن بالمكان الرابع لا يلبث العام أن ينصرف ويخلو المكان لزائرة جديدة ولكن عامها كان مختلف فلم ينتهي إلا وهى تعلن للباشا العقيم نبأ حملها وسعد أيامها كما تخليت وطار بها خيالها حين لفظها الباشا ونساؤه عبر السلالم وهويندفع للبحث عن سلاحه لقتلها هي الخائنة...

جرت في البلدة التي شهدت عربة أبيها وحلواه وصوتها المجلجل ينادى .. خبطت على كل البيوت كي تنقذها ..قبلت الأيدي والأقدام ..أغلقت الأبواب في وجهها وركلتها الأقدام بقسوة ولطمتها الأيدي بعنف ..ورجال الباشا في أثرها كالموت الأسود ..لم يسعفها سوى أبيها الطيب بحماره العجوز وعربته المهترئة وقد ارتعب لصراخها ..اختطفتها خطفا وهى تئن بحملها.. دخل بين حقول الذرة وهم في أثره ولم يحتاج قلبا هلعاً وهو يدخل بها المقابر المظلمة ليلا بقدر ما ارتعب من أن يذبحوها ويذبحوه بلا رحمة ..هو لا يعرف سبباً لما يحدث..لكنه يعرف جيداً غدر الباشا وتقلبه..ماذا فعلت ابنته البائسة حتى يطلق كلابه في أثرها..كان يسمع صوت حوافر خيولهم تدوس حقول الذرة بلا رحمة وحماره ينهق...خشي أن يدله صوت الحمارعليهم ..عاجل رقبة الحمار بسكين الحلوى .. راقب الحمار وهو يلفظ أنفاسه..الأخيرة وفى عيونه البراقة المحدقة في الفراغ عدم تصديق مذهل...