عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 11:20 AM
المشاركة 803
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجزء الخامس والأخير من الحوار


(23) - يلاحظ على الرواية المحلية إغفالها للواقع المعاش واستبداله بواقع آخر إما باستلهام هموم المثقف أو قضاياه الثقافية والفكرية والسياسية وإما بالعودة إلى عالم القرية القديم وتحميله قضاياً معاصرة أو بالذهاب إلى الخارج لتحريك شخصيات النص في بيئات مغايرة تسمع بحرية التعبير والتعرية للعلاقات الاجتماعية والعاطفية وحتى الفكرية.. يا ترى ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك ؟
- وهل تتوقع أن تظل الأسباب المتعددة في موقعها حتى بعد بروز فعل آليات الاختراق الكلي للحواجز في عصر العولمة من فضائيات واتصالات بما فيها الانترنت ؟

* - أفهم من قولك " عالم القرية " .. أن المقصود بالعودة إلى الماضي كحل اسقاطي أو كطريقة لإظهار عدد من القيم الحضارية التي كانت سائدة في الواقع القروي القريب ومدى تأثر تلك القيم حالياً فيمن ورثها أو مارس بعضها .
نعم ..
لو قلنا إن الرواية – من أحدى الزوايا – هي كشف لعالم مغطى – بصورة أو بأخرى حتى ولو كان على صعيد التجربة الشخصية، فإن كتابة الرواية ستصطدم فوراً بعدد من الأسوار التي لا تسمح بالكتابة الروائية – تحديداً .
إن كلمة " حرية تعبيرية " لا يمكن كتابتها على لافته وحملها على بوابة الكتابة والكتاب .. حيث أن هذا قول مثالي ما لم يكن مرتبطاً بكليته بالواقع الاجتماعي وأظن أن المثقف يعلم ذلك ويعلم عبر عدة عوامل محشوة بالوصايا والمحاذير منها – الرقيب الذي تربى مع الزمن الكتابي في ذاته - .. كيف يصنع حلوله الكتابية بحيث يستمر ويستطيع أن يقول شيئاً مما يحمله من جمال مهذب تجاه الواقع .
كاتب الرواية – في حدود تجربتي الخاصة – لو وضع أمامه تلك الحواجز والموانع فلن يكتب شيئاً إذ أن حاجز الفهم الاجتماعي التقليدي والذي يكون مادة الكتابة .. سيكون أول المحبطين لمشروعه الكتابي فنحن في عالم شديد الوصاية متخم بالعيب والشائعة ولو لمجرد الذكر ولعلك تعلم أنني عانيت من هذه المسائل التي علمتني الكثير .
إذا ..
الأسباب الدافعة وراء الكتابة من الخارج أو العودة إلى الماضي – في الضفة الأخرى – معروفة وكما يقال فإن " الحاجة أم الاختراع " .

(24) - ما هي أقرب أعمالك الروائية إليك وكذلك القصصية ؟

* - كلها قريبة لكنني استطعت أن أرتاح قليلاً تحت ظل ورقات رواية ( في عشق " حتى " )، ربما لأنني قلت مما يقع في السريرة وبصورة صادقة مباشرة دون وسيط .

(25) - كيف تكتب الرواية ؟ وهل تخطط لهل ؟ هل تعدل وتضيف لمسودتها ؟ هل تتركها فترة طويلة ثم تعود إليها ، ومتى تقرر نشرها؟ وما الفرق بينها وبين كتابة القصة القصيرة؟

