عرض مشاركة واحدة
قديم 08-26-2010, 04:15 PM
المشاركة 273
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
جون كيتس
تأليف: جون ستراسشان
الناشر: روتليد ج ـ لندن، نيويورك 2003
مؤلف هذا الكتاب او بالاحرى جامعه هو البروفيسور جون ستراشان استاذ الادب الانجليزي في جامعة سندرلاند. وكان قد اهتم سابقا بدراسة الشعر الرومانطيقي وتحقيقه نذكر من بين اهم كبته: أشعار العصر الرومانطيقي 1999. وفي هذا الكتاب الجديد يتحدث المؤلف بالتفصيل عن واحد من اهم الشعراء الرومانطيقيين جون كيتس ومعلوم انه لم يعش اكثر من ستة وعشرين عاما ولم يمارس كتابة الشعر الا خمسة اعوام، ومع ذلك فقد خلد اسمه على صفحة التاريخ بصفته واحدا من اهم الشعراء الانجليز على مرّ العصور. وهو في هذه الناحية يشبه رامبو الفرنسي. ولد جون كيتس عام 1795 في عائلة فقيرة جدا في لندن وأصيب بمرض السل باكرا وهو المرض الذي سيودي به عام 1821. وكان قد كرس نفسه منذ البداية لعبادة الجمال. وقد اعجب بالاغريق وحياهم بصفتهم ملهميه.
نقول ذلك على الرغم من انه لم يتعرف عليهم الا من خلال الترجمات ولكنه عرف كيف يبعث اساطيرهم حية في شعره.وفيما بعد اصبح جون ميلتون نموذجه الذي يحتذى وفي قصائده الملحمية الطويلة يصل كيتس الى مرحلة من الاتقان الشعري قل نظيرها وعندئذ يضعه البعض وراء شكسبير مباشرة. ولم يتعرض احد على مجده الشعري بعد موته نقول ذلك على الرغم من انه لم يحظ في حياته الا بالتجاهل والاحتقار من قبل النقاد والشعراء الآخرين. ان حياته القصيرة والتراجيدية وسيطرته الكاملة على النظم ونضج افكاره المدهش في مثل هذه السن، ورسائله الرائعة التي ينظِّر فيها للشعر، كل ذلك يجعل منه ظاهرة فريدة من نوعها في تاريخ الأدب.
ولذلك فإن بعضهم يشبهه بموزار في مجال الموسيقى او برامبو في مجال الشعر.
بعد ان يقدم المؤلف لمحة تفصيلية عن حياة جون كيتس نلاحظ انه يتوقف قليلا عند اصدقائه ومعاصريه لكي يعرف رأيهم فيه ويأخذ بعض الاضاءات عن شخصيته.
ثم ينتقل بعدئذ للتحدث عن رسائله التي يوضح فيها مفاهيمه وتصوراته فيما يخص الادب والشعر والحياة. وهنا يحلل المؤلف بدقة مضمون هذه الرسائل التي ادهشت العديد من الكتاب والمبدعين فيما بعد.
وفي القسم الثاني من الكتاب يستعرض المؤلف التأويلات المختلفة التي حظي بها شعر كيتس وهنا يتحدث عن النقد التاريخي وعن اوائل التغييرات التي حظيت بها قصائد هذا الشاعر الكبير. وبالتالي فالنقد مقسم الى قسمين: نقد القدماء ونقد المحدثين والمقصود بالقدماء هنا الكتاب والنقاد الذين كانوا معاصرين لكيتس او الذين عاشوا في عصره.
ثم ينتقل المؤلف بعدئذ الى استكشاف نقد المحدثين له. ويحاول ان يفهم هنا كيف درسه النقاد الانجليز على مدار القرنين الماضيين؟.
وبعدئذ يستشهد المؤلف ببعض قصائده المختاره ويشرحها ويبين نقاط قوتها وجمالها وأخيرا يختتم المؤلف كتابه باثبات سلسلة من المراجع الخاصة به والتي يمكن للقاريء الاطلاع عليها اذا ما أراد توسيع معلوماته عن هذا الشاعر الكبير.
ان هذا الشاعر الذي انتقل بشعره في ضباب لندن الى الانوار الاغريقية كان مختلفا عن بقية الشعراء الرومانطيقيين الكبار وبخاصة وروزورث وكوليبرغ. فهو كان ينتمي الى الطبقات الشعبية الفقيرة في لندن كما قلنا، اما هما فقد وفدا الى العاصمة من الارياف والاقاليم وكانا ينتميان الى الطبقة البرجوازية الميسورة من حيث اصولها الاجتماعية.
