الموضوع: بعث - قصة قصيرة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
8766
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
06-13-2011, 12:21 PM
المشاركة 1
06-13-2011, 12:21 PM
المشاركة 1
افتراضي بعث - قصة قصيرة
بعث

على الرغم من اتساع أرضها، وتنوع تضاريسها، وارتفاع جبالها التي طالما غمرتها كثبان الثلوج البيضاء خلال الشتاء، وخضرة حقولها وجمال ربيعها، وشموخ نخيلها الذي تكاثر ليصل إلى أرقام فلكية تزيد على المائة مليون نخله، وصحاريها الذهبية الدافئة والشاسعة، وبحرها الأزرق الجميل، ومرور نهرين عظيمين عبر أرضها، ورغم ارثها الحضاري العظيم الذي ظل يشع نورا في كل الجهات ولمئات السنين، وظل محط صراع عنيف لمئات الحضارات عبر القرون، ورغم غناها، ومخزوناتها من الذهب الأصفر والأسود، ومساهمة أهلها الذين علموا الناس الكتابة، كانت ارض نخلة أشبه بصحراء موات قاحلة، يلفها الفقر والجهل والمرض، ويفتك بأهلها الموت حينما تولى صهيب الحكم.
كان واقع الحال في ارض نخلة سوداويا، قاتما، مخيفا، مؤلما، ومزلزلا، وكانت المهمة بالنسبة له صعبة بل مستحلية...لكنه وبعزيمة الفارس الذي شب في أحضان اليتم والفقر والحزن والألم وانتصر في معاركه مع الموت والجوع مرارا وتكرارا، نجح إذ امتطى صهوة فرسه الأبيض، وفي زمن قياسي في تحقيق انجازات غير مسبوقة على كافة الأصعدة...وانتصر في معركة البناء، ووصلت انجازاته عنان السماء، واستعادت ارض نخله بعضا من أمجادها التليده...لكن ذلك النجاح الأسطوري الاعجازي المشهود، والذي حققه صهيب، أثار الذئاب المتربصة واستفزها، فتداعت لحربه وتألبت لقتاله...
حاصرته تلك الذئاب وحاربته لسنوات طويلة، لكنه ظل شامخا، صامدا، ممتطيا فرسه الأبيض الأصيل...قاتلهم وحاربهم بشراسة وشجاعة نادرة قل مثيلها...لكن الكثرة وظلم ذوي القربى غلبت الشجاعة...فسقط صهيب بين مخالب الذئاب...والتي قررت في نهاية الأمر شنقه في صبيحة العيد الكبير ليكون موته عبرة لمن يعتبر...
لفوا حبل المشنقة حول عنقه، وفي قلوبهم تشتعل براكين الحقد الأسود، وتتفجر ينابيع الفرح العارم...تدافعوا، تهامسوا، ترقبوا، تأملوا، انتظروا منه أي إشارة ضعف أو هوان ليحتفلوا...لكنه باغتهم كما هي عادته، وابتسم ابتسامة بعرض الأفق، وتمتم بكلمات نارية اقشعرت لها الأبدان...واهتزت لها الجدران...سكن قلبه، وتزلزلت قلوبهم...لكن ذلك لم يكن نهاية المطاف، فما جرى كان أشبه ما يكون بحدث كوني رهيب، وربما ولادة كوكب جديد، رافقه انبعاث دخان ابيض، شفاف لا يكاد يرى في محيط المكان، وقد لوحظ أثر ما حصل على أجهزة الاتصال التي تعطلت فجأة ودون سابق إنذار، لكن احد لم يدرك حينها ما الذي حصل فعلا، وتحديدا...
سجوا جثمانه، انفعلوا، حدقوا، تراقصوا حوله، وقلوبهم واجفة، وأقدامهم راجفة، وملاحم الرعب عليهم واضحة، ربما لم يصدقوا...تنادوا...تصايحوا...كان رقصهم أشبه برقصة الموت، فقد غاب عنهم الفرح، وكادت قلوبهم تنفطر من شدة الخوف، وكأن عظامهم تسحق تحت حجارة الرحى...
ربما توقف قلبه عن النبض!؟ لكن جسده ظل شامخا، مهيبا، أسدا، وكأن الفارس حينما يسقط يبقى ظله يبعث الرعب في قلوب أعدائه...كان جبينه نديا، وكان بريق عينيه ما يزال ثاقبا لامعا مزلزلا...
منذ تلك اللحظة تصاعدت الأمور في ارض نخلة، واخذ الموت والقتل يفتك بالذئاب، وأتباعهم الكلاب...أصبح الموت الزؤام يحصدهم ليل نهار...يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم، يأتيهم من فوقهم ومن أسفل أقدامهم...تساقطوا كالذباب...وكأن أيد خفية أصبحت تفتك بهم...لم يعد هناك خطوط حمراء...وكان أكثر الأسلحة فتكا تلك الرصاصات التي أصبحت تنهمر كالمطر الهامس الصامت، الخارق، الحارق، المتفجر...الساقط من السحاب...
مساحات واسعة اصطبغت باللون الأحمر...وساحات خضراء أخرى اشتعلت فيها النيران... دمار وبراكين من الغضب والثورة تفجرت هنا وهناك...في قلب الصحراء القاحلة التي لم تعرف المطر منذ زمن بعيد، أبرقت وأرعدت وأزبدت...وارتوت الأرض بدم منهمر، فنمى الربيع في قلب الصحراء وأزهرت ورود الياسمين...
استفحل الموت والقتل بهم، فتنادوا لتدارس الأسباب...عادوا إلى سجلاتهم، وأجهزة الرصد ذات الآذان الواسعة، والعيون الالكترونية شديدة الدقة لديهم...غاصوا في أعماق ذاكرتها، لعل شيئا قد حصل في غفلة منهم، فظهر لهم جليا أن ذلك الحدث الكوني المهول الذي وقع صبيحة العيد الكبير لم يكن سوى ولادة لكائن أسطوري ضخم لا مرئي، يبدو أن له سبعة رؤوس، وسبعون قدم، وسبعمائة يد، وعدة أوجه وسبعة آلاف عين...رأسه في السماء...وأقدامه في القارات السبع، وربما إن هذه الهيئة هي إحدى هيئاته المتعددة التي شوهد بها في أماكن كثيرة وفي أوقات متعددة...فعرفوا حينها انه هو الذي يبطش بهم، وأن أصابعه المتعددة هي التي تضغط على الزناد، وهي التي تشعل الحرائق، و، و،و...فتيقنوا حينها أن الفرسان المقاتلون في سبيل الحرية والكرامة يبعثون حين يسقطون...وأما هم فلا بد أنهم جميعا هالكون...ولكن ما أغاظهم بحق وأثار حنقهم وغضبهم هو خشيتهم أن يعود صهيب، وقد تحول إلى كائن أسطوري خالد، ليتجسد على هيئة فارس يمتطي صهوة حصان ابيض ويحكم ارض نخله من جديد...