عرض مشاركة واحدة
قديم 10-01-2010, 03:36 PM
المشاركة 10
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
تابع رابعاً :


الثاني : ذكر الموت من ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات و ميتم البنين و البنات كما تقدم في الباب قبل ،
يروى أن امرأة شكت إلى عائشة رضي الله عنها قساوة قلبها . فقالت لها : أكثري من ذكر الموت يرق قلبك .
ففعلت ذلك فرق قلبها . فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها .

قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، و يلين القلب القاسي ، و يذهب الفرح بالدنيا و يهون المصائب فيها .
الثالث : مشاهدة المحتضرين ، فإن في النظر إلى الميت و مشاهدة سكراته ، و نزعاته ، و تأمل صورته بعد مماته ، ما يقطع عن النفوس لذاتها ، و يطرد عن القلوب مسراتها ،
و يمنع الأجفان من النوم ، و الأبدان من الراحة ، ويبعث على العمل ، و يزيد في الاجتهاد و التعب .

يروى أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه ، و شدة ما نزل به ، فرجع إلى أهله ، بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له :
الطعام يرحمك الله فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم و شرابكم . فو الله لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه .

فهذه ثلاثة أمور ينبغي لمن قسا قلبه ، و لزمه ذنبه ، أن يستعين بها على دواء دائه ، و يستصرخ بها على فتن الشيطان و إغوائه ، فإن انتفع بها فذاك ، و إن عظم عليه ران القلب ،
و استحكمت فيه دواعي الذنب ، فزيارة قبور الموتى تبلغ في دفع ذلك مالا يبلغه الأول ، و الثاني ، و الثالث .

و لذلك قال عليه السلام زوروا القبور فإنها تذكر الموت و الآخرة ، و تزهد في الدنيا ، فالأول : سماع بالأذن ،
و الثاني : إخبار للقلب بما إليه المصير ، و قائم له مقام التخويف و التحذير في مشاهدة من احتضر ، و زيارة قبر من مات من المسلمين معاينة ، فلذلك كانا أبلغ من الأول و الثاني .
قال صلى الله عليه و سلم : ليس الخبر كالمعاينة رواه ابن عباس و لم يروه أحد غيره إلا أن الاعتبار بحال المحتضرين غير ممكن في كل الأوقات . و قد لا يتفق لمن أراد علاج قلبه في ساعة من الساعات ،
و أما زيارة القبور : فوجودها أسرع ، و الانتفاع بها أليق و أجدر ، فينبغي لمن عزم على الزيارة أن يتأدب بآدابها ، و يحضر قلبه في إتيانها ، و لا يكون حظه منها الطواف على الأجداث فقط ،
فإن هذه حالة تشاركه فيها بهيمة و نعوذ بالله من ذلك .
بل يقصد بزيارته : وجه الله تعالى ، و إصلاح فساد قلبه ، أو نفع الميت مما يتلوه عنده من القرآن . على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . و يجتنب المشي على المقابر ، و الجلوس عليها إذا دخل المقابر ، و يخلع نعليه .
كما جاء في أحاديث ، و يسلم إذا دخل المقابر ، و يخاطبهم خطاب الحاضرين .
فيقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، كذلك كان عليه الصلاة و السلام يقول ، و كنى بالدار عن عمارها و سكانها . و لذلك خاطبهم بالكاف و الميم لأن العرب تعبر بالمنزل عن أهله . و إذا وصل إلى قير ميته الذي يعرف سلم عليه أيضاً
فيقول : عليك السلام .

روى الترمذي في جامعه : أن رجلاً دخل عبى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال : عليك السلام ، فقال صلى الله عليه و سلم : لا تقل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الميت و ليأته من تلقاء وجهه في زيارته كمخاطبته حياً ،
و لو خاطبه حياً لكان الأدب استقباله بوجهه . فكذلك ههنا .
ثم يعتبر بمن صار تحت التراب ، و انقطع عن الأهل و الأحباب ، بعد أن قاد الجيوش و العساكر ، و نافس الأصحاب و العشائر ،
و جمع الأموال و الذخائر ، فجاءه الموت على وقت لم يحتسبه ،
و هول لم يرتقبه .
فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ، و درج من أقرانه ، الذين بلغوا الآمال و جمعوا الأموال . كيف انقطعت آمالهم ، و لم تغن عنهم أموالهم ، و محا التراب محاسن وجوههم ، و افترقت في القبور أجزاؤهم ، و ترمل بعدهم نساؤهم ، و شمل ذل اليتم أولادهم ، و اقتسم غيرهم طريقهم و بلادهم .
و ليتذكر ترددهم في المآرب ، و حرصهم على نيل المطالب ،
و انخداعهم لمؤاتاة الأسباب ، و ركونهم إلى الصحة و الشباب ،
و ليعلم أن ميله إلى اللهو و اللعب كميلهم ،
و غفلته عما بين يديه من الموت الفظيع و الهلاك السريع كغفلتهم ، و أنه لا بد صائر إلى مصيرهم ، و ليحضر بقلبه ذكر من كان متردداً في أغراضه ، و كيف تهدمت رجلاه .
و كان يتلذذ بالنظر إلى ما حوله و قد سالت عيناه ، و يصول ببلاغة نطقه ، و قد أكل الدود لسانه ، و يضحك لمؤاتاة دهره و قد أبلى التراب أسنانه ، و ليتحقق أن حاله كحاله ، و مآله كمآله ، و عند هذا التذكر و الاعتبار ، يزول عنه جميع الأغيار الدنيوية ، و يقبل على الأعمار الأخروية ،
فيزهد في دنياه ، و يقبل على طاعة مولاه ، و يلين قلبه ، و يخشع جوارحه . و الله أعلم .