وكان يختلف عن بابرون وشيلي اللذين كانا ينتميان الى الطبقة الارستقراطية والذين درسا في احسن المدارس الانجليزية في كمبردج واكسفورد.
ولم يكن هناك اي شيء يدفع بكيتس لكتابة الشعر او يهيئه لذلك.
ولكن يمكن القول بأن تراكم المصائب عليه منذ الطفولة وتتابع الخيبات والضربات هو الذي جعل منه شاعرا. فقد مات ابوه وعمره ثماني سنوات فقط، وهجرت امه المنزل وتزوجت بعد شهرين فقط من موت زوجها ثم عادت الى البيت بعد ست سنوات لكي تموت هي ايضا! وهكذا اصبح كيتس حساسا جدا بل والى حد المرض كما يقول العارفون به. ولم يعد يثق بالحياة ونوائبها، وأصبح يعاني من القلق الوجودي. وما كان يجد امامه الا الكلمات كعزاء. على هذا النحو اصبح كيتس شاعرا غصبا عنه.
ولكن هنا نطرح مع المؤلف هذا السؤال:
ما الذي يستطيعه الشعر: شيلي، المعاصر لكيتس كان يقول في كتابه الشهير «دفاع عن الشعر» ان الشعر ينقذنا من الانحطاط او قل انه ينقذ اسمى ما في الانسان من الانحطاط والانحلال». واما كيتس فكان يرى في الشعر شيئا عظيما وباهتا في ذات الوقت.
كان كيتس ينتقل من النقيض في تقييمه للشعر. فأحيانا كان يؤمن بالقدرات الهائلة للشعر الخالد وكان يقول بأنه لا يستطيع ان يعيش بدون الشعر وأحيانا اخرى كان يعبر عن تشككه بقدرات الشعر على انقاذنا من الورطة التي وقعنا فيها.
لقد احب جون كيتس امرأة تدعى فاني براون وبالطبع فإن الحب ظل عذريا لانه كان مريضا ويعرف ان الموت قريب ولكنه تغنى بها في قصائد مؤلمة من اجمل الشعر حقا لقد حرمت الحياة كيتس من كل شيء وزيادة على ذلك فقد انهال عليه النقاد شتيمة واستهزاء وكان من الممكن ان يقتلوا رغبة الشعر فيه. ولكن نقدهم قوى عزيمته مثلما فعلت المصائب والمحن.
وظل يكتب الشعر حتى انطفأ في اول الشباب يقول في قصيدة طويلة بعنوان: نشيد الى الخريف: فصل الضباب والعذوبة الوافرة أخ الشمس التي تصفر كالذهب يتآمر معها من اجل اثقال شجرة الكرامة بالعناقيد التي تنتشر على ظهر العرائش، من اجل ان تنحني اغصان شجرة التفاح حول البيوت الريفية المحاطة بالطلمب.
لكي تنضج جميع الثمار حتى العظم...
ثم يقول فيما بعد
اين هي اغاني الربيع اين هي؟ وأسفاه اين هي؟
لا تفكر بها بعد الآن، فأنت لك ايضا تناغمك،
هذا في حين ان الغيوم المخططة تلون الانحدار المتدرج للنهار.
وتلون بشيء من الحمرة الوردية ارياف السهول، وعندئذ تسمع في جوقة واحدة اصوات الذبابات الصغيرة، وهي تتباكى حول صفصاف النهر تصعد في الجو، او تنزل بحسب تقلبات النسمات الخفيفة التي تهب او تموت.
بالطبع فإن سمات الشعر الرومانطيقي واضحة في هذه القصيدة ويمكن ان نقارن بينها وبين القصائد التي خصصها الشاعر الفرنسي لامارتين للخريف ايضا.
فهناك دائما نفس الاطار انه الطبيعة التي تموت تدريجيا في الخريف بعد ان كانت بهيجة ومليئة بالحياة اثناء الربيع والصيف. وهذا الموت ينعكس على روح الشاعر التي تموت مئة مرة عندما ترى الاوراق تصفر او تتساقط على الارض.
هذا الشعر الرومانطيقي المليء بالكآبة والحزن ان لم نقل بالنواح الداخلي والبكاء هو الذي قطع معه شارل بردلير عندما اسس الحداثة الشعرية حوالي منتصف القرن التاسع عشر ولكن بردلير كان يقول ايضا في كل شعر عظيم نغمة من نغمات الرومانطيقية! فالرومانطيقية بهذا المعنى هي جوهر الشعر، انها لا تموت.
ولكن الرومانطيقية التي اغرقت في النزعة الغنائية والبكائية هي التي ماتت ونشأت على انقاضها حداثة الشعر التي لا تزال نعيش في ظلها حتى الآن.
