عرض مشاركة واحدة
قديم 12-08-2011, 09:05 AM
المشاركة 112
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الأديب الليبي أحمد إبراهيم الفقيه‏:‏ القذافي هددني بالقتل‏!
استطاع أن يهرب من مقصلة القذافي‏,‏ وأن يبدع بعيدا عن سمائه‏,‏ ويحتل مكانة مرموقة في أرض غير الأرض التي ولد فيها‏, وعبر رحلة طويلة وصعبة من الإبداع لم يترك لونا أدبيا إلا وكان له نصيب فيه, فاستطاع أن يخرج للمثقف العربي عشرات الكتب ما بين قصة ومسرحية ورواية إضافة إلي مئات المقالات التأملية والبحوث الأدبية والفكرية, وترجم العديد من أعماله إلي لغات عدة لتصل آفاقه الإبداعية إلي عواصم عالمية غير قليلة, فصار رمزا من رموز ثقافتنا العربية, وعلما من أعلامها, وصفت الجارديان البريطانية كتاباته بأن فيها شيئا من العبقرية, وقال عنه يوسف إدريس: إنه عبقرية قصصية وإنسانية لا اعترف بغيرها في عالمنا العربي, إنه الأديب والمفكر الكبير الليبي دكتور أحمد إبراهيم الفقيه, الذي نعود معه في هذا الحوار إلي رحلة طويلة في عالم الإبداع وذكرياته فيها, فإلي نص الحوار..

س- هل لنا أن نبدأ أولا بذكرياتك وتكوينك الإبداعي ولتكن البداية منذ مولدك بقرية مزده ؟
- بدايتي لا تختلف كثيرا عن بداية أي أحد في دولنا العربية, فأنا ولدت بقرية مزده عام1942, وهي قرية تقع علي تخوم الصحراء, وتستطيع أن تقول إنها واحة, وكانت تتميز بأنها حلقة وصل بين أهل البادية والعمران, حيث كانت تبعد نحو160 كيلو مترا جنوب العاصمة طرابلس, فكانت أشبه بالمركز التجاري, وكان مصدر رزق الواحة هو الاشتغال بالتجارة مع أهل البادية, إلي جانب بعض الموارد الأخري التي تعينهم علي الرزق كزراعة القمح والشعير وجني التمور, وكانت القرية تخلو تماما من أي متع الحياة,
ولم يكن المكان وقتها يساعد علي الاستمتاع بالحياة وممارسة ألعاب الطفولة الموجودة في البلاد الأخري أو توافر فرص للتعليم والتثقيف والتحصيل العلمي.
ولكن برغم ذلك كان أهم ما يميز القرية هو وجود فقهاء بها, وكانت عائلتي إحدي العائلات التي قدمت للقرية عددا من هؤلاء الفقهاء, أو ما يعرف وقتها بمعلمي ومحفظي القرآن, ولقبت عائلتي باسم الفقيه, وهذا اللقب لقب به جدي المباشر, وتصادف وقت اشتغال جدي بهذه المهنة أن حدث تطور في طريقة التعليم علي يد محمد علي السنوسي صاحب الطريقة السنوسية فأنشأ زاوية في مزده( مدرسة قرآن) بدلا من الطريقة البدائية في تعليم الأولاد تحت شجرة في العراء, بعدما وجد السنوسي البؤس والجهل والاحتياج يعم المجتمع الليبي, فبدأ بإنشاء الزوايا السنوسية بليبيا, وكانت مزده هي ثاني مركز لهذه المدارس, وصار جدي أحد مدرسي هذه الزاوية ثم أحد مسئوليها.


ولكن القدر لم يمهل جدي أن يعلم أولاده كلهم, وكان أبي أصغر أبنائه, فلم ينل حظه من التعليم إلا لماما, أي ما يعينه علي القراءة والكتابة, وتزامنت وفاة جدي مع مجيء الإيطاليين إلي ليبيا, فعمل والدي بالتجارة وأنشأ حانوتا اي محلا لبيع ما يحتاجه أهل البادية.