= جاء في هذا الباب : حديث يعرض حديث هذا الباب .
و هو ما خرجه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب في كتاب السابق و اللاحق ، و أبو حفص عمر بن شاهين في الناسخ و المنسوخ له في الحديث بإسناديهما عن عائشة رضي الله عنها قالت :
حج بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم حجة الوداع فمر بي على عقبة الحجون و هو باك حزين ، مغتم فبكيت لبكائه صلى الله عليه و سلم ثم إنه طفر أي وثب فنزل فقال :
يا حميراء استمسكي فاستندت إلى جنب البعير .
فمكث عني طويلا ثم عاد إلي و هو فرح مبتسم فقلت له : بأبي أنت و أمي يا رسول الله .
نزلت من عندي و أنت باك حزين مغتم فبكيت لبكائك يا رسول الله ، ثم إنك عدت إلي و أنت فرح مبتسم فعن ماذا يا رسول الله ؟ فقال : مررت بقبر أمي آمنة فسألت الله ربي أن يحييها فأحياها فآمنت بي ـ أو قال ـ فآمنت و ردها الله عز و جل لفظ الخطيب .
و قد ذكر السهيلي في الروض الأنف بإسناد فيه مجهولون [ أن الله تعالى أحيا له أباه و أمه و آمنا به ] .

قال الشيخ القرطبي رحمه الله : و لا تعارض و الحمد لله ، لأن إحياءهما متأخر عن النهي بالاستغفار لهما . بدليل حديث عائشة رضي الله عنها : أن ذلك كان في حجة الوداع و كذلك جعله ابن شاهين ناسخاً لما ذكر من الأخبار .

قال القرطبي : و يبينه حديث مسلم عن أنس أن رجلاً قال يا رسول الله : أين أبي ؟
قال : في النار فلما قفا دعاه قال : إن أبي و أباك في النار و حديث سلمة بن يزيد الجعفي و فيه
فلما رأى ما دخل علينا قال : و أمي مع أمكما و هذا إن صح إحياؤهما .
و قد سمعت : أن الله تعالى أحيا له عمه أبا طالب و آمن به . و الله أعلم .

و قد قيل : إن الحديث في إيمان أمه و أبيه موضوع يرده القرآن العظيم و الإجماع قال الله العظيم و لا الذين يموتون و هم كفار فمن مات كافراً لم ينفعه الإيمان بعد الرجعة ،
بل لو آمن عند المعاينة لم ينتفع فكيف بعد الإعادة ؟ و في التفسير أنه عليه السلام قال :
ليت شعري ما فعل أبواي فنزل و لا تسأل عن أصحاب الجحيم .

قال القرطبي : ذكره الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية و فيه نظر ، و ذلك أن فضائل النبي صلى الله عليه و سلم و خصائصه
لم تزال تتوالى و تتابع إلى حين مماته ، فيكون هذا مما فضله الله تعالى و أكرمه به .
ليس إحياؤهما و إيمانهما بممتنع عقلاً و لا شرعاً .
فقد ورد في الكتاب إحياء قتيل بني إسرائيل و إخباره بقاتله ، و كان عيسى عليه السلام يحيى الموتى ،
و كذلك نبينا عليه الصلاة و السلام أحيا الله تعالى على يديه جماعة من الموتى ، و إذا ثبت هذا فما يمنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة في كرامته و فضيلته مع ما ورد من الخبر في ذلك و يكون ذلك خصوصاً فيمن مات كافراً ،
و قوله : فمن مات كافراً إلى آخر كلامه مردود بما روي في الخبر أن الله تعالى رد الشمس على نبيه عليه السلام بعد مغيبهما ، ذكر أبو جعفر الطحاوي و قال : إنه حديث ثابت فلو لم يكن رجوع الشمس نافعاً و أنه لا يتجدد الوقت لما ردها عليه ،
فكذلك يكون إحياء أبوي النبي صلى الله عليه و سلم نافعاً لإيمانهما و تصديقهما بالنبي صلى الله عليه و سلم .
و قد قبل الله إيمان قوم يونس و توبتهم مع تلبسهم بالعذاب فيما ذكر في بعض الأقوال و هو ظاهر القرآن .
و أما الجواب عن الآية فيكون ذلك قبل إيمانهما و كونهما في العذاب . و الله بغيبه أعلم و أحكم .



..... يتبع