الموضوع: الأدب الفرنسي
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-25-2010, 01:42 AM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
سأتابع معك عزيزتي دنيا


على ضفاف الأدب الفرنسي:


إيزادور دوكاس الذي أطلق على نفسه اسم الكونت لوترمون، أصدر كتابه الشعري الوحيد الذي غير وجه تاريخ الأدب الفرنسي(أغنية مالادورور) الذي يتحدث فيها عن نضال الإنسان ضد محاولات سيد الظلام في الاستيلاء على الروح. وهو يحوي اشتياقات إلى الخلود، والصرخات الإنسانية التي تئن من الألم مختلطة بقهقهات الشيطان الصفيقة الذي يقود العربات المجهولة ويلسع بالسوط ظهور الأحصنة التي تجرها بتهكم وتمرد وسادية وشهوانية وعنف ورعب. في الأماكن التي يمر تحجب سحب الظلام سحنته. بطل الكتاب هو مالادورور، صوت الشر، ظل الشيطان. الأغنيات هي، صوت وموسيقي الشر. وفي الفرنسية مالد: الملعون، وأورور: الشفق. شفق الشر، شيطان الشفق، أو باختصار الشيطان.

ولد إيزادور دوكاس في 4 نيسان (ابريل) عام 1846 في مونتوفيدو في (أورغواي). حينما قضي لوترمون نحبه ، كان في الرابعة والعشرين من عمره. تاركاً كتابه الذي لم يره مطبوعاً (أغاني مالادورور) مع القليل من إنتاجه، إضافة إلى بعض الرسائل وصور عدة. لقد عاش لوترمون 24 عاما و7 أشهر و20 يوماً. وقد جاهد ألا يترك كثيراً عن تفاصيل حياته، وهو حينما يكتب باسم لوترمون، كان يبدو وكأنه يريد تبرئة مسؤوليته عن حياته وكتاباته.

كتب دوكاس ديوانه (أغنيات مالادورور) وهو على مقاعد الدراسة الثانوية. وقد رشحته عبقريته المبكرة إلى أن يكون رائد الحداثة في الشعر الفرنسي. حيث يمكن اعتبار قصائده من نمط قصيدة النثر التي كان يترنم بها أولاً على أنغام البيانو.

في الأغنية الأولى لـ لوترمون أتمنى من الرب أن يحول القارئ إلى وحش أثناء قراءة هذا الكتاب، وأن يهتدي إلى سبيله وسط المستنقعات والسبل الموحشة من دون أن يضل سبيله. لأنه إذا لم يبادر إلى القراءة بتوتر روحي فالروائح التي تفوح من هذا الكتاب سوف تمتص روحه كما يمتص السكر الماء. إن قراءة كل من هب ودب الصفحات سوف لن يكون فاتحة خير. القليل سوف يكون بإمكانهم تذوق هذه الثمرة المرة من دون أن يتعرضوا للأذى..

كتاب مادورور كتاب خطير.. فالكاتب يوقظ وينبه الروح. وبالإمكان التراجع، كما يقول لوترمون، قبل التوغل في أعماق الغابات العذراء. أما البقية فالقارئ يدفع ثمن مواصلته لكتاب الشيطان المقدس.

كتاب يستحيل إيجازه. بل يجب قراءته على مراحل، فالشاعر في أغنيات مالدورور، يستغل طاقاته الإبداعية لخلق عالم سريالي، عازفاً علي وتر حياته. فـ لوترمان يتمرد على المقدسات والقيم القدسية، ويتحدث في العالم الذي أقامه مع الحيوانات وأشياء غامضة في حوادث غير مألوفة، مدخلاً صوته المتمرد العاصي على كل النغمات والترانيم، مستلهماً الوحي من المخاوف الإنسانية. إنه مصاص دماء يعيش على الدم. إن تعابير وطقوس مصاص دماء الكونت لوترمون يتقاطع مع الكونت دراكولا، حيث يرعب القارئ، ويسخر من الفنتازيا الدينية، وهو أمير الظلام الذي ينتزع من بنية الشعر، قلب الشعر التقليدي، نافخاً لبنية الشعر الحداثوي نفساً من الجحيم.
بعض يكتب مستغلاً مخيلته الشعرية للحصول على الثناء والتقريض، أما أنا، فأنا فأستغل عبقريتي من أجل التلذذ بتصوير لذة سفك الدماء !

كما أنه يكشف في تفسير مفهومه الشعري ضرورة تحطيم أوثان الشعراء الذين يتمتعون بالحصانة. أملأ فراغ القلق بالشجاعة، والشك بالإيمان، والخيبة بالأمل، والتذمر بروح المسؤولية، والسفسطة بهدوء اللامبالاة، والغرور بالتواضع يسخر لوترمون، من هذا المفهوم التقليدي ويضع مفاهيم اعتبرت بمثابة الإطار الذي تأسست عليه الحداثة في القرن العشرين ... الشعر لم يتقدم مليمترا واحداً منذ عهد راسين بل تخلف. تخلف بفضل من؟ بفضل زمرة من الأدعياء من أصحاب العقول المتخدرة: الاشتراكي المتصلب جان جاك روسو، والخنثي المختونة جورج صاند، ومملوك الأحلام السكري إدغار آلن بو، وتاجر البهارات الذي لا ينافس توفيل غوتيه، والمنتحر الباكي غوته، والمنتحر المبتسم سانت بوف، واللقلق المتباكي لامارتين، والنمر الذي لم يثب ليرمنتوف، والعصا الخضراء القبيحة فيكتور هيغو، ومفتون العاهرات موسيه، وفرس بحر الجحيم والغابات اللورد بايرون (أغنيات مالدورور ص 251) إن دوكاس، يؤمن بأن فلسفته الشعرية أهم من الشعر نفسه. وبالنسبة له فالشعراء يتفوقون على الفلاسفة. والشاعر الذي يؤمن بأن ما يقوم به هو تأكيد أن مهمته الأساسية كشاعر، هي الوصول إلى منبع ومصدر الشعر. وحينما يقول دوكاس إن نهاية القرن التاسع عشر سيشهد ميلاد شاعرها، كان يبدو وكأنه يتنبأ في الوقت نفسه بمصيره هو.
لقد تغيرت هيئة وسحنة الشاعر إلى الرجل الذئب وإلى مصاص للدماء وإلى فيلسوف في الديوان.. ترى هل عادت السكينة إلى روح الشاعر عند وفاته في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1870؟
ما أروعه من شرف للإنسان، أن يرى الرب البشر قادرين على تحمل هزائم لا تطاق ثم يضيف الفتى الذي يتهدل خصلات شعره على جبينه: لو لم نكن بشراً لكنا الحقيقة ذاتها.



(منقول من ملف سلسلة الآداب العالمية)


تحيتي يا دنيا وتقديري

هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)