عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
9

المشاهدات
7251
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
05-22-2016, 12:06 PM
المشاركة 1
05-22-2016, 12:06 PM
المشاركة 1
افتراضي أناجيل كتابة السيرة الذاتية
هذه إضاءات واشارات حول كتابة الروايات من نمط السيرة الذاتية وهي مقتبسة مما قاله حول الموضوع مجموعة من الذين سبق لهم ان خاضوا في هذا المجال او لديهم نظرة نقدية واطلاع على الموضوع وهم يقترحون أطر محددة لمثل هذا النمط من الكتابة .

لا اقترح الالتزام المطلق بهذه الوصايا او الإضاءات وكانها نصوص مقدسة فلكل مبدع نهجه الذي يمكن ان يكون لكن الاطلاع على هذه الإضاءات ممن اختبر هذا النمط من الكتابة سيساهم حتما ويساعد في إبداع نصوص رشيقة ومكثفة ومشوقه وذات قيمة أدبية عالية


------------
رأي جبرا ابراهيم جبرا

يقول جبرا ابراهيم جبرا في جوابه حول " لماذا السيرة الذاتية " وذلك في مقدمة سيرته الذاتية المعنونة البئر الاولى ما يلي :

اردت في البداية ان اكتب سيرة ذاتية كاملة لا سيما بعد ان طالبت ادباء جيلي اكثر من مرة بكتابة مذكراتهم ، وتسجيل تجربة التغيير والنمو والصراع التي تجعل لحياتهم ، وحياة كل منا ، بل للحياة في عصرنا كله ، مذاقها وبعض معناها...

ولكنني ادركت انني اذا اردت الدقة والتفصيل يجب على ان اعود الى عدد ضخم من المدونات وبخاصة الرسائل التي كتبتها وتلك التي تسلمتها في سني حياتي وهي بالالاف وبالعربية والانجليزية وفي اقطار عديدة. فاكتشفت بعدها عسر المهمة ، لاستحالة العودة الي معظم تلك الرسائل وليس في حوزتي الا بعضها. وادركت انني بدون هذه الرسائل ساضطر الى الاعتماد فيما اقول على الذاكرة فحسب بكل ثغراتها وخلخلاتها واضطرابها...
فقررت ان اكتب عن السنين الاولى فقط من حياتي : ابتداء من طفولتي بابعد ما تسعفني الذاكرة منها الي ان انتهيت من دراستي في انكلترا، وعدت الي القدس مليئا بالافكار ومحموما بها وممزقا بين ضروب متناقضة من الوعي في مطلع سنتي الرابعة والعشرين.
ثم شعرت ان سنوات دراستي في اكسترا وكمبردج ( وبعض الوقت في اكسفورد) تحتاج وحدها الى مجلد خاص ، ان انا اردت الصدق مع نفسي والتعمق في تجربتي..فقلت اذان اكتب اولا عن حياتي حتى سن التاسعة عشرة وهي السن التي حالما تخطيتها - باسبوعين اثنين او اقل - غادرت القدس طلبا للدراسة الجامعية في انكلترا. فهي خاتمة مرحلة وبادية اخرى ومهما يكن من امر فان سني حياتي الاولى تلك تزدحم واحداث شخصية لا بد من متابعتها واستيضاحها ...والكتابة عنها ستكون شيئا مثيرا ، ولو صعبا وقد تسهل على الدخول في سرد المرحلة اللاحقة..

