عرض مشاركة واحدة
قديم 09-21-2010, 05:38 AM
المشاركة 122
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مثال للمدير الحكيم الحازم

لقد عاش شيخنا عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله عمرا مديدا قضاه في علم ودعوة تربية للأجيال بالأقوال والأفعال، وفي رعاية لتلاميذه وقرب منهم حتى ليحس كل منهم أنه هو الأثير عنده المقدم على غيره.
سمعت به لأول مرة بقريتنا ( برقا ) من الديار النابلسية بفلسطين ، وكان ذلك منذ 52 عاما ، وقدمت إلى الديار السعودية سنة 1368هـ بعد أ، حصلت على شهادة الثانوية العامة ، وكلي شوق إلى لقائه ، وزرته حيث كان في الدلم التي أصبحت بوجوده فيها مثابة لطالبي طريق الحق ، كان يقضي بين أهل البلدة ويعلم ويخطب يعظ ويفتي ، ويربي الصغار والكبار بالأمر والنهي حسب هدي الكتاب والسنة يقتدون بهدية وسمته ، ويتأسون بقوله وفعله ، وخشوعه وعبادته وصدعه بالحق ، يسألهم عن أحوالهم ومشكلاتهم ويشاركهم في حلها والخلاص منها ، ولا يدخر عن أحد شفاعة يقدر عليها ، يستمع لآرائهم واقتراحاتهم وملاحظاتهم ويسددها ما وجد إلى ذاك سبيلا.
كان يقضي سحابه نهاره وجزءا من ليله بين رعيته وتلاميذه وضيوفه كأنما هو أب جنون أو أخ مشفق قد جعل بيته ومسجده والطريق بينهما مدرسة للإيمان والأخلاق والآداب العالية ، ولا يكاد يترك فرصة من فائدة في ذلك يفيدها أو يثيرها ، والله تعالى في ذلك يعينه ويقويه ويمدده بطاقة يعجز عنها الرجال .
لقد عاش شيخنا هذا الأسلوب في الدعوة والتربية طيلة حياته المديدة المباركة وعندما جاء إلى الرياض للتدريس بكلية الشريعة سنة 1372هـ أو التي بعدها نهلنا من علومه وتحقيقاته وتوجيهاته.
وبعد تخرجي من الكلية سنة 1376هـ عملت مديرا للمعهد العلمي في شقراء عام 1377هـ وحين عدت في الإجازة الصيفية إلى الرياض أسدى إلي نصيحة لا أزال أنعم من فضل الله بآثارها : قال لي : " مالك وللإدارة " وهكذا كان ، فعدت إلى الرياض للعمل مدرسا بكلية الشريعة ، ونعمت فيها خلال خمس سنوات بزمالته ، وكانت فرصة هنيئة للأخذ عنه والمشاورة والمباحثة له في دقائق العلم وما تثيره المحاضرات من المشكلات العلمية وعندما انتقل شيخنا إلى المدينة المنورة سنة 1282هـ ليؤسس جامعتها الإسلامية المباركة استتبعني هناك عضوا في هيئة التدريس ، فكان مثال للإدارة الحكمية الحازمة ، التي تجعل الشورى دستور عملها ، وكانت أرائه السديدة بعد أن تمحض الشورى زبدتها ، وتشار شهادته ، تفتح أفاق العمل ، وتقيمه على أحسن الوجوه .
وبعد أن غادرت إلى الكويت سنة 1385هـ وإلى حين أن لقي شيخنا ربه في هذه الأيام لم تزل تصلني مكاتباته ولم يزل يحمل الغادين والرائحين وكل من جاءني من قبله أمانة السلام وعلق المودة.
والذكريات مع شيخنا كثيرة أذكر منها أنني انتهزت فرصة قيامي قبل سنتين برحلة من عمان إلى جدة للمشاركة في دورة مجمع الفقه الإسلامي ، فزرته في الطائف ، ورافقني إليه شاب هو ابن لأحد القدامى من تلاميذ الشيخ ، فأخذ الشيخ يسأل ذلك الشاب عن أحواله وعمله وشأن أسرته وعما تم بخصوص مشروع زواجه ،فعجبت من مشاركة الشيخ الحميمة لطلابه وأبناء طلابه ، مع طول الزمان وبعد المكان .
وأذكر أنه حضر في ذلك المجلس شاب من أهل الكويت ، حدثا الأسنان ، فأسرهم حديثه ، وطلبوا منه الوصية لهم في أمر دينهم وعلمهم وشؤون حياتهم ، فكانت لهم منه وصية لو أنها دونت لكانت دستورا للشباب الواعي الذي يريد تعلم أحكام دينه والسير على منهاج نبيه في التواصي بالحق والصبر في شؤون حياته وحمل دعوة الإسلام ، وكان أجمل ما في تلك الوصية روح النصح والمحبة التي أحسوا بها وامتلأت بها قلوبهم وجوانحهم ، حتى لأظن أن مجلسهم ذاك لن تمحى صورته من خيالهم طيلة حياتهم .
الشيخ الدكتور محمود سليمان الأشقر
عمان – الأردن

~ ويبقى الأمل ...