ثم أنشأ الإيطاليون مدرسة ابتدائية حديثة بالقرية, غير أن الناس انفضوا من حولها, نظرا لأن التعليم فيها كان باللغة الإيطالية, فخاف الناس علي أولادهم من هذا النهج, فلم يقبلوا عليها, حتي عدل الإيطاليون من طريقتهم لإغراء الأهالي فأدخلوا فيها المناهج العربية بجانب الإيطالية, وانتهي الأمر إلي أن صارت تعلم العربية فقط, وكان ذلك في أواخر الأربعينيات, وكانت المدرسة تقتصر علي المرحلة الابتدائية فقط.


هل تعتبر أن وفاة الجد شكلت مرحلة مفصلية في حياتكم ؟
لا أستطيع أن أجزم بذلك, ولكن كما قلت لك من قبل إن وفاة الجد تزامنت مع دخول الإيطاليين إلي ليبيا, فانصرف الناس عن التعليم نتيجة عدم الاستقرار, ومع ذلك فلم يتغير وضعنا أو مركزنا بالقرية, حيث كان عمي الأكبر هو شيخ القرية إلي أن اصطدم بالإيطاليين فعزلوه من منصبه.


كم استمرت فترة إقامتك بالقرية ؟
ظلت فترة إقامتي بالقرية منذ مولدي وحتي إتمام المرحلة الابتدائية, وهي المرحلة التي أعتبرها فترة التكوين الأدبي والإبداعي لي, واتذكر عام1949 وعمري7 سنوات أن بالمدرسة مكتبة لم أجد مثيلا لها حتي الآن, فلم يكن هناك كتاب للأطفال صدر إلا ويكون موجودا فيها, أو حتي أمهات الكتب, وهذه المكتبة أسهمت في تكويني الأدبي إسهاما كبيرا, وفي هذه الفترة كنت نهما للقراءة بشكل كبير, فأتذكر أني دخلت المدرسة وأنا أقرأ القرآن, وفي السنة الأولي بالمدرسة الابتدائية كنت أستعير كتبا كثيرة, لكامل الكيلاني, والمكتبة الخضراء التي كانت تصدرها دار المعارف, وروايات الهلال لجورجي زيدان, ثم بعد ذلك المنفلوطي, إلي ان وصلت في السنة النهائية وكنت قد قرأت كل الروايات التي صدرت من روايات تاريخ الاسلام وبدات أقرأ كتب احسان عبد القدوس ويوسف السباعي ومحمد عبدالحليم عبدالله أو ما يسمي بالرومانسية المصرية, ولعلك تندهش حين تعلم أن المكتبة التي كانت رافدا مهما في تكويني الأدبي لي ولغيري لم يعد لها اي أثر الآن لا الكتب ولا المكتبة, لا يوجد بها كتاب واحد علي الإطلاق.

