عرض مشاركة واحدة
قديم 03-19-2014, 09:56 PM
المشاركة 49
أحمد الورّاق
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
بها يسترشد المرء و يحس فيه طمأنينة .
عندما قلت لا حساسية لي مع الفرق الدينية الإسلامية و المدارس الفكرية العالمية فأعني ما أقوله جيدا ، فأنا مؤمن أن هناك جزء صحيح من كل المذاهب والنحل ، وهناك جزء خاطئ ، فلنأخذ الصالح و نتبرأ من الطالح . ولم أقصد أبدا ما ذهبت إليه ، فالعلمانية ليست فقط فصلا للدين عن الدولة إن كان هذا ما يزعجك ، ولم تبدأ عند الغربيين بل بدأت في الفكر الإسلامي .
كلام جميل لكن لا أرى تطبيقه، ولا قيمة للكلام بلا تطبيق، فها أنت ذا تفصل بين الدين والعقل مع أن الله ربطهما، وتلمح وتدور على جعلي من الخوارج بدون أي بينة، فهل هذا يعني أنك لا تمارس رفضاً حاداً لفكر الخوارج وهم فرقة من الفرق كما تقول؟ محاولة الإلصاق تدل على حساسية مفرطة تجاه الخوارج، إذن أنت لا تطبق ما تقول عن النظرة المتسامحة للفرق وأخذ الحق منهم وترك الباطل. قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} وتقول أنك تتبع للقرآن وأستشهد لك بالآيات وتنسب مضمونها لي وتنتقده بحجة أنه من عقلي بينما هو مسطر في الآيات.


تقولون سيدي :
انظر.. فالعقيدة لم تخلصك من هذه السقطة، فصرت تفترض إمكانية أن يحلل الله الخبائث! وأي أحد يحلل الخبائث هو خبيث! إذن قبلت إمكانية نسبة الخبث إلى الله تعالى! وإمكانية الظلم إلى الله تعالى!

هل تعتبر العقيدة تنزيها من الأخطاء ، فكل من اعتقد وأسلم فهو عالم تقي ورع صالح مصلح ، خالط الناس لتعرف حقيقة الأمر ، و ترى الحياة بالمنظار السليم ، لا كما تتصور بعيدا عن الحقيقة .
ما هذا الجواب البعيد عن الموضوع؟ تريدني أن أفهم من الناس ولا أفهم من القرآن؟ والله يقول {إن تتبع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} والله حذر من هجر القرآن ومن تعضيته والاجتزاء منه.

أخي الكريم ، أدرجت ردي على موضوع الخنزير والخمر لأنني أولا : لا أنتقي ما هو في صالحي فقط ، و أقفز عن " أخطائي " لأني لا أبتغي فقط أن أقنعك كما تريد أنت و صرحت به ، فأنا هنا أتحاور بحثا عن الحقيقة و أتحاور و أستفيد ، و أصحح معلوماتي ، وأتعرف على معلومات جديدة و أتذكر ما طمسته السنين .

وفي الوقت ذاته لا أزال أبحث عن دليلك المقنع و إن شاء الله متى وردت أدلة مقنعة في الموضوع سأتنازل باعتذار إلى من قرأ لي وتوبة إلى الله من سقطات اللسان .

فالله يقول أن الخمر فيها من المنافع الكثير ، لكن اثمها أكبر من نفعها ، فهنا الله أبرز بوضوح أنها حرمها رغم ما فيها من المنافع ، هناك من يشير أن بمجرد تحريمها رفعت منافعها و أصبحت من الخبائث ، فلا تتعجل و أفدنا بما لديك و لا تتسرع في إعلان النصر ، فنحن هنا لنتعلم أولا و قبل كل شيء .
الله يقول {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} وفي الآية الثانية {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} فلم يقل الله أن فيها نفع كبير كما قلت وإنما قال {إثم كبير}، واضح أن أساسهما رجس ومع ذلك هناك من يستفيد مادياً ويكسب مبالغ كبيرة في الصنع والترويج، وذكر المنافع ليس في سياق مدح بل ليعلم المسلم أن يترك الباطل حتى لو كان له فيه بعض الفوائد، فالله قال في آية أخرى {كتب عليكم القتال وهو كره لكم} فهل نقول أن الله يكره قتال الكفار؟! بل إنه يأمر به، لكن ليعلمنا كيف نوازن بين الحق والباطل وكيف نؤثر الحق ، وحتى الدعارة هناك من يستفيد منها مادياً لكن الإثم أكبر من النفع وليس فقط الخمر، ولولا وجود بعض المنافع لم تفعل الخبائث أصلاً، هذه هي تربية القرآن ونظرته الواقعية للأمور، والسؤال إليك: كيف يصفهما بالرجس ويشرعهما لأمم أخرى؟!