* - لعلك ترى العالم الفني الذي أنبش منه خامتي الكتابية .. كنت في البداية أقف أمام جبل كبير لا أعرف كيف اقتحم حدوده .. ومع التجربة أصبحت الأمور بمجرد مرجعية الفكرة .. تتعاود الأشياء وتشكل ذاتها لتقيم خطوطها دون تخطيط مسبق .. تبقى النهايات حيث لم أتعود الوصول أو الركض للوصول إلها، وهو أصعب ما يواجهني في كتابة العمل الروائي لذلك تجدني أدعها للاحتمالات في الغالب .
اكتب الرواية – وكل كتابة تقريباً – مرة واحدة هي السوداء وهي الأخيرة البيضاء .. ربما استفدت بحكم المنسوب البصري .. كيف أفكر قبل وضع الكلمة وليس أثناء وضعها أو بعدها.. ربما جعلني ذلك أتعامل مع الكلمة المكتوبة بحرص ودقة شديدتين .. غير أن هذا يحتاج إلى تريث وأحياناً بطء وعندما أكتب مقطعاً أقرأه واستبين أخطاءه فأقوم بإصلاحه ولا أتركه حتى أكون قد ضمنت بعدها كيف ابدأ فيما يليه أو على الأقل معرفة النقطة التي وقف عندها القلم .
أنا لا أعيد كتابة ما كتبت وإذا كان ثمة بعض التعديلات فإنها لا تأتي على الخطوط العريضة أبداً ولا أذكر أنني بنيت دوراً فهدمته من أجل هيكلية التغيير مع أنني أتمنى لو أن ذلك يحدث وأجدني هزيلاً إلى حدود العجز حين لا أجد مكاناً لنقل بعض جدران البناء من الداخل بل وأحسد الكتاب الذين يعيدون كتابة ما كتبوا فلا شك أن ذلك يمنحهم نافذة لإضاءة هواء المبنى .
لم يحدث وأن كتبت عملاً روائياً في أقل من عام وبعضها استنفذ مدة طويلة مثل رواية " صالحة " التي نسجت بين حالة وأخرى لوقت يقاس بسنوات ثم قدمت للنشر.
عندما أكتب العمل لا تأتي في بالي جهة النشر أو مكانها أو حتى فكرة النشر .. أكتب فقط وأعيش الكتابة وشأن موضوعها في كل شيء، و عندما أنتهي من كتابتها .. فهذا يعني لي أنها جاهزة للنشر تبقى القراءة الأخيرة التي أسميها ( قراءة النشر)
أما كتابة القصة القصيرة فتختلف اختلافاً واسعاً .. حيث أنها لا تأخذ وقتاً إلا لحالتها وزمنها النفسي اللائق ولم يحدث أن كتبت قصة ثم تركتها في مقطع ما للتكملة .. القصة إذا ما حانت فهي - برغم صعوبتها – تأتي كالولادة التي ينتهي ألمها بالبشرى .. حيث تجد أنك حققت نصراً ما ومكافأة لها قيمتها النفسية العظمى.
عندما ألاحظ أن القصة تتوقف عند مقطع أو نقطة ما .. أجزم مع ذاتي أنها فاشلة فأدعها قائلاً لعلك أجهضتها .
أقتل بالاستعجال فرحتها وتلك الفرحة لن تعوض .. لأنك لا توقت للفرحة ولا تتحكم في حجمها .

( 26) - هناك عناية فائقة في اختيارك لعناوين نصوصك متى يبرز العنوان وما دلالته بالنسبة إلى العمل الإبداعي؟

* - لا اعتقد دوماً أن المسمى متصاهر مع الاسم ولا أن الاسم دائماً دال على العمل المكتوب، فأحياناً لا يكون ثمة أية علاقة بين النص المنسوج وبين اسم العمل، و لا أري في ذلك عيباً، لأنك تخطيء لو قلت أبداً " الجواب " معروف من عنوانه " – أي الرسالة – فالعمل الكتابي يميل في تسميته إلى تفصيلة رضى خاصة في داخل الكاتب وليس هناك قانون في هذه الجزئية، فهي في سياق الإبداع الذي لا توجد له منطقية في التعامل .. لو أنك وضعت الاسم قبل الشروع .. فقد خالفت حرية الشرعية الإبداعية بحيث تقيد قلمك ضمن إطار محدد لكي تحافظ على الاسم.
ربما كان من أصعب الأمور في العمل الإبداعي إيجاد مسمى له أو الوقوع في بركة الاختيارات. أنا لا أقبل أن استشير أحداً في عنوان مؤلفي لأنني لا أقبل أن أكون مستشاراً للعناوين من قبل الآخرين، وعادة ما أرفض هذه الوظيفة لدى من يطلب .
إن العنوان الذي لا يعجب .. لن يقدم أو يؤخر في الأمر، ذلك أن العمل بكامله بين عينيك لأننا نحتاج أن نجعل للعمل عنواناً وهي حاجة رمزية دلالية .. هل تقول قرأت النص الروائي الذي كتبه فلان .. أي نص؟ لا بد من وجود تسمية حتى ولو كان عنوانها " بلا عنوان " أنت والد المولود فسمه كما تشاء.
تعجبني عادة في التسميات عند أحد القبائل المحلية فهم يسمون المولود باسم الحالة التي تقع فيها الولادة .. فإن كانت حزينة أسموه حزيناً وإن كانت مريضه أسموه رضا وإن جاءت في لحظة مطر .. أسموه كذلك وهكذا ..فلو ولد المولود في لحظة مدفع الافطار أسموه " مدفع " ومنها " عذاب " و " ضيف " " كتاب " يعني رسالة و" صوت " و" ليل " و .. إلخ ..

