عرض مشاركة واحدة
قديم 09-05-2017, 04:59 PM
المشاركة 11
زهرة الروسان
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
طبيب نفسي

اتجه جود الى غرفة شهد بعد ليلة عصيبة... فعيناه لم تتذوقا طعم النوم طوال تلك الليلة... اعتاد حين يمر بوقت مرير أن يحدث شهد عما يؤلمه. لكن الأمر مختلف فألمه هي شهد بحد ذاتها... طرق باب غرفتها وقد عزم على الاعتذار و عنده أمل في محاولة إقناعها بالمثول أمام طبيب نفسي، فأمه أقسمت أن لا تسكت عن الأمر، ولن تغلق الموضوع وتطوي الصفحة إذا ما عاندت شهد... وهو يعلم كم هي عنيدة.
-جود: صباح الخير. هل تسمحين لي بالدخول؟
-شهد: لا.
-حسنا، سأدخل دون إذن. كيف كانت ليلتك؟ أعلم أني كنت قاسيا جدا أمس... جئت لأعتذر لك عما بدر مني.
-لا بأس. أنت أخي الصغير، إن لم أسامحك فلن أسامح نفسي.
-هذه هي أختي المفضلة... لقد تحدثت لأمي و تريد.....
-تريد أن تعرضني على طبيب نفسي أليس كذلك! لا بأس. لا مانع عندي.
-حقا... بهذه البساطة! كم أنت رائعة... أعلم الآن كم تهتمين لسعادتي.
-الآن! على كل حال هذا ليس من أجلك... بل من أجلي.
-من أجلك! هل تشعرين أنك تحتاجين لطبيب؟
-لا، هل جننت! لكني أكتب رواية وأفتقر لبعض الأحداث المهمة.
-اجل فهمت، حلم طفولتك... ألم تحلمي أن تصبحي ساحرة شريرة؟ أظنك حققت حلمك بجدارة.
-أنا حلمت بذلك... يا لك من كاذب.
-أنت قلت ذلك... قلت أحلم أن أكون ساحرة شريرة تأكل حلوى الأطفال ليلا... هل تذكرين! على كل حال... الطبيب القادم هو صديق لي، ربما هو عجوز مثلك لكنه طيب... شرحت له ما حدث وتفهم الأمر وسيتعاون معنا.
-أنا في الثلاثينات... لست عجوزا... هذه هي ذروة شبابي.
-ممممم بل أنت عجوز... المهم، أعلم أنك ستضربينني إن لم اتوقف عن وصفك بالعجوز... سألتني فداء عن سبب التحاقي بقسم التحقيق... انت ذكرت ذلك أمس أتذكرين.
-وهل أخبرتها؟
-لا، اضطررت للكذب وأخبرتها أنك تريدين معرفة والدك الحقيقي.
-ماذا؟ كيف تقول ذلك!
-هذا ليس هو المهم... المهم أنها أخبرتني أنها تبحث عنه منذ عدة أشهر.
-جود، أخبرها أن تنسى الأمر... أنا لن أخرج من هذا المنزل ببساطة، هل تفهم.
-من طلب منك الخروج! على كل حال سيصل الطبيب قريبا لذا تهيئي.
بعد ساعة وصل الطبيب وجلس ينتظر شهد في غرفة الاستقبال مع الجود... كان شابا في أواسط الثلاثينات، هادئ الملامح و قوي البنية، يرتدي نظارة صغيرة تخفي عينيه. وصلت شهد وعلا محياها ابتسامة سخرية... ألقت التحية وجلست بجانب أخيها.
-الطبيب: مرحبا، أنا نبيل صديق جود... سررت بمعرفتك.
-جود: سأحضر الشاي لن اتأخر... يمكنكما التحدث. إن أردت أي شيء فأمي تجلس مقابلكما هناك، تستطيع سؤالها.
-الطبيب: شكرا لك. آنسة شهد، أنا طبيب نفسي. بارع في كشف مشاعر الآخرين. نظارتي هذه هي أداتي لكشف ما يخفيه الإنسان من أسرار. فكما تعلمين عين الإنسان لا يمكنها كتمان الأسرار، فالعين ثرثارة جدا... غير أني ماهر في جمع النقاط.