ثم من يهمه الحق كما تقول لا ينظر إلى من انتصر ومن انهزم، أنا لم أفرح بالنصر كما تقول، ومن يمشي مع الآيات لا شك أنه منتصر ومن البداية، وليس بقدرتي بل لأن كلام الله لا يأتيه الباطل، أنا لا أنظر للأمر أنه انتصار أو هزيمة وإنما المتعب هو رفض الحق بعدما تبين، وأتمنى ألا يصدق هذا الظن عليك، وآمل فيك خيراً كثيراً، فالحق أحق أن يتبع سواء جاء من الواحد أو من الألف أو جاء من القوي أو الضعيف أو جاء بالسائد أو الغريب أو من الخصم، هذا منهج التبصر، فالله لم يأمرنا بتقليد أعمى وإنما نتبع أوامره لأن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ولا غيره يهدي إليها، وهو حبل الله المدود لمن شاء أن يستقيم ولا يستقيم أحد بدونه، وصدق الله العظيم . يا أخي العزيز لم آت لأنتصر عليك وأحجك فمن أنا ومن أنت، نحن عبيد نريد وجه ربنا ونتلمس الصراط المستقيم، فعلينا أن نفرح بكل ما يوصلنا إليه ولن نصل إليه بدون فهم وليس بيني وبين أن تكتمل محبتك في الله إلا أن أرى فرحاً بحق عليه نور ووضوح.


ورد في نصك ما مضمونه أن الدين كله مجرد تذكير : وليس فيه تعليم ، ما رأيك يا أستاذي في و علم آدم الأسماء كلها ، وما رأيك في " الذي علم بالقلم ، علم الإنسان ما لم يعلم . أليست هذه الآيات من القرآن الذي نفيت أن يكون الدين فيه تعليم .

أين اقتابس النفي؟!
القرآن فيه تعليم وفيه تذكير، لكن لا قيمة للتعليم بدون تذكير، لهذا الله سمى قرآنه ذكراً ولم يسمه تعليماً، وقال {إنا نحن أنزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ، وما مشكلة التعليم في هذا الزمن إلا أنه يسبق على التذكير، لهذا يختزن التلاميذ معلومات أكثرها لا يستفيدون منها ولا يعرفون لماذا، وبالتالي تتبخر مع الوقت.

ملاحظات أولية تكملة


الإسلام كله اختياري وليس فقط حب الرسول! هل أسلمت أنت مجبراً أم باختيارك؟ دعنا من حب الرسول الآن، فإن قلت إجبارياً فهذه كارثة وعليك أن تسلِم من جديد مختاراً فالله يقول {لا إكراه في الدين}.


صدق الله العظيم " لا إكراه في الدين" و " لكم دينكم ولي دين" فالإنسان مخير بالفعل في فعله و مسير أيضا في العديد من الأشياء . و لا إشكال هنا .
لكن هذا لايعني يا أستاذي أنك عندما تدخل في دين الله أنك مخير في حب رسوله فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ".
و لست مخيرا في التلاعب بالدين تأخذ ما تشاء و ترمي ما تشاء ، فالإسلام التزام و ليس أهواء ، فهذه الجملة التي بدأت بها فيها الكثير من المغالاطات : فلا يمكن أن يكون الإسلام اختياريا كله ، تأخد منه ما تشاء و تدع ما تشاء كأن تأخذ الأخلاق و تترك الباقي ، وتجعل من التوحيد شيئا ثانويا و هو أساس الدين كله .
قال الله تعالى : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ْ" الآية 36 من سورة الأحزاب
لاحظ ذلك الاختيار كيف يلغيه الإسلام بنص صريح ، ولاحظ أن السورة تتحدث إلى المؤمنين ، الذين حققوا عقيدة التوحيد فهم ملزمون بإعطائها حقها .
أنت تسوق اتهامات بدون أن ترفقها بالاقتباسات..
بالعقل والمنطق كيف يختار أحد الإسلام ويكره رسوله؟!! لا يفعل هذا عاقل، كيف يختار الدين ثم يختار داخل الدين؟ لا يفعل هذا عاقل، هذا معروف بالبداهة وإلا لم يختر الدين إذا كان يريد ألا يتقيد ولا يريد أن يتبع، ما دام أنه قال أنا مسلم فهل من المنطق أن يغير في الصلاة وفي ركعاتها على مزاجه؟ إذن لصنع ديناً له أصلاً! مع أنك تتهمني بكل هذا مع الأسف، أنا لم أتكلم على مزاجي بل كلامي مبرهن بآيات القرآن إلا إن كان القرآن ليس برهاناً كافياً فهذه مشكلة عندك وليست عندي.

فقد جاء ردك أن العبودية "الرق " غير أخلاقي في الإسلام ، لكن هذا لايعني سيدي الكريم أن تعممه فالعبودية لله وحده من صلب الدين
هل أنا عممته؟ هل قلت أن العبودية لله ليست أخلاقاً؟ ألا تتقي الله وتراجع نفسك، أنا الذي أمجد في عبودية الله وأقول أنها قمة الأخلاق مع الخالق تجعلني أقول أنها غير أخلاقية! إذا كانت العبودية لله ليست من الأخلاق فما هي الأخلاق؟!! تأكد ودع عنك اللطش من كلام الناس، فالله أمرك بالتثبت، العبودية لله هي محور حياتي كلها، ألا تتقي الله وتتوقف عن قذف التهم التي سيحاسبك الله عليها؟! ثم كيف يكون أستاذك وسيدك شخص يرى أن عبودية الله غير أخلاقية؟! أرجو أن تركز ذهنك أكثر فيما تكتب، ولا تسيء فهم الآخرين حتى لا يسيؤوا فهمك، هذا إذا لم يهمك أمر الله بالتثبت.