( 27) - ما أهم الكتب التراثية التي استفدت منها سردياً ؟

* - كل الكتب التي قرأتها تقريباً .. كان لها فائدة وأقل ما يمكن قوله أنها تهذب لفظك قبل خروجه من بطن القلم. كان للصدف دور في انتقاء القراءات التراثية وأذكر على سبيل الذكر كتاب " الإمتاع والمؤانسة – لأبي حيان التوحيدي " ورسالتي " الغفران " و " الملائكة " لأبي العلاء وكتاب " المخاطبات " وكتاب " المقامات " وغيرها، غير أنني أدين جداً لـ" طه حسين " الذي علمني فكراً ولفظاً وبالتحديد في كتبه " الشيخان " و " عثمان " و " علي بنوه " وكتاب له قديم عنوانه"الأليثنيين " مما دفعني لقراءة " محمد صلى الله عليه وسلم " و " علي إمام المتقين " لعبد الرحمن الشرقاوي .. هذه محطات لها علاماتها الأثيرة في قراءاتي .. كدت أنسى " بدائع الزهور " لـ " ابن إياس ".. هذا الكتاب استطاع أن يصور لي التاريخ سينمائياً وعلى هيئة مدهشة ودقيقة ولن أحدثك عن أخبار النساء " لأبن الجوزي ".. كم وكيف نتحدث عما قرأت في التراث مما صادف قراءته .. أقول مما صادف فقط وضمن محدودية ضيقة جداً .

( 28) - لك كتاب صغير .. كتاب جمع مادته صبي في الرابعة عشرة وأصدرها في السابعة عشرة هو " باقة من أخبار الأدب" .. ترى لماذ تهمل ذكره رغم دلالاته على مكوناتك الثقافية التراثية وانهمامك بعالم الكتابة والنشر منذ الطفولة ؟

* - نعم .. كان ذلك في عمر (18 عاماً) .. هي تجربة مضحكة .. لكنها بظروفها ومحصولها الثقافي البسيط جداً ولا أرى أنها تستحق الإشارة .

(29) - لو قمنا بزيارة إلى مواقع أبطال أعمالك فأي المواقع ستبدأ بزيارتها أو تأملها من على سطح منزلك في قرية " محضرة " التي تطل على مدينة الباحة ؟
ومن هم أبرز أبطال رواياتك الذين ستزورهم في منازلهم أو مقابرهم ؟
ومن هن أبرز الشخصيات النسائية اللائي تحس بحنين إلى وجودهن في تلك القرى ؟

* - لا استطيع ذكر الشخوص الذين وردوا في الروايات أو القصص القصيرة .. ليس لأنني لا أعرفهم بل لأنهم يمثلون نماذج متعددة في القرية الجنوبية، ولعل من الصعب الإجابة على مثل هذه التفاصيل بالتحديد فأنت تسألني عن ميكانيكية الشخصية وكيفية توظيفها أو ما يشبه هذا .. غير أن تحديد الشخوص بعينها أو المقابر التي تأبدوا دواخلها.. أنا أعرف المقابر التي تقع في قريتنا وهي خمسة مواقع تقريباً فقريتي تمثل خمسة جماعات متباعدة كل جماعة تمثل قرية صغيرة، وكلهم برغم المسميات التي تحملها كل مجموعة .. إلا أنها تمثل قرية واحدة كبيرة اسمها " محضرة " كمسمى جامع لكل ما يجمع الجماعة الواحدة .
أذكر جيل الأجداد والآباء والجيل الذي تقارب معي ببيوتهم ومزارعهم وربما بألوان مواشيهم وربما طباعها والتعامل الذي تختص به .. كثور فلان المتمرد وحمارة فلان الشرود وبقرة فلانة التي لا تأكل غير البرسيم وقصب الذرة وتحلب كثيراً .
أحياناً أحتاج إلى معرفة لون ملابس امرأة ما .. فأستعيدها بدقة من حذائها إلى " شيلتها ومعصبها " وحتى الخواتم الفضية التي كانت تلبسها وفي أي الأصابع تضعها ؟
أتذكر " مشعاب " فلان وجنبيته واسم بندقيته وماركتها .. واحد في القرية كان يملك " غدارة " وهي شكل رخيص للسيف ويملك رمحاً قديماً ويعلق على كتفه بندقية صيد لو وضعتها بين مائة بندقية مشابهة لاستطعت الآن أن أحددها لك.. أعرف فلاناً الذي لم يكن يلبس الحذاء ولا " الجاكيت " ولا العمامة البيضاء أو العقال وعندما أذكر فلاناً أو فلانة فإنني أذكرهما بتفاصيل العائلة وجهة باب الدار ومكان النافذة والطريق إليه من بين البيوت .
إن حميميتي تتذكر الأشجار ومواقعها وهل هي مثمرة أو خشبية ، والطريق بحجارتها وصخورها الواقعة على جنبيها وحدود القرية مع القرى المجاورة والحصون والآبار والمزارع التي تسقي منها.. أذكر " العثري " المعتمد في زراعته على ماء السماء و" المسقوي " الذي يسقى من العيون أو الآبار ، أذكر "مشب النار " في كل بيت من القرى الخمس الصغيرة .
اخوالي من قرية بعيدة و من قبيلة غير القبيلة التي فيها قريتنا، وكنت أذهب إليهم مع والدتي مسافة نصف يوم مشياً على الأقدام ولا أنسى تفاصيل الطريق والقرى التي نمر بها وبالطبع أسماءها ومساجدها ومدارسها الابتدائية والشعراء المعروفين وقراهم ..
ماذا أقول ؟.. إن كل شخصية تستحق أن يكتب فيها رواية وكل رواية لا تنفصل عن الجماعة .. قريتي هي ذات القرى المتشابهة في الجنوب والأشخاص هم ذاتهم في كثير من التماثل في أي قرية كانت .
اليوم .. أشاهد غير القرى وغير العالم ..أوجس عندما أمر بها بالوحشة .. أجد أن طفولتي تذبح عند عتبة أول بيت حجري في القرية .. أشاهد الناس يبيعون عظام وهشيم أجدادهم من أجل المال والمطاولة في بناء الاسمنت والطوب والحديد .. ما الذي يبقى إذا لم أكتب عن ماضي القرى وخصوصيتها وألفتها وأعرافها ؟!.