لكي نتعرف على حياة كيتس الحميمة ينبغي ان نقرأ رسائله الشخصية ويرى المؤلف انها تشكل اغنى وأجمل المراسلات التي خلفها كيتس القرن التاسع عشر وراءهم في انجلترا.
فهذه الرسائل تظهر لنا تدريجيا نمو شعر كيتس وفكره ومن المعلوم انه نضج بسرعة وبشكل مذهل حقا. فهل يمكن لكاتب لم يعش اكثر من ستة وعشرين عاما ان يكون ناضجا الى مثل هذا الحد؟ وفي هذه الرسائل يتحدث الى اصدقائه عن معنى الشعر وجوهره اكثر مما يتحدث عن نفسه ولكن في الفترات الاخيرة من حياته وعندما شعر بأن الموت اقترب اصبح يطلق صرخات التألم والحنين، وأصبحت رسائله مليئة باللوعة القاتلة والأنين.
كان كيتس يطلب من الشاعر انفتاحا كاملا على العالم الخارجي وانطباعاته وأحاسيسه وفي احدى رسائله التي كتبها عام 1818 يقول بأن الشاعر الحقيقي ليس له اي هوية، انه لا شيء وكل شيء في آن معا. كان يعتبر ان الشاعر يمتلك مقدرة سلبية وهذه المقدرة هي الرهبة التي منحها الله له. انه مقدرة السفر في المجاهيل والاسرار والشكوك دون الاهتمام بالعقل او المنطق الذي يتحكم بالناس العاديين.
فالشاعر يعتمد اساسا على الحدس الخلاق ويركب افاق الخيال المجنح الذي لا علاقة له بالعقل وإلا فإنه سيكتب شعرا منطقيا مزعجا ومملا. لان الشعر له مجاله والفلسفة لها مجالها ولا يمكن الخلط بينهما.
وكان يعتبر ان الكثافة هي العلامة التي لا تخطيء على العبقرية ولذلك فقد تخلى عن البلاغيات والزينات الشعرية المصطنعة وذهب الى جوهر الشعر نقول ذلك على الرغم من انه كان واقعا في البداية تحت تأثيرها.
ويرى المؤلف انه يوجد في شعر كيتس فكر عميق وشخصي لما نجده لدى غوته، او بودلير، او ملارميه، او ريلكه. وقد عاش الحلم الرومانطيقي كسفر حالم نحو بلاد الاغريق التي لم يرها في حياته ابدا وكان يعتبرها ارض الجمال ثم بالاخص ارض الاساطير الرائعة التي تبعث الحياة في الطبيعة وتجعلها تتكلم وتنطق.
يضاف الى ذلك انه لم يكن متأثرا بالمسيحية ولا بالنزعة الدينية البروتستانتية وانما فقط بالاساطير والآلهة اليونانية وكان شديد الاحساس بمآسي العالم وبؤس الوضع البشري كيف لا وهو الذي عاش حياته القصيرة في المآسي والفواجع ولم يستطع ان يتزوج المرأة التي أحبها حتى درجة الجنون؟ لقد حرمت الحياة كيتس من كل شيء ما عدا شيئا واحدا هو الشعر ولذلك فإن الناقد الانجليزي ماثيو أرنولد قال عنه انه مع شكسبير في الصف الاول من الشعراء! في عام 1819 ينشر كيتس قصيدته الرائعة «المرأة الجميلة بلا شفقة» وفيها يتحسر ويتفجع على المرأة التي احبها والتي لا يستطيع ان يتحد معها بسبب المرض والموت الوشيك حقا لقد عاش كيتس حياة رومانطيقية بالمعنى الفعلي للكلمة.
وفي هذه القصيدة يرد البيت التالي: «ايتها النجمة الساطعة، هل استطيع ان اثبت مثلك في مدار واستريح؟! ولما عرف انه سيموت قرر ان يسافر مع اصدقائه نحو البحر الابيض المتوسط الىروما فلم يشأ ان يموت بدون ان يرى شمس الجنوب وايطاليا. وهناك في روما وافته المنية فطلب منهم ان يكتبوا على قبره العبارة التالية: «هنا يرقد انسان كتب اسمه على الماء».
والآن اصبح المنزل الذي مات فيه متحفا يدعى متحف كيتس ـ شيلي ويزوره الناس الذين يحبون الشعر او يعرفون معنى الشعر وعندما سمع صديقه شيلي بموته جن جنونه وكتب اجمل مرئية يمكن ان يكتبها شاعر لشاعر آخر ولم يلبث شيلي انا مات طالبا منهم ان يقبروه الى جانب كيتس او في نفس المبقرة على الاقل نحن في عصر الرومانطيقيين حقا ينبغي الا ننسى ذلك