عرض مشاركة واحدة
قديم 05-22-2016, 11:07 PM
المشاركة 5
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
وفي مقدمة روايته " البئر " يقول جبرا ابراهيم جبرا

البئر كم كانت مهمة وأساسية. وأيام اضطررنا الي الإقامة في دار لا تتمتع بوجود بئر في حوشها ، كانت أياما قاسية حقا.
والبئر في الحياة انما هي تلك البئر الأولية التي لم يكن العيش بدونها ممكنا. فيها تتجمع التجارب ، كما تتجمع المياه، لتكون الملاذ ايام العطش. وحياتنا ما هي الا سلسلة من الآبار. نحفر واحدة جديدة في كل مرحلة، نسرب اليها المياه المتجمعة من غيث السماء وهمي التجارب ، لنعود اليها كلما استبد بنا الظمأ وضرب الجفاف ارضنا.

والبئر الاولى هي بئر الطفولة. انها تلك البئر التي تجمعت فيها اولى التجارب والرؤى والأصوات، اولى الأفراح والإحزان، والأشواق والمخاوف، التي جعلت تنهمر على الطفل ، فاخذ ادراكه يتزايد، ووعيه يتصاعد، لما يمر به كل يوم يعانيه او يتلذذ به. وكلما استقى من تلك البئر ازداد مع ريه فهمه لهذه التجارب والرؤى والأصوات بأفراحها وأحزانها ، وإذ يمتح من مائها ، لن يعرف ما الذي سيصعد اليه من صفو قرير او طين وعكر. وقد يكثر الطين والعكر ويقل الصفو القرير. ولم لا ؟ انه يعيش ويتغذى : انها البئر التي لن يكون له عنها غنى. وإذ يعود اليها كل مرة فهو انما يرد ينبوعا دائم الفيض في طوايا إنسانيته.