عرض مشاركة واحدة
قديم 11-13-2011, 12:15 PM
المشاركة 32
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
غسان كنفاني
ولد الشهيد غسان كنفاني عام 1936 في مدينة عكا بفلسطين..وهو عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين..عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة
والده:
خرج أبوه من أسرة عادية من أسر عكا وكان الأكبر لعدد غير قليل من الأشقاء، وبما أن والده لم يكن مقتنعاً بجدوى الدراسات العليا فقد أراد لابنه أن يكون تاجراً أو كاتباً أو متعاطياً لأي مهنة عادية ولكن طموح الابن أبي عليه إلا أن يتابع دراسته العالية فالتحق بمعهد الحقوق بالقدس في ظروف غير عادية.
صفر اليدين من النقود وحتى من التشجيع فما كان عليه إلا أن يتكل علي جهده الشخصي لتأمين حياته ودراسته فكان تارة ينسخ المحاضرات لزملائه وتارة يبيع الزيت الذى يرسله له والده ويشترى بدل ذلك بعض الكاز والمأكل، ويشارك بعض الأسر في مسكنها، إلى أن تخرج كمحام. وعاد إلي عكا ليتزوج من أسرة ميسورة ومعروفة ويشد رحاله للعمل في مدينة يافا حيث مجال العمل أرحب وليبني مستقبله هناك.

وكافح هناك وزوجته إلى جانبه تشد أزره وتشاركه في السراء والضراء ونجح وكان يترافع في قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثورات فلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.

وكان من عادة هذا الشاب تدوين مذكراته يوماً بيوم وكانت هذه هى أعز ما يحتفظ به من متاع الحياة وينقلها معه حيثما حل أو ارتحل، وكثيراً ما كان يعود إليها ليقرأ لنا بعضها ونحن نستمتع بالاستماع الى ذكريات كفاحه، فقد كان فريدا بين أبناء جيله، وكان هذا الرجل العصامي ذو الآراء المتميزة مثلاً لنا يحتذي.

هذا هو والد غسان كنفاني الذى كان له بدون شك أثر كبير فى حياة ثالث أبنائه غسان.

غسان الطفل:
هو الوحيد بين أشقائه ولد في عكا، فقد كان من عادة أسرته قضاء فترات الأجازة والأعياد فى عكا، ويروى عن ولادته أن أمه حين جاءها المخاض لم تستطع أن تصل إلى سريرها قبل أن تضع وليدها وكاد الوليد يختنق بسبب ذلك وحدث هذا فى التاسع من نيسان عام 1936.
كان من نصيب غسان الالتحاق بمدرسة الفرير بيافا وكنا نحسده لأنه يدرس اللغة الفرنسية زيادة عما ندرسه نحن. ولم تستمر دراسته الابتدائية هذه سوى بضع سنوات. فقد كانت أسرته تعيش في حي المنشية بيافا وهو الحي الملاصق لتل أبيب وقد شهد أولى حوادث الاحتكاك بين العرب واليهود التي بدأت هناك إثر قرار تقسيم فلسطين.لذلك فقد حمل الوالد زوجته وأبناءه وأتي بهم إلي عكا وعاد هو إلى يافا، أقامت العائلة هناك من تشرين عام 47 إلى أن كانت إحدى ليالي أواخر نيسان 1948 حين جري الهجوم الأول على مدينة عكا. بقي المهاجرون خارج عكا على تل الفخار (تل نابليون) وخرج المناضلون يدافعون عن مدينتهم ووقف رجال الأسرة أمام بيت جدنا الواقع في أطراف البلد وكل يحمل ما تيسر له من سلاح وذلك للدفاع عن النساء والأطفال إذا اقتضى الأمر.
ومما يذكر هنا أن بعض ضباط جيش الإنقاذ كانوا يقفون معنا وكنا نقدم لهم القهوة تباعا علما بان فرقتهم بقيادة أديب الشيشكلي كانت ترابط في أطراف بلدتنا.وكانت تتردد على الأفواه قصص مجازر دير ياسين ويافا وحيفا التي لجأ أهلها إلى عكا وكانت الصور ما تزار ماثلة فى الأذهان. فى هذا الجو كان غسان يجلس هادئاً كعادته ليستمع ويراقب ما يجري.

استمرت الاشتباكات منذ المساء حتى الفجر وفي الصباح كانت معظم الأسر تغادر المدينة وكانت أسرة غسان ممن تيسر لهم المغادرة مع عديد من الأسر في سيارة شحن إلى لبنان فوصلوا إلى صيدا وبعد يومين من الانتظار استأجروا بيتاً قديما في بلدة الغازية قرب صيدا في أقصى البلدة علي سفح الجبل، استمرت العائلة في ذلك المنزل أربعين يوما في ظروف قاسية اذ أن والدهم لم يحمل معه إلا النذر اليسير من النقود فقد كان أنفقها فى بناء منزل في عكا وآخر في حي العجمي بيافا وهذا البناء لم يكن قد انتهي العمل فيه حين اضطروا للرحيل.
من الغازية انتقلوا بالقطار مع آخرين إلى حلب ثم إلى الزبداني ثم إلى دمشق حيث استقر بهم المقام في منزل قديم من منازل دمشق وبدأت هناك مرحلة أخرى قاسية من مراحل حياة الأسرة. غسان فى طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك فى مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.
غسان اليافع:
فى دمشق شارك أسرته حياتها الصعبة، أبوه المحامي عمل أعمالاً بدائية بسيطة، أخته عملت بالتدريس، هو وأخوه صنعوا أكياس الورق، ثم عمالاً، ثم قاموا بكتابة الاستدعاءات أمام أبواب المحاكم وفي نفس الوقت الذي كان يتابع فيه دروسه الابتدائية.بعدها تحسنت أحوال الأسرة وافتتح أبوه مكتباً لممارسة المحاماة فأخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحرير واشترك فى برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعر والمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.
وكانت تشجعه على ذلك وتأخذ بيده شقيقته التى كان لها في هذه الفترة تأثير كبير علي حياته.وأثناء دراسته الثانوية برز تفوقه في الأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئين وبالذات فى مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسند إليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهد غسان الشخصي.وذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التى أشرف عليها.
في الكويت كتب أيضاً أولي قصصه القصيرة "القميص المسروق" التى نال عليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.ظهرت عليه بوادر مرض السكري فى الكويت أيضاً وكانت شقيقته قد أصيبت به من قبل وفي نفس السن المبكرة مما زاده ارتباطاً بها وبالتالي بابنتها الشهيدة لميس نجم التى ولدت في كانون الثاني عام 1955.فأخذ غسان يحضر للميس في كل عام مجموعة من أعماله الأدبية والفنية ويهديها لها وكانت هى شغوفة بخالها محبة له تعتز بهديته السنوية تفاخر بها أمام رفيقاتها ولم يتأخر غسان عن ذلك الا فى السنوات الأخيرة بسبب ضغط عمله.
عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل في مجلة الحرية كما هو معروف.

غسان القضية:
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما مع حياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
"عائد إلى حيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواتر الرواية.
"أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية.
"موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض.
"رجال في الشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت واثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقد كانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
فى قصته "ما تبقي لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال في الشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعمل الفدائي.
قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترة من الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيمات ويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسة لكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بل اكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق".
كانت لغسان عين الفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملة لقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التى يسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".