الموضوع: مفعولٌ بي
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
11

المشاهدات
5858
 
مها الألمعي
من آل منابر ثقافية

مها الألمعي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
186

+التقييم
0.04

تاريخ التسجيل
Dec 2010

الاقامة
السعودية(عسير)

رقم العضوية
9506
06-16-2016, 07:42 PM
المشاركة 1
06-16-2016, 07:42 PM
المشاركة 1
افتراضي مفعولٌ بي

كل صباح أرتدي هذا الزي العسكري منذ عشر سنوات
باستثناء صباحات الإجازة القليلة
التي أحصل على بعض منها خلسة
كان والدي يقول إن السلك العسكري يعلم رواده النظام ويصنعه فيهم
لكنني لم أتعلم النظام بقدر ما تعلمت التمرد
أصبح التمرد هو الوسيلة التي أخبر بها العالم عن وجودي
يبدو هذا اعتراف بائس
لكنني اكتشفت أن اعترافاتي البائسة تذيب التراكمات التي كثفها الزمن عليّ
دائما ما أحاول إذلال الضباط خاصة الأصغر مني سنًا
أذلهم بحديث سيء عنهم أو بتباطؤ في تنفيذ أوامرهم
تعز عليّ نفسي جدًا حين أُجبر على إلقاء التحية العسكرية لهم
فتصنيفنا (لأفراد وضباط)
أعيه بشكل ما على أنه (حقيرون وعظماء)
تؤرقني فكرتي هذه جدًا
وكأنه قد طُبع عليّ بعدم الأهمية وأنا أمشي بهذا العار وسط العالمين
أذكر مرة ذهبت لاحتفال بزواج أحد زملاء الدراسة
برفقة صديق طفولتي (الضابط) أحمد
في تلك الليلة لم تُهمل أصولنا الوظيفية
ولا زلت ناقمًا عليه وأعد الفوارق التي بيننا
ويأتي المال دائمًا في مقدمتها
رغم كل هذا أمتلك حريتي بفكرة التخلي عن هذه الوظيفة
إلا أن هذه الفكرة ما تلبث إلى أن تتحول لقيدٍ شديد
يكبلني براتب أخر الشهر وبالتزاماتي المالية تجاه أسرتي
أنا عبدٌ للمال وهذا هو الشقاء
في الحقيقة كلنا عبدة للمال سواء حصلنا على القليل أم على الكثير منه
نخرج بغرابة من سيادتنا عليه ونصبح خدمًا له
وأوجدت هذا المعنى بغير قصد مني في رأس صغيري
حين امتدح أحد جيراننا
فأجبتْ بأنه مسكين لا يحظى بالكثير من المال
شهدتُ تعجب عيني ولدي حين أسقطتُ جميع امتيازات الرجل
أمام المال
تلك الليلة شعرت بأنني اكتشفت مسخي
حاولت أن أنفي أشياء كثيرة من نفسي لعلني أعود أصلًا
نفيت ونفيت حتى عرفت أنني قد ضعت تمامًا وسط المفاهيم الزائفة
ويبدو أنني كنت أختارها هوية للإنسان فحين أسقطتها أسقطتني معها
وأصبحت عدمًا
أشعر بعدميتي تمامًا رغم هذا أنام وأضحك وأشرب
وأتبادل الغث والسمين من الأحاديث
أهاب التفاصيل الصغيرة التي تستمر رغم فناء مسببها الأكبر
تهيبني جدًا ولا أعلم لماذا لا تستجيب للحقيقة فيّ
هل لأنها من مصدر اكثر حقيقة
أم لأنني لا زلت أحتفظ بزيفي وهي تقطن فيه
بعد ثلاثة أيام من تلك الحادثة
لم يُسمح لي أن أبت في موضوع عدميتي
جاءني اتصال يستدعيني سريعًا
: "نحن نخوض حربًا دولتنا تحارب عدوها"
وكأن هذا الاتصال أعاد تلويني وأعتقد أنني وصلت إليهم بقفزة واحدة
من على سريري إلى مقرهم
دائمًا ما أحببت الامور الطارئة التي تجبرني على مزاولتها فورًا
ولا تفتح لي مجالًا واسعًا لأفكر
أعلم يقينًا الأن أن هذه العادة السيئة سلبتني هبة الله العظمى -الاختيار-
في موقع الحرب كل شيء متأهب
دبابات, أنواع مختلفة من الأسلحة
والكثير جدًا من الزي العسكري وأخبرني عدة من زملائي
أنهم كتبوا وصاياهم
ورأيت مجندًا صغيرًا يبكي
يا الله الحرب أكثر حقيقة مما تخيلت
كان دوري غير فعال في الحرب لمدة أشهر وبعدها حدثت حالة استنفار
أصبحنا بعدها نهاجم
رمينا قنابل ووجهنا مسدساتنا
وأصبحنا وسط معمعة فظيعة من النيران
بعد ساعات هدأ كل شيء ومن وسط الدخان تراءت لي
المنازل المهدومة والأجساد الملقاة عبثًا وسط الاسمنت
الموت يُدفع من البشر إلى البشر بسرعة تجعل هذه الحقيقة المجنونة
واقعة في أللاوعي
: هؤلاء ليسوا عدوًا
: ضريبة الحرب
: المصيبة في أن الحرب غير عاقلة وتستخدم العقلاء أعضاءً لتكون من خلالهم.