أنت تريد أن تخطئني ما استطعت بأي وسيلة حتى بالتهم، ولا أدري لماذا تريد تخطئتي، كأن تخطئتي أهم عندك من البحث عن الصواب، وكأنك ترى أن كتاب الله ليس لك بل هو لغيرك ثم يفهمك ، بينما الله أمرك مباشرة بتدبره، قال تعالى {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} ولم يقل: أفلا يتدبر العلماء القرآن ثم يخبرون الناس بتدبرهم ..

أنا تدبرت القرآن وأنت تريد أن تجعل التدبر جريمة، هل تريد أن يكون كتاب الله مهجوراً فقط للقراءة التي لا تتجاوز الحناجر، حاول أن تخرج عن فهمك عن القرآن إلى القرآن نفسه، فهو سيكون حجة لك أو عليك، وهذا الكلام لكل مسلم، قال تعالى {إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون} وأنت عربي.. فلا يجوز عزل الناس عن كتابهم الذي أنزل لهم. وإذا حجك أحد بآية عليك أن تتوقف مثلما حجت المرأة عمر عندما أراد أن يحدد المهور فقالت: أيعطينا الله ويمنعنا عمر! ، انظر كيف كانوا يقفون عند الآية ولا يمرون عليها مرور الكرام ولا يتوقفون عند الذي تعودوا عليه.

و تحقيقها هي غاية خلق الإنسان ، ولا يمكن تحقيقها أبدا إلى بوجود عقيدة التوحيد و إلا تنازع الطواغيت عبوديتك و استحلوا حرماتك .
هل تخبرني بهذا؟ هل أنا أنكر هذا؟! هل يكون هناك دين ليس له عقيدة؟ أصلاً لا يمكن لا في الإسلام ولا غيره، فلكل دين عقائد.

أنت لم تفهمني أبداً وتقف عند حدود الكلمات ولا تدخل في المضمون، وأسألك ولا تستطيع الإجابة ثم تعود للرد وكأنك ملزم دون ن تغير أي شيء، أقول لك أن الإسلام له عقيدة وهذا معروف وأنا أقر (والله أقر بوجود العقيدة الإسلامية) فهل نخرج من هذه الإشكالية ونفهم شيئاً جديداً هل نخرج من هذه الدوامة؟؟! ، ولكن هذه العقيدة هل هي أخلاقية أم لا؟ ولم تجب ولا ترى أن في عدم قدرتك على الجواب أي مشكلة وترجع لتعيد نفس الكلام دون أن تجيب على السؤال الموجه لك، وتصر على أن الأخلاق هي آداب المشي والطعام وما شابهها أما العقيدة فشيء مختلف ولا يوصف بأخلاق ولا غير أخلاق! إذن بماذا يوصف؟ وتعود مرة أخرى للتهم وتترك شغلك الأساسي وهو الإجابة على السؤال، وكأن عملك هو إلصاق أكبر قدر من التهم فيمن يحاورك. كيل التهم أمر سهل وأنا أستطيع أن أفعل لكن الأخلاق الإسلامية والأخوة في الله تمنعني.. يكفي موقفك من القرآن لاستخراج تهم كثيرة، لكني لست من روادها ولا أحبها، وأظل أقول أن فيك خيراً وأبحث عما يجمع لا ما يفرق.


جئت بهذه الآية التي أتمنى أن تتمعنها جيدا لتعرف قوة العقيدة قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا } سورة الأحزاب 57 و58

إن كنت لا تولوي العقيدة الاهتمام اللازم سيتساوى في ذهنك الأذيان ، هنا الذين يؤذون الله ورسوله والذين يؤذون المؤمنين ، لأن هناك احتمال أن يؤذي المؤمن أخاه المؤمن و يطلب العفو والمغفرة ، لكن ليس هناك احتمال مطلقا أن يؤذي المؤمن الله و رسوله ، لأنه هنا خرج عن دائرة الإسلام الذي لا يقوم بغير عقيدة .

لاحظ أخي الكريم أني قلت إن الشرطية التي لا تفيد احتمال الوقوع و لم أضع إذا .

استشهادك بالآية غير واضح ولا أدري ماذا تقصد.


ورد في ردكم :
"ما مرجع هذا الكلام في القرآن؟ الله قال لإسماعيل وإبراهيم أسلما فقالا أسلمنا لرب العالمين، وأمر إبراهيم أن يذبح إسماعيل ليجرب ويختبر مصداقيتهما، فصدّقا الرؤيا وكانت كلمة أسلمنا ليست كلمة باللسان، فتحققت عبوديتهما."

