الموضوع: ماذا سأكتب؟
عرض مشاركة واحدة
قديم 02-28-2021, 08:46 AM
المشاركة 133
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: ماذا سأكتب؟
مذكراتي بين السماء والأرض

لعل مقعد الطائرة هو الموضع الوحيد الذي يتيح لك الجلوس مع شخصيات من مختلف الجنسيات لا تعرف منهم أحداً، بطبيعة الحال هم بشر مثلك، ولكن وجه الاختلاف أنهم يعيشون في أماكن متفرقة، وهذه الأمكان جعلتهم يختلفون عنك، قد يكون في اللون أو اللغة أو الدين، لكنهم في أول الأمر ومنتهاه بشر مثلك ومثلي…
في فترات من حياتي كنت أتواصل مع من يجاورني في مقعد الطائرة، أتحدث معه في أمور شتى وفق الأشخاص والمواقف، لهذا تمر في حياتي صور مازالت في الذاكرة قد تكون في السماء أو على الأرض، وقد أدون جانباً منها:
في رحلة قادمة من لندن وكان ذلك بالتحديد 22 يناير 2019 ، جلس بجانبي شاب أسيوي وقد ظل نائماً طوال الرحلة، لم يستيقظ حتى لتناول الطعام، بل إنه امتنع عن ذلك، وعندما اقتربنا من الكويت وأفاق من نومه، فتحتُ حواراً معه وسألته: طوال الرحلة لِمَ لمْ تأكل؟ فكان جوابه "إن طعام الطائرات ليس جيداً، وأنا مهندس بهذه الطائرة وأعرفُ ذلك" وفعلا عدتُ بذاكرتي إلى الوراء قبل أسبوع من وصولي لندن فقد كنتُ أعاني أثناء رحلتي بتوعك معوي حتى أن والدي يقول ربما أصبت بكرونا وحماكِ الله لأن وقتها كان المرض منتشراً في أوروبا ، لا أعلم ، المهم قررت أنا وأسرتي تجنب أكل الطائرات، ما عدا الخبز والجبن، بينما نمتنع تماماً عن الوجبات المطبوخة المجهزة، وقد كانت نتائج هذا الامتناع إيجابية، واستبدلنا وجبات المطاعم بطعام الطائرات، إذ نتناول وجبتنا في مطعم بأول مطار ننزل فيه.

وفي رحلة كنت قادمة فيها من جدة للكويت ، جلست بجانبي شابة كويتية ، وبينما رحنا نتحدث معا، مرت الطائرة بعدد من المطبات الهوائية التي سببت لنا بعض الإزعاج، فأخبرتني عن تجربة أخيها الذي كان يعمل طياراً فترة وبعدها تقاعد،ولكن الطيار المتقاعد تبين له أنه لم يعد قادراً على العيش حياة طبيعية على الأرض بينما طوال حياته كان معلّقا في الفضاء وهكذا قرر التقدم للعمل مرة أخرى والعودة لعمله طياراً. فاستعاد إحساسه بالعودة لحياته الطبيعية بكل مافيها من مطبات هوائية.

وفي إحدى الرحلات إلى أمريكا أثناء دراستي كان يجلس بجانبي رجل أعمال أمريكي، أخبرني أنه مسوق لأشرطة برامج المصارعة الحرة الأمريكية وأنه كان في طهران وقبلها بغداد فسألته كيف ذهبت إليهما؟ قال حكومتي منحتني جوازي سفر، وهكذا تمكنت من دخولهما، فغايتي أن أسوق أعمالي ولا علاقة لي بأمور إخرى..

بعد عدة رحلات وأنا معلقة في الفضاء، فقد زادت مخاوفي وقلقي أنا وغيري ، من التعرض للسرقة أو النصب عندما تطأ قدمك الأرض، لهذا لا يغيب عن ذاكرتي أول عملية نصب تعرضت لها، ففي رحلة من الكويت إلى الإمارات تعرّفت على راكبة أكبر منّي سنا، ادّعت إنها خليجية، لكني شككت في ذلك، لكن حديثها بدى طيّباً ومرحا، حتى أنني شعرت وكما لو أني أعرفها منذ زمن طويل، والتقيتها بعد ذلك في أحد الفنادق على دعوة منها، و بعد اللقاء وقبل أن أغادر، جاءتني محرجة طالبة منّي أن أدفع تكلفة الفندق الذي تسكن فيه ،قائلة أنها نسيت محفظتها في مدينة أخرى، ولم أتردد في مساعدتها، ودفعت المبلغ من بطاقة ائتماني، وشكرتني لإنقاذي الموقف،ووعدتني أن تحول ما دفعته لها لحسابي في الكويت مع أنني لم أطلب منها ذلك، وودعتني الوداع الحار !
لكن بعد عدّة ساعات اكتشفت مُصادفة أنها انتحلت شخصيتي وذهبت لمكتب بطاقة الائتمان وادّعت أنها أنا وأنها فقدت كل أوراقها الثبوتية وطلب بطاقة جديدة.
أبلغتُ المسؤول الذي اتصل بي أن هناك عملية نصب وأن بطاقتي معي ولم أفقدها.

أما السرقة التي تعرضت لها فكانت في محطة المترو في روما، عندما دخلت القاطرة فوجئت بازدحام مفاجئ وتدافع رهيب، واكتشفت أن محفظتي قد سُرقت، وتبينت أن صناعة الازدحام تتقنه عصابات تمتهن السرقة، خاصة في محطات القطارات.
وبعد عقود من السفر علقت هذه الحكايات وغيرها في ذاكرتي ، لكنني أخذت درساً وخاصة في أخذ الاحتياطات اللازمة من التعرض للسرقة، لهذا في الفترة الأخيرة كنت أضع خطة احتياطية عند السفر، فلا أحمل معي إلا كل ماهو رخيص الثمن من ساعة أو قلم أو محفظة أو حقيبة أو نظارة، وكذلك أكثر من بطاقة ائتمان وجهازي موبايل أحدهما أحتفظ فيه بكل المعلومات، وقد أنقذتني الخطة عندما تعرضت للسرقة في روما إذ كان صندوق الأمانات في غرفتي به هاتف إضافي وبطاقة ائتمان إضافية وجواز سفري وبعض النقود، لهذا أكملت سفري بدون أن أتأثر بالسرقة.

وفي رحلتي الأخيرة لأمريكا قبل أسبوع قمت بتصرف أثار انتباه شاب يجلس على مقعد في الجانب الآخر ودفعه فضوله لسؤالي عندما هبطت الطائرة، وكان قد لاحظ أنني أمسكتُ بكتاب واستغرقتُ أقرأ فيه طوال الرحلة، وقد كانت تلك عادتي دائماً، وفي الحقيقة لم أستغرب سؤاله، فنادرا ما تشاهد عربياً يقرأ في الطائرة .