-شهد: أي نقاط؟
-الطبيب: نقاط الابتسامات... خلال ساعة سأجمع منك ما يزيد عن ثلاثين نقطة... إي بمعدل بسمة لكل دقيقتين.
-شهد: أرني مهارتك.
-الطبيب: هذه أول نقطة.
-شهد: أنا حتى لم أبتسم.
-الطبيب: لقد وصلت وانت مبتسمة... صحيح انها ابتسامة سخرية، لكن أقبلها... مع ان ابتسامة الرضا أجمل... هل تعلمين أن الابتسامة تزيد من جمال الوجه وصحة القلب.
-شهد: أنت شخص ثرثار.
-هذه هي الفلسفة يا آنسة، أنا فيلسوف... ابتسامة أخرى. رائع، نقطة أخرى.
-شهد: هذه البداية وحسب.
-الطبيب: لن تتمكني من هزمي... فأنا هو صانع البسمات.
-شهد: هراء، أنت لا تصنع بل ترسم البسمات.
-الطبيب: هذا اعتراف وبداية هزيمة... هل نبدأ؟
-شهد: تفضل.
-الطبيب: أحب أن أبدأ حديثي بما حدث أمس... أخبرني جود أن أختك فداء طلبت منك التأكد من انطفاء البخور ولكنك لم تفعل... أهذا صحيح؟
-شهد: أولا فداء ليست أختي... أن كان جود قد حدثك عن الأمر فمن المؤكد أنك تعلم شكل علاقتي بها... وأجل لم افعل فأنا لا أهتم.
-قد حدثني جود عنك كثيرا... أكثر مما تتخيلين... عن طفولتك وصباك وحتى شبابك. حدثني عن والديك وعن جدتك، عن علاقتك بفداء وخالتك. عن كل شيء... أنا أعرفك من قبل أن اراك... هل حقا أنت لم تتفقد البخور!
-لا.
-متأكدة! أنت تفقدته لكنك لا تريدين الاعتراف... أنت تحبين الصغار صحيح! من ما قاله جود فالحادث لم يقع بالصدفة، كنت من عالج الرجل الذي حاول احراق اطفاله. أخبرني بأنه دفع كرة البخور المشتعلة فسقطت على الأرض... انتم تستخدمون اعواد البخور سقوط الرمد الناتج عن الاحتراق سيسبب ثقبا صغيرا في السجادة... يحتاج الأمر لنار أقوى لإحداث الحريق... لذا أنا متأكد أن لا دخل لك في الأمر... بالمناسبة قال لي جود أنك تخفين سرا منذ زمن، لكنك لم تبوح به لأحد... حدثيني، اعتبريني شخصية خيالية في إحدى قصصك-أنت كاتبة صحيح-بوحي لي بسرك واعلمي أن هذه الشخصية الخيالية لا يسعها البوح بأسرار مبدعها.
-إن حدثتك بسري، فأنا واثقة أنك لن تتمكن من النوم حتى تبوح به لشخص ما... فهو ثقيل على أقسى الرجال. لن تتمكن من كتمانه. حتى الأبطال الخياليون في رواياتي باحوا بسري لشخص قريب.
-كيف تمكنت أنت من كتمانه؟
-لا خيار لي بالبوح به. ما كان ليصدقني أحد... لا دليل أثبت به ذلك الآن. وقد دفعت ثمن كتماني.
-أي ثمن؟
-يكفي أنني جالسة مع طبيب نفسي... أبي اعتقد أنني فقدت مشاعري.
-لا أظن أن هذا صحيح... أخبرني جود أن عيناك لم تعودا تسخيان بالدمع... لكني لا أظن ذلك.
-حقا!
-يكفي أنك تشعرين بالسعادة... الآن على الأقل... ألست محقا! عيناك باحتا لي بحجم سعادتك الآن، مع أنك حزينة لجلوسك مع طبيب.
استمر حديث الطبيب الى شهد ساعة كاملة ثم ذهب ليطمئن الأم وأكد لها أن شهد لم تكن لتؤذي الصغار، وأن ما حصل في الليلة الماضية هو حادث على الأغلب... قرر لها عددا من المقابلات لترتاح الأم. وخرج وكله ثقة بأن شهد لا تحتاج الى طبيب بل لأعمق من ذلك بكثير... هي تحتاج لمن يفهمها ويقاسمها حزنها قبل فرحها.