هل تشك هنا أن اسماعيل لا يخضع لله ، أم لا يحب الله .
بموجب كلامك فكان يجب ألا يختبر إبراهيم ولا إسماعيل لأنهما خاضعين من الأساس! علينا أن نسير وراء القرآن ونثبت ما أثبته،


وهذه نقطة أخرى أود ذكرها:
أنت تقول أن العقيدة أولاً أما الشريعة فتجعلها ثانياً وهذا اجتهاد غير منصوص عليه في القرآن طبعاً أن العقيدة مقدمة على الشريعة، ومع ذلك أنا أتفق معك، فهل تسمح لأحد أن يتهمك أنك تهمش الشريعة ولا تهتم بها لأنك جعلتها درجة ثانية بعد العقيدة؟

ولما قلت أنا أن القرآن ذكر العبودية قبل نفي الشرك، قلت أنني أهمل التوحيد وأجعله ثانياً مع أن معي كل النصوص من القرآن على تقديم كلمة "عبادة" وأنت ليس معك نص، فرجاءً كف عن اختلاق التهم التي لا قيمة حقيقية لها وإلا فاتهم نفسك أنك تهمل الشريعة لأنك تجعلها ثانياً والعقيدة أولاً ، مع أنه لا يليق بالمسلم أن يهمل الشريعة ويجعلها أمراً ثانوياً ، هذه طريقة تفكيرك طبقتها عليك.

كان يجب ألا يكون لك خيرة لما قضى الله ، وقلت لك ابحث عن كل الآيات التي فيها العبودية وتوحيد العبادة ستجد أن كلمة "اعبدوا الله " هي المقدمة، وهذا كلام رب العالمين وليس كلامي، فلا تجير لي كلام الله وتنسب إلي مضامين إلهية، فأنا عبد فقير أتبع هذا القرآن وما والاه، وهذا الكلام موجود في القرآن فرجاء كف عن التقول والتؤول واخضع للحق إذا بان واعترف بوجود هذا في القرآن، وإلا فقدم لي آيات تسند كلامك، قل أنها موجودة في القرآن لكنني أنا أريد أن يكون التوحيد مقدم على العبادة في الذكر ، والتقديم لا يعني أن القيمة ضعفت إذ لا فائدة من عبادة بلا توحيد ولا توحيد بلا عبادة، أرجوك ركز أكثر وابحث في القرآن بدلاً من رمي التهم غير المثبتة، لا تكن عجولاً في التهم بطيئاً في البحث، فالمسلم طالب حق وليس طالب تهم، والحق في كتاب الله وكتاب الله أمامك، وعليك أن تقر إن كان ماذكرته صحيحاً ، أن كلمة "اعبدوا الله" تقدم على "ولا تشركوا به شيئاً" في كتاب الله ، وإلا فأنت لا تريد أن تقول الحق وتهمك نفسك أكثر من القرآن، لأن القرآن واضح مبين في هذا الشأن بالذات وفي كل شأن، وإن كانت لا تقدم فأنا أحتاج إلى معرفة أكثر وسوف أعتذر .



الخضوع هو معنى العبودية ، لكي تكون مرتبطة بالتوحيد وجب الحب المطلق لله ، لأنه نجد عبدا لا يحب سيده وهذا احتمال قائم في عبودة البشر للبشر ، أما العبودية لله فهي نعمة ودرجة كبرى خص الله بها عباده ، لذلك تستوجب الحب .
قال تعالى :" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" آل عمران 31
فكما لا عبادة بغير توحيد ، فحب الله من الإيمان . " فهم لا يحبون الله وإن قالوا نحب الله بألسنتهم لأنهم لايتبعون الرسول و ما جاءت به رسالته و منها العبادات ، فلا توجد عبادة مستقلة عن حب الله "
وربما اهتديت في البحث إلى آية أخرى وأحاديث تعزز أن العبادة هي خضوع كامل و حب كامل .
والحب ماذا تصنفه؟ أليس مشاعر وأخلاق؟ أم أنه أفعال مخصوصة في زمن مخصوص؟ أرجوك ألا تستعجل وأعد قراءة الكلام أكثر من مرة حتى تعرف أن اتفاقنا أكثر من اختلافنا..

هل هناك منطقة عفو الإسلام ؟

قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآَنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " المائدة 103

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا " أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن ، و حسنه الألباني

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن أبي عبد الله النعـمان بن بشير رضي الله عـنهما قـال: سمعـت رسـول الله صلي الله عـليه وسلم يقول: (إن الحلال بين وإن الحـرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجـسد مضغة إذا صلحـت صلح الجسد كله وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه ألا وهي الـقـلب)
هذا ليس موضوعنا ، هذا اسمه عفو في التشريع، بينما أنت تكلمت عن عفو في الحياة، وهو نوع من العلمانية ، لأن حياة المسلم كلها لله، قال تعالى {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.


قال الله تعالى :"مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " الحشر (7)

ما تشير إليه هذه الأدلة هنا أن هناك منطقة عفو في الدين الإسلامي سكت عنها الشرع و يستعمل فيها الاجتهاد وفق قواعده و ضوابطه بالنسبة للعالمين و العارفين بشؤون الدين ، وأعجب كيف لا تعفو عن الإنسان وقد عفا الله عنهم ولم يلزمهم بدقائق الحياة كلها كما يوحي كلامك ، و الله عز و جل لا يؤاخذنا باللغو في أيماننا بل يؤاخذنا بما كسبت قلوبنا . فلا تحاصر الناس في كل اتجاه .
الله يقول {إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً} وقال تعالى: {بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته} وقال {كلا إنها كلمة هو قائلها} وقال {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة} فهل أنا الذي يحاصرك أو كلام الله؟!

