عرض مشاركة واحدة
قديم 09-24-2010, 12:33 AM
المشاركة 8
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الصحراء في ادب ابراهيم الكوني

شريف هزاع شريف



في الأدب العربي المعاصر، اتخذت الصحراء موضوعا روائيا بما تحويه من دلالات مكانية وتاريخية وحكائية وكونها فضاء يتسع للحكاية الأسطورية والخرافية وهذا ما نجده واضحا عند الروائي الليبي إبراهيم الكوني الذي اتخذ من الصحراء عالما لتسطير رواياته الكثيرة وحتى قصصه القصيرة فالصحراء صور تخيلية خصبة تعزز قدرة الكتابة والاستمرارية كونها مبطونة بالحكايات والخرافات والصور الشعرية ، والشيء المميز الذي قدمه الكوني هو قدرته المتفردة في نقل الأسطورة والخرافة إلى رواياته كلها فقد وظف الحكاية الشعبية والشفوية والخرافية وقصص الطوارق والصحراء في أدبه ، واستخدم الصحراء فضاء ومكانا لنسيج حبكته وعوالم أبطاله فالصحراء عالمجذاب حافل بالرموز والأساطير وقد كتب نصوصا يصعب تصنيفها في جنس من أجناس الأدب المعروفة.فقد أصدر إبراهيم الكونيسنة 1991 كتابا سماه (ديوان النثر البري ) ، وهو عبارة عن نصوص سردية، لا تنضوي تحتصنف أدبي معين، ولكنها تهتم باستنطاق كائنات الصحراء، مثل الرياح والمطر والسيلوالصخور والضباب... الخ، بنوع من التعاطف الصوفي... الذي يستبطن وعي الأشياءالجامدة ويستنطقها لتحيى وتفكر وتتكلم متخذا من السرد الروائي او القصصي طريقة للتسطير او للتدوين التاريخي والمعارفي لتاريخه المنزوي في الصحراء الكبرى . إبراهيم الكوني يختزن في ذاكرته العديد من الأضواء الباهرةلذلك الماضي.. بل تشم في كل عمل يقدمه رائحة الأرض القصية.. النائية عن مدار الحياةالمثابرة.. لقد ألَّف في ظاهرة الصحراء اكثر من تسعة وثلاثين عملاً توزعتبين القصة والرواية .. إلا أن الرواية تطغى على هذا السيل المتواثب من الكتاباتهو معروف بتوظيفه للصحراء مرتكزا سرديا في أعماله ‚ وكان لفوزه بالجائزة الدولية السويسرية خطوة عززت موقعه في خريطة الأدب العربي والإنساني من خلال التفرد في الساحة الأدبية كونه ينبثق من مكان واحد ليتوحد مع الكائنات المنسية في الأزمنة الغابرة وأساطير الطوارق والصحراء ‚ وقد صرح الكوني لوسائل الإعلام بعد فوزه بالجائزة بعد سؤاله عن مفهومه للكتابة عن الصراع بقوله( إنها مهنة التعبير عن الأبدية) إن الصحراء عنده كائن أسطوري يعيش مع الإنسان ألطارقي والصحراء مثل البحر‚ أو هي اوقيانوسا للفردية والدهشة ( ومظنة للتناص والتساكن بين الكائنات فإنها أعظم العلامات والشواخص على اللامحدود واللامتناهي والمطلق الذي عبر عنه الكوني بكلمة (الأبدية) ) ([1]) لقد رصد الكوني في رواياته وقصصه المعالم الجغرافية، والحياة الاجتماعية، والروحية في الصحراء الليبية الكبرى، وتميزت رواياته عن غيرها من الروايات التي تناولت الصحراء باهتمامها بالعودة إلى الماضي السحيق للصحراء، والكشف عن أساطيرها ورموزها، ورمالها التي سطّر عليها الأسلاف تعاويذهم، ورقاهم، وتمائمهم السحرية. لقد استمد الكوني مكونات عوالمه الروائية من البيئة المحلية، وهذه المكونات هي: الصوفية، وعادات القبائل وتقاليدهم، وأساطيرهم، ومعتقداتهم الدينية.
إذا أخذنا الكتابة في معناها التخيلي، فصحراء الكتابة هي دوما صورة متخيلة يمتزج فيها الخيال والواقع، ولا ينفي هذا وجود أعمال في أدب الرحلةحاولت بطابعها ألوصفي والتوثيقي أن تنقل صحراء الواقع، وما تتميز به من مناخوتضاريس وعادات وأسلوب حياة. لكن سياق كلامنا يقتضي الحديث عن الصحراء التي تنتميإلى السجل الخيالي أكثر مما يقتضي الحديث عن تلك التي تنتمي إلى السجل الواقعي، معالأخذ بعين الاعتبار أن الصحراء الواقعية هي بهذا الشكل أو ذاك من العناصر الأساسيةفي تكوين الصحراء المتخيلة.