- ذهبت إلي طرابلس وعمرك15 عاما فهل نعتبرها البداية الحقيقية لك ؟
الحقيقة أن ذهابي إلي طرابلس تأخر كثيرا, وذلك نظرا لظروف المكان, إذ كان يأتينا فصل الربيع محملا بالرزق وكان والدي يضطر إلي الاستعانة بي, وكان ذلك يتسبب في تركي الدراسة, وحدث ذلك في عامين, مما دفع مدير المدرسة إلي مناشدة والدي بتركي للتفرغ للدراسة وعدم التسبب في ضياع مستقبله, وذهبت إلي طرابلس عام1957, للبحث عن مدرسة بعد الدراسة الابتدائية, وكانت توجد المدارس التقليدية كالأعدادي والثانوي, ولكن في ذلك الوقت ونتيجة لحداثة الدولة الليبية أنشأوا معاهد لاكتساب مهارات إدارية وذلك لملء فراغ المؤسسات الإدارية المنشأة حديثا, فكان المعهد الفني التجاري, وتزامن ذلك مع عشقي للكتابة, فأنشأت صحيفة مدرسية وفرقة مسرحية وشاركت أيضا في التمثيل والنشاط الكشفي, ثم انتقلت في السنة الأخيرة إلي الصحافة الحقيقية في عام1959 ونشرت بها أول مقالاتي, كما قدمت تمثيليات بالإذاعة الحكومية, ثم اتممت تعليمي بهذه المدرسة وتسلمت وظيفة حكومية فور تخرجي, وكان حظي أن أعمل في مجال قريب من الصحافة هو قسم الاعلام في إدارة الجمعيات التعاونية, وتعرفت علي مدير هذه الجمعيات وعرض علي الإشراف علي القسم الإعلامي مع وعد بإرسالي في بعثة تعليمية في أقرب وقت, وقد كان, فأرسلني في عام1962 إلي مصر, وأنا لم أكمل بعد العشرين, وذلك في معهد لتنمية المجتمع بسرس الليان بالمنوفية يشرف عليه اليونسكو, وكانت تجربة ثرية جدا, فكان الدارسون بالمعهد من كل الدول العربية, والمدرسون علي أعلي مستوي, أتذكر منهم العالم التربوي الكبير حامد عمار, والدكتور سعيد عبده, وكانت إقامتي بالقاهرة فرصة للاتصال بالكتاب والمفكرين وأساتذة المسرح سعد الدين وهبة وسعد أردش والأستاذ عبد الحميد يونس أستاذ الأدب الشعبي, والمفكر والكاتب العراقي عبدالرحمن البزاز الذي كان يعيش في مصر, وخلال هذه الفترة أيضا ربطتني علاقة قوية وعميقة برجاء النقاش, ويوسف إدريس.

كانت لك علاقة طيبة بالأديب يوسف إدريس, صف لنا هذه العلاقة وكيف بدأت ؟
أنا كنت عاشقا للقصة القصيرة, وعاشقا لأدب يوسف إدريس, وقد بدأت اكتب محاولاتي الأولي في هذا اللون الأدبي وكانت لدي رغبة كبيرة في التعرف إليه, فاتخذت الصحافة طريقا للوصول إليه من خلال إجراء حوار معه, وكان ذلك بداية علاقة ممتدة حتي توفاه الله عام1991, برغم ما شاب علاقة مصر وليبيا من توتر في الفترة من1977 وحتي1990, وقد دعوته إلي المغرب ولندن وأماكن اخري كثيرة, كما كان دائم الزيارة إلي لندن بطبيعة الحال فكانت فرصة للقاء, وكان أحد من كتب عني في آخر ساعة عام1966 حين صدر أول كتاب لي( البحر لا ماء فيه), فكتب في زاوية( كتاب بين يدي) يقول: بين يدي الآن كتاب ضم مجموعة من القصص القصيرة, وصاحبه من الكتاب الواعدين وموهبة كبيرة في عالم القصة القصيرة, وكان أن سبق ونشر لي قصة عام1964 برغم أنها منشورة من قبل, ولكن حين قرأها نشرها في مجلة الكاتب مرة أخري.

رصيدك الإبداعي إلي أين وصل ؟
رصيدي الإبداعي, والحمد الله, كبير, ففي المسرح لدي مالا يقل عن40 عملا مسرحيا تتنوع أشكاله بين الكبير والصغير, ونحو19 رواية و14 عملا قصصيا و40 كتابا في تأملات الحياة, ورصيدي هذا كله جاء خارج إطار العمل الرسمي فلم أكن متفرغا للعمل الروائي أو الإبداعي, حيث عملت طوال حياتي بالحكومة, وتدرجت بوظائفها من موظف إلي مدير إداري ومحرر صحفي ثم رئيس تحرير إلي العمل في المجال الدبلوماسي الذي خدمت فيه نحو20 عاما ومازلت امارسه حتي الآن.