اللغو من الخطأ ، والله رفع عن الناس الخطأ والنسيان قال تعالى {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا}، لكنه يحاسبهم بما نووا وما عملوا، ودين الله ليس محاصراً للناس كما تظن بل يعفو عن الخطأ والنسيان ويقبل التوبة ، لكنه ضد فصل الدين عن الحياة أو أجزاء من الحياة كما تحاول أن تفعل دون أن تدري أنها هذه هي العلمانية، لأن كل شيء ينفصل عن طريق الله سيذهب لطريق الشيطان ولو كان قليلاً، فالعلمانية تقول ما لله لله وما لقيصر لقيصر، وساعة لقبلك وساعة لربك، والله في المسجد ورمضان والحج، فمن يقول مثل هذا الكلام لم يفهم ولم يتدبر كلام الله قدر ما يفهم العلمانية، فالله أهل أن تسلم الحياة كلها له كما يسلم العبد نفسه حتى يتولاه ربه نعم المولى ونعم النصير، وليس هذا بكثير في حق الله ، بل إن المؤمنين الصادقين قدموا أرواحهم فداءً لكلمة الله وليس هذا بكثير على حق الله.

إذا كنت ترى أن إصلاح النية حصار فهذا موضوع آخر، الله ليس صنماً تقدم له النذور والذبائح والصلوات وبقية الحياة لا علاقة له بها ، فالله تعالى معكم أينما كنتم ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، انظر المحاصرة! أي النظرة الطائشة إلى المنكر ويعلم ما تخفي الصدور، وليست النظرة الساذجة بلا قصد ، لأنه يعلم ما تخفي النفوس، وما يكون من نجوى اثنين إلا الله ثالثهما ، فهل هذا حصار وتضييق؟ فهل أنا الذي يحاصر أو الله المحيط بكل شيء؟! مع تحفظي على كلمة محاصرة ، فالله رحيم لطيف إذا صلحت النية، ويغفر الذنوب لمن شاء.


بل أخي الكريم كان الرسول صلى الله وسلم لا يحب كثرة السؤال التي تؤدي إلى كثرة التشريع ، الذي يؤدي إلى كثرة الالتزامات ، التي تؤدي بدورها إلى كثرة المعاصي . وتذكر كيف كان الرسول يسأل التخفيض في الصلاة من ربه . هل كان يعني ذلك أن كثرة الصلاة غير مفيدة ، لا بالطبع ، لكن التخفيف على المؤمن أولى ، و ما فعل ذلك إلا بإذن ربه .
إلى ماذا تريد أن تصل من هذا الكلام؟ هل تريد أن تفصل بين الدين والحياة؟ ثم الدين ليس كله صلاة وعبادات ، وليس صعوبة ، بل إن حياة العبودية هي السهولة قال تعالى {ونيسره لليسرى} فتستطيع ممارسة حياتك اليومية العادية لكنك تراقب الله فيما تفعل وتقول، فهل هذا تكليف؟ أليس كثير من الناس يراقبون مصالحهم فيما يفعلون ويتركون ولا يغفلون عنها؟ هل الله لا يستحق؟ وانظر إلى أوامر ربك وما طلب، فلست أنا من أشرع لك حتى أخفف.


ثم ما دخل التعدد في الأخلاق؟! هذا أسلوب في بناء الأسرة، فقد تكون كبيرة أو صغيرة، ومن الذي جعله استثناءً؟ إنه الثقافة الغربية المبنية على المسيحية التي ترفض التعدد. فلا يكن مقياسك ما يرفضه الغرب وكأن البشر هم الغرب، هم يرفضون التعدد ويبيحيون التخلل (من الخليلات مثنى وثلاث ورباع وتساع وعشار!) وبدون تحمل أي مسؤولية كما في الزواج الأخلاقي، فهل هذا ارتقاء أو انحطاط في الحيوانية؟! أيهما أرقى أخلاقياً: من يعدد ويلتزم أم من يعدد ولا يلتزم؟!
الشعوب القديمة كانت تحترم الزواج وتكره البغاء وتتشدد فيه أيضاً، أما عند الغرب فقد انعكس الوضع الآن ولم يتطور بل تراجع.


ما دخل التعدد في الأخلاق ؟
أنت من أدخل التعدد في الأخلاق، تقول وتنسى ما تقول! فأنت من أثار الموضوع..



جميل هذا الطرح حسبتك تقيس كل شيء بمعيار الأخلاق .
هذا الموضوع بالذات وجدت فيه تطور الأخلاق ، فأحببت أن تزيحه عن طريقك بإثارة الخليلات ، فهل التعدد يمكن أن يحد من الخليلات ، أم أن الهوس الجنسي في الأصل مرض نفسي .
جاء الإسلام ليحد من التعدد و يضيق عليه إلى أبعد الحدود يا أستاذي ، فقط المجتمع يومئذ كان فيه التعدد قاعدة عامة ، لأنه عندما اشترط الإسلام العدل في التعدد أقرنه باستحالته في نفس الوقت . فلا تعتبر كل ما تشاء أخلاقيا وغيره غير أخلاقي وفق منظورك للأمور ، وانقل الأشياء كما هي .
وجه الكلام لنفسك أولاً وانقل الأشياء كما هي ولا تقول غيرك ما لم يقل..