(30) - هناك من يرى أن كتابتك عن عوالم القرية تطورت تدريجياً من فكرة التوثيق إلى جمالية حالة الاستعادة الوجدانية،ثم إلى رؤية أخلصت بشجاعة وعمق لرؤية الانتصار للمرأة في عالم يقف ضدها حتى أفضت التجربة إلى تعرية عالم القرية من رومانسية الاستعادة وجعلها نموذجاً يشبه غيره من المجمعات البشرية التي تقوم حياتها على الصراع بين أطراف يتحاربون بكافة الوسائل لبلوغ غاياتهم النبيلة والدنيئة في رواية " صالحة "، وبذلك انتقلت الكتابة من طبيعتها الملحمية التي تكتب الواقع كما هو إلى طبيعتها التراجيدية حيث تغدو الرواية كشفاً وجدلا وتأملاً في الجانب الآخر من المأساة الحياتية .
وهـــذا التــطور يشـــجع بـعض المتــابعين لتجــربتــك للقــول بــأن روايــة " صــالحــة " هــي خــاتمــة استــلهام عــالــم القــرية ونهــايتها وبالتــالي سيــدخل الــروائي عبــد العزيز مشري منــاخاً آخــر مختـاراً أو مضطراً لكي يستمر في أبداعه .
ما رأيك في هذه التوصيف والاستنتاج؟

