الموضوع: حذاء
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
2758
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
07-17-2014, 10:05 PM
المشاركة 1
07-17-2014, 10:05 PM
المشاركة 1
افتراضي حذاء
زوج حذائه الأسود تشع من خلاله خيوط النور ، فهو مصبوغ و مصقول كقطعة رخامية ممردة . عادة يواجه الكثير من المتاعب مع الأحذية ، فلا يقف على التي تنال استحسانه إلا بشق الأنفس ، فمن جهة يحب العثور على الجودة بثمن بخس و هي معادلة لا تستقيم مع حكمة السوق ، و من جهة أخرى ندم ما بعد الشراء فالمتشكك في ذوقه واختياراته تعتريه وسوسة قصور معرفة انتقاء ما يرضيه . كم مرة خذله ذوقه و سقط في شباك المزيفين ، يحب الأحذية اللينة ملمسها و الضيقة ملبسها، تطوق بإحكام قدمه و تعطيه انطباعا رياضيا ، فيحس رشاقة في حركته ، ومرونة في نفسيته . لا يزال يتذكر عندما صاحب أصدقاءه في رحلة ، إذ ذاك اشترى زوجا قرمزي اللون ، كان و بالا عليه ومحل سخرية من رفاقه ، كيف له يتأكد إن كان فعلا كما يصفه أصحابه ، فبين الفينة و الفينة يتساءل واحد منهم عن مصدر هذه الرائحة البشعة ، أحس برودة جبهته فعلم أن مسامه أطلقت مرطباتها و قد اشتعل مصباح الخطورة الأحمر منذرا باحتراق أحشائه ، فور هبوطهم من السيارة تسلل إلى مرحاض المقهى وخلع فردة قرمزية قربها من أنفه لكن رائحة المرحاض أقوى فأفرغ في البالوعة ماء وافرا ، ورش فضاءه بالعطر ، وقبل قارورته الصغيرة ، التي أفرغ بعضا منها داخل حذاءيه . رغم أن أصدقاءه اعتذروا له يوم انتهت الرحلة بأنهم فقط يمازحزنه و يخادعون براءته الساذجة ، إلا أنه منذ ذلك اليوم تقشعر نفسه من الأحذية خاصة القرمزية منها . بالأمس اشترى هذا الزوج الحالك بثمن مجحف على حساب خدمات أخرى من مرتبه . تحمل هذه التكلفة الزائدة ليظهر بمنظر لائق ، فخطواته تتقدمه وحذاؤه يرسل اشارات تنبيه لكل الحاضرين أن هذا الرجل له مكانته ، يسبقه كحاجب يزيح عن طريقه العراقيل ، فجأة دوّت صفارات الإنذار فتتدافع الجميع للخروج من قاعة المؤتمر الصحفي الذي من المقرر أن يحضره ممثل ذاع صيته ، ألقي عليه القبض كدجاجة في الحوش فما استطاع المقاومة ، سئل عن اسمه وحزبه وعشيرته وطائفته و ما ملكت يمينه ، جرد من حذائه و سرواله و فحصوا حاسوبه المحمول ولم تشفع له بطاقة الصحافة و لا قانون سرية المصادر ، لتصفر الصفارات من جديد معلنة نهاية تمرين الاستقبال . مال على سرواله و دفن فيه ما تبقى من كرامته و قرب حذاءه من أنفه فأحس بقشعريرة ما ، قام بقلبه فوجد أسفله عجينا لا تخفى رائحته تماما كما التي تنبعث من الأحذية العتيدة التي يرتديها رجال التدخل السريع ، كان رأسه عند قدمين و وجهه يستقبل الأرض و فكر كثيرا في التمسح بتلك الأحذية الصلبة الغليظة عند تصفيد يديه البرئيتين لعل الرحمة تهبط عليها و لا تقذفه بركلات موجعة أو ترفس عظامه الهشة فيكون من ذوي العاهات المستديمة ، أسرع نحو الحمام ، و سوى كل عيوبه ونفث العطر على هيئته و مسح غبش نظارتيه . سامح نفسه على عجزها و قبولها بالبهدلة لعلها تواصل كدّها ، و عفى عن فريق مكافحة أعمال الشغب و إقدامهم على التمارين في عز الحدث ، فاليوم كان من نصيبه أن يكون فأر تجربة ، اعتذر من حذائه لتقاعس عينيه و ذهابهما نحو مفاتن النساء ، حتى علق به ذلك العجين النتن .
استوى على كرسيه منتظرا خروج الفنان ، كان يرتدي أحذية مخروطية ، كالنعال لكأنه وحيد الأصبع ، قميص فضفاض على جسمه و شعره مشتت على رأسه ، حدق فيه طويلا حتى كاد ينسى التقاط صورة له كما يفعل زملاؤه ، عجيبة انت أيتها الشهرة ، تختارين من شئت و تجافين الأخرين ، تنبه أنه واحد من صانعي الشهرة ، لكن ما العمل ، لقمة الخبز و ما جاورها من فنجان القهوة أضف إلى ذلك الأحذية تضطره إلى مواصلة العمل . تذكر مقالته عن مدير شركة يابانية احتفل مع مستخدميه فور تعيينه على رأس الشركة ، بأن أحضر ممسحة و منديلا و طلاء و لبس وزرته متقرفصا أمام صندوق تعلوه قدم خشبية على بعد خطوات من باب الشركة ، و قام بمسح أحذيتهم جميعا ، إيمانا منه أن الشركة لن تقوم لها قائمة إلا على دعامات سيقانهم و مدى صلابة أقدامهم ونظافة أحذيتهم .
بدأ الفنان يجيب عن الأسئلة ببرودة ومستملحات هزلية و صاحبنا بجده المعهود يسجل تلك الجمل الركيكة لعله يحصل فيها على توطئة يضخم مغزاها و ينفخ فيها روحا آسرة ، لكن الفنان أبى إلا أن يهين ذكاءه مستعرضا وقاحته على مرأى ومسمع رجال وهبوا حياتهم لانقاذ ما يمكن انقاذه من الذوق . فجأة تخلص من فردة و صوبها إلى وجهه حين تراءى له ذئبا ينهش عرض الكلام ، أخذ الفردة الثانية لعلها تلتحق بزميلتها لتحتفلا بترسيخ حدث إعلامي غاية في التشويق والإثارة .