كلامك يعني أنك ضد التعدد ، أليس كذلك؟ أي ضد القرآن الذي أباحه ، وترى أن التعدد غير أخلاقي بينما القرآن أمر به {انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع} هل هذا الأمر أخلاقي من وجهة نظرك أم أن الأخلاق تطورت عنه وبقي القرآن في مكانه؟ الإسلام حد من التعدد ، والحد من الشيء لا يعني إلغاؤه بل يعني إقراره، وهل كونه حد منه فهمت منه أن التعدد غير أخلاقي؟ إذن الإسلام حد من الصلاة المكتوبة وجعلها خمس بدلاً من الخمسين، إذن الصلاة غير أخلاقية تبعاً لفكرتك؟! وأمر بالحد من الأكل والشرب ، فهل الأكل والشرب غير أخلاقي؟ وهل يأمر الله بشيء غير أخلاقي؟ هل ترى أن مثل هذا الكلام خطير أن تصف تشريع الله أنه غير أخلاقي وأنه مضطر إليه لأن القدماء كانوا يعددون بكثرة، والله يقول {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} والتعدد حلال إذن هو من الطيبات والطيبات أخلاقية..

هل هذا جواب أم أنه تهرب إلى الطيبات؟! حتى أتخلص من مشكلة عدم أخلاقية التعدد التي أقرها القرآن، أنا أفكر بدلاً عنك الآن واختصر عليك!


هل الأخلاق تتطوور أم هي ثابتة و مطلقة ؟

إذا كانت العقيدة ثابتة لأنها تربط بين العبد و ربه و حده ، فإن الأخلاق أساسها هو الحياة الإجتماعية ، أي أنها يدخلها الإجتهاد الإنساني ، و المصلحة التي تقتضيها المرحلة ، والظرف الذي تعيشه الجماعة ، فمثلا أخلاق الحرب ليست هي أخلاق السلم ، وأخلاق السياسة ليست هي أخلاق الناس البسطاء .
لنأخذ على سبيل المثال : التجسس ، فالتجسس في الأصل حرام ، لكن هل يمكن بناء دولة بلا جهاز للتجسس " العيون " .
يا أخي لكل مقام مقال ولا تخلط الأمور مع بعضها، هذا الكلام عن الأخلاق بالضبط هو كلام الليبراليين والعلمانيين والملاحدة فهل تريد إلباسه لباساً دينياً؟! الله مدح رسوله بأنه على خلق عظيم فتبعاً لكلامك عن نسبية الأخلاق وتطورها أن أخلاقه بالنسبة لغيره وأن الأخلاق تطورت عبر 1400 سنة تطورت عن أخلاق الرسول حتى وصلت لتحريم التعدد وحقوق المثليين المساكين وإباحة الإجهاض وقتل المواليد كعمل أخلاقي كما هو ثابت لك..!

وكونه يوجد أخلاق للحرب وللسلم هذا يدل أن الأخلاق شاملة لكل أوجه الحياة، هل تريد أنت أن تعامل الناس بنمط واحد؟ من يفعل هذا يكون مجنون ، هناك أخلاق مع العدو وأخلاق مع الصديق ومع الجاهل ومع المعاند وحتى في الحرب هناك أخلاق، مثلها مثل العقل ومثل التعليم والشرح، وكما قالوا : العبد يقرع بالعصا والحر تكفيه الإشارة ، فهل يجب على المعلم قرع الجميع بالعصا أو التعامل معهم بلغة الإشارة وإلا تعليمه نسبي؟ وبالتالي التعليم يكون نسبي، حتى مع المصلحة توجد الأخلاق وليس الأخلاق للمصلحة كما تتصور أنت والغرب، النسبي هو المواقف وليست الأخلاق لأن دافع الأخلاق واحد وهو حب الخير وحب الله وليس حب المصلحة ولا الظروف ولا البيئة ولا المجتمع، حتى التجارة والاقتصاد وهي مصالح بحتة تحتاج إلى أخلاق وأمانة، ولا أدري كيف تجمع بين مصدرين: مصدر سلفي ومصدر غربي ليبرالي بنفس الوقت؟!


وعندما نأخذ الأخلاق بوجه عام كالعدالة مثلا ، فقديما كان الشخص يحاكمه القاضي ، فقيمة العدل يومئذ لا يمكن أتكون نفسها عندما تطورت وسائل البحث ، و ضبط الفصول و التقدم العلمي ، فالعدالة قديما ليست هي العدالة اليوم ، لا بد أن هناك تطورا و تحسنا في المخرجات ، فالمسألة بالضبط كباقي المهن والحرف . فعندما نقول أن هناك محامي و هناك ممثل الحق العام و هناك قاضي ، فكل منهم في الأخير يجتهد للوصول إلى العدل الحقيقي وفق معطيات دقيقة .
فالسرقة مثلا يمكن أن تكون سرقة عادية ، وسرقة موصوفة بسبق الإصرار والترصد ، ويمكن أن تكون سرقة ليلية واقتحام منزل وغيرها من الأحداث التفصيلية التي تدخل في الجناية . فعندما تتحقق بشكل جيد في مواصفات العدالة قديما وحديثا لابد أن تقف على ارتقاء العدالة .

