عرض مشاركة واحدة
قديم 08-17-2011, 12:19 AM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع القراءة النقدية لقصة المهلهل

مباركٌ, رزقت بمولود كالقمر..
قالتها الممرضة ذات يوم لوالدي..

- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغني للقمر..

هكذا بدأت حياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍ بعيدة.

كنت أصيح أحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاف فمي..
- يا للسخرية بدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدار تذمري..
وكانت تلك آخر جملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذا أتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."

لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

جزء من حياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفر الفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..
أناس كثر على معرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.
ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلك الشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلى القبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.