عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
28

المشاهدات
4398
 
فارس العمر
من آل منابر ثقافية

فارس العمر is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
481

+التقييم
0.28

تاريخ التسجيل
Aug 2019

الاقامة
الشرق الأوسط

رقم العضوية
15897
04-14-2020, 07:54 PM
المشاركة 1
04-14-2020, 07:54 PM
المشاركة 1
افتراضي مَعْزُولٌ في الْبَيْت
مَعْزُولٌ في الْبَيْت
وراء الجدران المغلقة

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا أنْ نتهيّب قليلًا، وننصرف إلى ممارسة الأعمال المتواضعة الصغيرة. من مثل أنْ نقرأ كتابًا من الكتب التي نفتخر بأنّنا نقتنيها فوق رفوف مكتباتنا الفاخرة، المعروضة للتشاوف أمام الزوّار الأقربين والأبعدين.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا أنْ نعيد الاعتبار إلى العلاقات الطبيعيّة المفقودة، أو شبه المفقودة، بين الأبناء والآباء. من مثل أنْ يتعرّف الواحد منّا إلى ابنه وابنته، اللذين لا يعرف عنهما، ومنهما، الشيء الكثير، ولا هما يعرفان عن (ومن) الواحد منّا الشيء الكثير. لحظةٌ استثنائيّةٌ كهذه، قد لا تتكرّر مدى العمر، فلنغتنمْها.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا برجاءٍ عظيم، دعوة المنظّرين الاستراتيجيّين والأساتذة والجهابذة، في كلّ مجال، فضلًا عن السياسيّين والاقتصاديّين ورجال المال، وقادة الأحزاب، وأمراء الدين، إلى أخذ إجازة، ولو لأسبوع، لأسبوعين، والامتناع عن جلد الناس بهذا الموضوع أو ذاك.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا، كمواطنين، وعلى طريقة كلٍّ منّا، وبدون ادّعاء، وتفلسف، أنْ نحصّن مناعتنا الروحيّة والفكريّة والمعنويّة و... الوطنيّة، فنقاوم كلّ ما يربض على صدورنا، وكلّ ما ينخر عقولنا، وكلّ ما يقضّ مضاجعنا.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا أنْ نربح الوقت الضائع ببلورة مكوّنات الرؤية السياسيّة والوطنيّة الواضحة، وتعزيزها، من طريق – أوّلًا وثانيًا وثالثًا - لجم الانفعالات والغرائز وردود الأفعال، ومن طريق غربلة المعطيات والمعلومات، فلا ننساق – بلا تفكير – إلى تعميم السلبيات ونشرها وتناقلها، كما لو أنّنا محض آلات ودمى وصناديق بريد.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا أنْ نعيد النظر في طقوسنا وعاداتنا وغلاظاتنا و"ثوابتنا" الراسخة. من مثل أنْ نقلّل ثقل الدمّ، وأنْ نتوقّف عن الجلاغة.

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكننا مثلًا – بحكمةٍ ما بعدها حكمة، وبتبصّرٍ ما بعده تبصّر - أنْ نغربل كيفيّات تأليف حكومةَ ظلّ، ووضع برنامج عمل لها، في موازاة حكومة الشمس "الرسميّة".

في البيوت، وراء الجدران المغلقة، وفي ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، يمكن الواحد منّا أنْ يكون ناقد ذاته، قبل أنْ يكون ناقد غيره. من شأن هذا النقد الذاتيّ، أنْ يخوّله أنْ يكون صاحب شرعيّةٍ عقلانيّة – واقعيّة – موضوعيّة، لنقد الغير، أكان الغير شخصًا عاديًّا، أم مسؤولًا، أم حاكمًا، أم ديكتاتورًا، أم ناطقًا باسم ديكتاتور.

في البيت، وراء الجدران المغلقة، في الليل العاديّ، كما في النهار العاديّ، كما في ظلّ حال الطوارئ والتعبئة العامّة، أجدني واصلًا ليلي بالنهار، قارئًا متصفّحًا الكتب العظمى، وأجدني كتابًا صغيرًا خجولًا متواضعًا متهيّبًا، وحبرًا باحثًا عن نقطة ضوء في ليل العالم!
النهار