فالقول بأن الأخلاق جامدة لا تتحسن و لا تتطور فيه نوع من عدم الضبط .

خذ مثلا عندما "سرق" أخ يوسف عليه السلام ، فهو تم الاحتفاظ به "كرهينة " و لو حوكم بدين أهله لكان مصيره مختلفا ، و لو حوكم في الإسلام لكان التخفيف واضحا .
ما دام يهمك موضوع التطور فانظر له من الجهة المقابلة، هناك فضائل في العدالة قديماً ذهبت واندرست، فالآن من ليس عنده مالاً ليوكل محامياً براعاً قد تضيع حقوقه ولم يكن هذا قديماً ، فصار العدل يشترى بالمال في هذا الزمن، والسجن لم يكن من أحكام الإسلام قديماً وكان القضاء سريعاً لا يعطل الناس سنوات طويلة مثل هذا القضاء المتطور الذي ضيع الكثير من مصالح الناس وبعضهم مات الخصوم قبل أن تنتهي القضية بسبب التواطؤ بين القضاة والمحامين للابتزاز في كثير من الحالات! وضع هذا وهذا كل في كفة ووازنها أنت..

الحرب قديماً أكثر أخلاقاً من الحرب حديثاً، فأين التطور؟ تريد أن أشرح لك؟ سوف أشرح..
لم تكن الحرب قديماً تستخدم أسلحة الدمار الشامل ولم تكن تقع على رؤوس الأطفال والنساء، فأكثر من تضرر من الحرب الحديثة هم الأبرياء وأكثر من تضرر قديماً هم المقاتلون الذين يريدون الحرب ويحملون السلاح لها، أليس هذا تراجع أخلاقي؟ ,,ألا ترى الأسلحة الفتاكة تنفق لها المليارات دون قانون أخلاقي يمنع كالقنابل الذرية والعنقودية والفراغية فلماذا لم تمنعهم أخلاقهم عن هذه الأسلحة الخطيرة على الجميع وعلى البيئة؟؟
بل إن الأطفال والأبرياء لم يكونوا يشاهدون المشاهد البشعة وفقط تأتيهم الأخبار وليس مثل الآن يرون أبشع المناظر ..!

حتى أخلاق الحرب قديماً كانت أفضل، وكان الزعماء في مقدمة الجيوش هم وأبناؤهم وإلا لا يقبلون زعامتهم، كما قال طارق بن زياد في خطبته وهو قائد جيش المسلمين: "وإني حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق (فريدريك) فأقاتله إن شاء الله وإن مت فلن يعوزكم بطل تسندون أموركم إليه.." وفعلاً قتل لذريق..

أما الآن فالقادة مختبئون في دباديب تحت الأرض والضرب على رؤوس الأبرياء،فأخلاقياً من يشعل الحرب فعليه أن يتحمل نارها والقادة هم من يشعل الحرب وهم أكبر مستفيد منها، فلم يعودوا ينزلون في الميادين، إذن القادة القدماء أشرف وأكثر أخلاقية ويتحملون مسؤولية مواقفهم.
و رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في مقدمة جيشه، أما القادة وأصحاب القرارات الحربية الآن فعساهم أن يُروا على التلفاز ليحرضوا جنودهم، بينما القادة السابقون يحملون الرايات ..

وفي الحرب قديماً كانت المرأة لا تقتل ولا تهان، أما الآن فأول ضحايا الحروب النساء والأطفال عبر القصف الجوي على المدن والأحياء والأسلحة الفتاكة، بل إن الجنود لا يتقابلون تقريباً ، والمعارك تدور على الأحياء والمدن ويعد عدد القتلى من المواطنين أكثر من الجنود في العصر الحديث ، فهل هذا تطور أخلاقي في الحرب أم تراجع اخلاقي ؟ قل الحق لو مرة ! بينما في التاريخ عندما يقال مات ألف أو ألفين فالمقصود جنود حاملين للسلاح وليس أبرياء عزل وأطفال وشيوخ وحيوانات، والحرب قديماً لم تكن تدمر البنية التحتية ولا تزرع الألغام وتلوث البيئة بالإشعاع كما هو حاصل الآن..