* - لا أكتب من أجل الطباعة والنشر .. وفي ذات الحال لا أكتب إلا من أجل أن يحيا القارئ نصوص ما أكتبه وذلك بمفاد يهمني كثيراً وهو أن يجد القارئ شيئاً منه في العمل .. لا أعني تحديداً تطابق أو تماثل وتشابه الرواية مع حالته وإنما هو يجدها ؟ بأية حال كانت .. كأن يناصر أو يناوئ أو يتعاطف أو العكس .
لم يكن هذا المفهوم في الذهن قريباً لقد كان بعد صدور قصص " موت على الماء" ذات النحت المفردي في اللغة – كما ذكرت والتي أرى أنها محتشدة بزخرفة اللغة والضبابية أحياناً .
لم أفكر في النشر بعدها ولمدة سبع سنوات .. كنت أتأمل وأجرب وأقرأ .. فكانت نتيجة الديالكتيك الطويل – قياساً بالنشاط الكتابي والحماس أن وصلت إلى مفهوم ثقيل ومهم في الفن ورسالة الكتابة الإبداعية، أولها التفكير في طريقة كتابية يستطيع أن يقرأها القارئ فيقول " فهمت أو كدت أفهم " كان هذا على سياج القصة القصيرة .. فتكونت مجموعة قصص " أسفار السروي " ثم رواية الوسمية "
نعم ..
ربما تكون " التوثيقية " هي أحد خطوطها بالطبع.. الشهادة الإبداعية التي نكشف بكتابتها عن عالم له طريقة خاصة في معيشته ومكانه ومناخه وزمنه ..- هذا الخط – كنت ولا أزال حريصاً عليه كميزة ليس من نافذة " نحن كذا " وإنما من باب " نريد أن " ومهما كتب .. سيبقى هناك الكثير من مناقب ومميزات وتقاليد ومفاهيم لم تكتب وربما عزيت نفسي بأن الأديب ليس باحثاً أنثروبولوجياً .
رواية " صالحة " قضيت وقتاً طويلاً بين كتابتها ونشرها ولم أكن متشجعاً لتقديمها للنشر – كغيرها أحياناً – فكرت ثم وجدت ترحيباً مطمئناً ومخفزاً لنشرها من "الهيئة العامة للكتاب " في مصر، فكان أن خرجت إلى القارئ .
أظنني لن أتوقف عن المسير في هذا الدرب لأن ثمة أقوال في سحابة الصدر لم تمطر بعد.. ليس صحيحاً أن القلم سيجف بعد " صالحة " لا أدري .. لماذا تصورت التوقف أو الحيرة .
- إذا .. هل يمكن أن تدلنا أو تشير على الأقل إلى إستراتيجية نصوصك الروائية القادمة في نفس سياق " ملحمة القرى " ؟
هناك مرحلة كتابية مهمة تجاه عالم القرية ويبدو أن أحداً لم يطرحه أو يشير إليه أو يستقصيه من نقادنا – المحدودين-. المرحلة الصعبة التي يحتار " رامي القرص " – كما ذكرت في سياق جواب سابق يحتار كيف يعطيها حقها كمرحلة نابضة وتبدو يسيرة لقصر وقتها بينما هي عالية الصعوبة .. تلك هي المرحلة التي تقع بين التقاط القرص وبين رميه أي مرحلة ما بعد الالتقاط – فيما لو اعتبرنا ما سبق كتابة – فأنا في حالة التهيؤ لما سوف يكون .. هل أسميها ما حدث لذلك العالم المكتوب عنه بعد ذلك وما هي الصيغة التي أتعامل فيها مع المعطي الجديد؟
الحكاية تتطلب خبرة واثقة وإدارة كتابية محكمة في رصد مرحلة " البين " أو العقدة الواقعة بين طرفي الحبل . في الأعمال الماضية في ضفتي السرد القصة القصيرة والرواية .. هناك إشارات متفرقة وبعضها مركز – كنهايات الأعمال الروائية – دائماً يبقى السؤال :
ما الذي حدث بعد هذا ؟
السؤال في نظري لا يزال معلقاً في " العقدة " التي ذكرتها.. بعض القصص ناوشت هذه المحطة القصيرة والصعبة أيضاً في " أحوال الديار " وهي القصص التي منحت من الكتاب رحيق تقنيته الأخيرة في كتابة القصة لو لاحظت " الوانيت" قصة في أوائل المجموعة .. لاستطعت أن ترى ملامح استراتيجية كتابتي القادمة وما أريد قوله باختصار .

( 31) - سأقول لك ما قاله الشاعر الجنوبي " أنت عاصي وأنا ما شفت في غامد عصاة " وفيك من القسوة ما يشبه أحد أبطال قصصك " على ابن القاسي " ومع ذلك سأقول لك .. لقد وصلت روايتك للمثقف السعودي والعربي وترجمت بعض أعمالك للغات أجنبية واحتفت بك عدة منابر و اثني الروائي صنع الله إبراهيم على تجربتك واحتفت بها الروائية أحلام مستغانمي والناقدة فريدة النقاش وكتب عنها الدكتور محمد الشنطي الكثير وقال الناقد السعودي عابد خزندار أن رواية "الوسمية" ترتقي إلى مصاف العالمية، وقرأها وعرض لخصوصية تجربتها العديد من أبرز النقاد في المملكة مثل الدكتور معجب الزهراني، بينما أعرب آخرون عن رأي مغاير فقال القاص جار الله الحميد رأياً مخالفاً مفاده :
لو أن كتابة الرواية بهذا الشكل لكتبت عشرات الروايات، وقال الناقد محمد العباس : لا نستطيع مقاربة روايات عبدالعزيز مشري بمعزل عن مرضه ولذا فقد تحفظ في الإفصاح عن رأيه .
وقال عبد الرحمن المجماج : إنه لا يعترف إلا بمجموعتك " موت على الماء "
كيف تقرأ هذا الآراء وماذا تعني لك ؟