أي درجة من العمل الدبلوماسي عملت ؟
عملت رئيسا لبعثة ليبيا في اليونان ثم رئيسا لبعثة ليبيا ورومانيا, وهي علي درجة سفير, واخيرا عضوا في الوفد الليبي بالجامعة العربية وكنت قد دخلت العمل الدبلوماسي من باب الإعلام, إذ بدأت مستشارا إعلاميا في لندن في السبعينيات, وثم انتقلت للعمل في المجلس القومي للثقافة العربية بالمغرب.
بصراحة كل من في ليبيا كان مسخرا لخدمة القذافي, فهل كانت المجلة التي ترأس تحريرها إحدي الأدوات المسخرة لخدمته ؟
أقسم بالله أن هناك كتابات وقصائد جاءتني تمدح في النظام ورفضت نشرها, ولكن هناك حالة وحيدة ندمت ندما شديدا أني لم أنشرها, هذه الحالة كانت لشاعر كتب قصيدة مدح في القذافي وقد توفي في هذه الفترة, حيث كان يشكو من مرض عضال, أراد أن يتوسل بها كنوع من المجاملة من أجل أن يأمر القذافي بعلاجه أو تسعي الدولة إلي ذلك, وللأسف لم أنشرها لأنني لم أكن أعرف بحالته, كما أنه لم يسع إلي أن يعرفني بذلك, أو حتي أسباب كتابته للقصيدة.

باستثناء بعض الشخصيات وأنت منهم كونك أديبا معروفا, ولكن لماذا لم نسمع عن نجوم وشخصيات معروفة في ليبيا ؟
النظام الليبي كان يحارب كل متألق وناجح علنا, وكان عنده شعار لا نجومية في المجتمع الجماهيري وكانت هناك إدارة في الأمن الداخلي اسمها إدارة مكافحة النجومية, وهي ادارة تقول بصريح العبارة إنه ممنوع التألق, ممنوع التحقق علي المستوي الذاتي, ممنوع الابداع, ممنوع النجاح, مما يثبت بلا جدال أننا كنا نعيش حالة استثنائية, حالة شاذة, حالة مرضية بكل المقاييس, استمرت للاسف الشديد اثنين وأربعين عاما.

كيف هربت من هذه المقصلة ؟
هم حاربونا وحاصرونا بكل الأساليب الممكنة, وكنت ضمن من تمت محاربتهم, وطاردوني في كل مكان ذهبت إليه, ويهمني أن أشكر الناس الذين ساندوني رغم التعليمات المستمرة والدائمة من رأس النظام بمحاربة من يصنع لنفسه اسما, لأنه يمارس سياسة محو كل الأسماء إلا اسمه هو فقط. وكان هناك صديق لم يكن بعيدا عن النظام يقول لي يجب أن تحترس لأن القذافي سوف يفتعل ذريعة لقتلك لأنك صنعت لنفسك صيتا وسمعة في المجال الأدبي والفكر أكبر من كل المعدلات التي يقبلها القذافي, وحصلت هذه السمعة وهذا الصيت, خارج مجال سيطرته, وباءت كل المحاولات التي قام بها لمنعي من الحضور الثقافي والإعلامي بالفشل, وامتلكت ناصية النشر في الصحافة العربية, وترجمت أعمالي الي لغات العالم الكبري, بشكل كبير, دون عونه ومساعدته, ووصلت كتبي التي ترجمت الي اللغة الانجليزية الي أكثر من عشرة كتب في مجال القصة والرواية والمسرحية, دون أي عون أو مساعدة من ليبيا, بل وبعيدا عن إدارته وأجهزته, وقدمت مسرحياتي في كثير من مسارح العالم, وكل هذا كان يمثل شيئا مناقضا للسياسات التي ينتهجها مع الليبيين. وسيأتي وقت أشرح فيه العقبات التي وضعها في طريقي وهو يراني أحقق هذا الحضور والانتشار, بل صرف مئات الآلاف من الدولارات لإيقافي ومنعي.