ستقول هناك اتفاقات دولية، وما قيمة اتفاقات لا تطبق، و ما قيمة مجلس الأمن و فيه حق الفيتو لخمس دول قوية تلغي ما قرره العالم حتى لو كان حقاً . انظر للشعب السوري يفتك به ليل نهار ولم يمد له أحد يد العون ولا حتى بالمساعدات الإنسانية. مع أن كلهم يستطيعون ايقاف الحرب . أين القانون الدولي واين حقوق الانسان ، وأحياء بالكامل تمسح وتحاصر حتى الموت جوعا بنكهة الكيماوي؟ كانت الحرب قديماً يخرج لها من يريد الحرب وبانهزام أحدهم تنتهي الحرب والناس في بيوتهم تأتيهم الأخبار، فليت الأمر استمر هكذا ولم يتطور، كان المستجير يجار حتى لو كان عدواً ومن يلقي سلاحه يترك وكان الأسير يكرم أو يترك وليس يسحل كما نرى الآن! والإسلام هذب أخلاق الحرب أكثر من غيره فمنع التعذيب والمثلة ومنع قتل الأطفال والشيوخ وقطع الأشجار ...الخ ، بينما هذه كلها تنتهك اليوم، أين العدل المتطور في هذا الأمر؟

كل الأخلاق تتدهور يا عزيزي وليس فقط العدل..

أما تحججك بالجواسيس، فالقتل أيضاً يعتبر جريمة لكن قتل المجرم فضيلة، فالقيمة إذن للأخلاق وليس للتصرف، فكل سلوك يأخذ قيمته من عرضه على الفضيلة أو الرذيلة و يأخذ نسبته منها، ألمانيا غضبت على أمريكا لأنها تتجسس عليها وهي حليفة ، لكن لا أحد يغضب على أمريكا عندما تتجسس على أعدائها، لأن العدو جعل نفسه عدواً، كان بإمكانه أن يجعل نفسه في موطن يعامل فيه بأخلاق لكنه اختار اللا أخلاق، ومع ذلك هناك أطر أخلاقية حتى مع العدو بحيث تدفع شره لا أن تطغى وتسرف في القتل أو التعذيب مثلاً.. كل من عرض نفسه للعقوبة بحق هو لم يُرِد أن يُعامل معاملة حسنة فكان بإمكانه أن يحصل عليها . المعاملة الحسنة لا يُلزم بها من لا يريدها.. والتجسس على الأعداء ليس فيه خيانة للعهد و هم يتجسسون عليك و يتوقعونه ، فالأخلاق لها مواطن توضع فيها و ليست قطاراً يشق طريقه مع العدو والصديق بدرجة واحدة ومع الطيب والفاجر بدرجة واحدة ، بهذا يكون غباء ، والغباء ليس بفضيلة ، ولا عقل بلا اخلاق ولا اخلاق بلا عقل . كما قال المتنبي :

ووضع الندى في موضع السيف بالعلى .. مضرٌّ كوضع السيف في موضع الندى ..

حتى أن في عهد سيدنا عمر رفع حد السرقة في فترة الجذب . من هنا يتضح أن الأخلاق لا ننظر إليها دوما بنفس المنظار .

بالعكس ، بدافع أخلاقي فعل عمر ذلك ، لا تنظر للاخلاق نظرة قشرية ، انظر لعمقها ودافعها ، كما شرح لك المتنبي . لأن هذا من شدة العدل أن تراعى الظروف ، ألم تستشهد بهذا عند مدحك للعدل المتطور، عندما قلت ان الجريمة الليلية غير النهارية و جريمة السطو غير جريمة السرقة !؟ و سقته إستشهادا على دقة العدالة ، والعدالة اخلاق . لا تستخدم الشيء لغرضين متناقضين . فمرة تستشهد بهذه التفصيلات على دقة العدالة المتطورة للغرب ، و مرة تستشهد به على ان الاخلاق نسبية ولا قيمة حقيقية لها ! عند الغرب يكون عدالة متطورة ، و عند عمر يكون تخلي عن الاخلاق ! ما هذا الكيل بمكيالين ؟ هل انت مع الاسلام ام مع الغرب ؟ أم مع كليهما حسب الحاجة رغم تناقضهما ؟

الكذب مثلا تعتريه الأحكام رغم أنه أخلاقيا يبدو من المحرمات ، فالأخلاق تخضع للظرف ، عند التطبيق والتنفيذ .

وهل هذا عيب ؟ أنت تريد ان تجرد الاخلاق عن العقل ، وتجريدها من العقل يسقطها كأخلاق ، تريد أن تكون الأخلاق سلوكا ثابتا لا يتغير كالقطار ! لو كانت هكذا لكانت وبالا وليست أخلاقا . ولتضرر بها المخلص و استفاد منها اللئيم . كل شيء ثابت يستفيد منه المجرم و الطيب ، كالسكين مثلا (قانون) . لهذا أنت تريد الإسلام عقائد جامدة ثابتة و كذلك تريد الأخلاق كذلك وإلا فلا قيمة لها ! هذا يجعل الجميع يستفيد منها ، المنافق والصادق . أما الإسلام فهو دين الحنيفية وهي تعني الميل الى الحق وملاحقة الصواب أينما اتجه . ولا تعني الجمود والتزمت على شيء . كما قال تعالى (اتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ربكم) وقال (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه) هذه علامة الحنيفي الحق الذي يقول (اهدنا الصراط المستقيم) في كل يوم ، باحثا لاهثا عن الحقيقة اينما كانت ، لا يتلقاها من السابقين والمجتمعات دون ان يتبصر بها ، كقوالب جامدة موروثة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..