ولكن حالما بدأت اكتب عن اولى ذكرياتي الطفولية ، وجدت ان علي ان اختصر كثيرا واحذف كثيرا واهمل الكثير والا فانني لن انتهي...وادركت مرة اخرى ان الفترة التي طالبت نفسي بالكتابة عنها اطول مما ينبغي كمسالة اساسية ..لان الطفولة شيء والمراهقة شيء اخر ورغم ان المراهقة امتداد بتجارب الطفولة من حيث الجوهر - من حيث الرؤية المتنامية للحياة- فقد كان في فترة المراهقة من الغنى والتشعب واللذة والالم والحب والصداقات ما لن افي بعض حقه الا بمجلد منفرد...فقررت اخيرا ان اكتفي بالسنين الاثنتي عشرة الاولى من حياتي - او بالاحرى بسبع او ثماني سنوات منها - منتهيا بانتقالي مع والدي من بيت لحم الى القدس عام 1932...وكان هذا حدثا حاسما بالنسبة لما جرى لي فيما بعد...

اذكر انني كنت يوما في مقهى في القدس ، بعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية ( عام 1945 ) ..فتعرفت بسيدة جذابة وذكية اسمها هايدي لويد ، قالت انها نحاته وتدرس النحت في بغداد، وزوجها سيتون لويد اثاري مشهور وكنت يومئذ رئيسا لنادي الفنون ومدرسا للادب الانكليزي في الكلية الرشيدية واكتب الشعر بالانكليزية وانشره ويظهر انها قرأت بعضه ولكن ظروفي المعيشية كانت قاسية وارفض ان اعلم احدا بتفاصيلها...
وقد فاجاتني ، حين جاءت قهوتنا اذ قالت بشيء من الاغراء : حدثني عن حياتك ! يقولون انك عشت وما زلت تعيش حياة مثيرة..
ضحكت عندها وقلت حياة مثيرة؟ انا لست بطل الابطال ان كنت لا تعلمين.
قالت لا لا انا لا اعني ذلك النوع من الحياة..ولكن تجربتك الفيزيائية النفسية الذهنية علاقاتك العاطفية...
وبلمح البصر عاودني خليط من احداث طفولتي ومراهقتي وسنواتي في انكلترا بتداخل وتسارع عجيبين...
قلت اذا كان هذا ما تقصدين فسافعل ولكن ليس الان لان القصة طويلة ، طويلة جدا...
قالت اذا انتظر ان اقرأ سيرتك الذاتية يوما ما
قلت اخشى ان يطول انتظارك والان حدثيني عن نحتك
واذا كنت في اول الشباب قد شعرت ان القصة طويلة طويلة جدا فماذا اقول الان وقد طالت القصة اربعين سنة اخرى؟ ولقد طال انتظار السيدة الفنانة التي لم ارها مرة ثانية حتى بعد مجيئي الي بغداد بعد ذلك بسنوات ثلاث. هل اقول انها اول من زرع البذرة في ذهني بضرورة التحدث عن حياتي بشكل من الاشكال؟

انا لا اكتب هنا تاريخا لتلك الفترة ثمة من هم اعلم ، واجدر ، وابرع مني في سلسلة ووصف احداث العشرينيات واوائل الثلاثينات في فلسطين. ولا انا اكتب هنا تاريخا لاسرتي ، لان ذلك شأن آخر، ولا ازعم ان لدي القدرة عليه. ولا انا اكتب تحليلا اجتماعيا لبلدة فلسطينية كانت يومئذ صغيرة، لا يتعدى سكانها خمسة الاف نسمة، ان لم يقلوا عن ذلك ، ولا تتعدى مدارسها الطور الابتدائي من التعليم الذي تتحكم بمعظمه الاديرة والكنائس، وهي اليوم مدينة ذات شأن اقتصادي وسياسي، يقارب سكانها مئة الف نسمة، وفيها مدارس عديدة ، وفيها جامعة يتخرج منها سنويا عشرات الطلبة...

ان ما اكتبه هنا شخصي بحث ، وطفولي بحت ومقتربي يتركز على الذات اذ يتزايد انتباهها، ويتصاعد ادراكها ، ويعمق حسها، ولا تنتهي بالضرورة حيرتها...ولئلا انزلق الي التاريخ العائلي بتفرعاته ( وفي ذلك ما فيه من الاغراء) اثرت الاستمرار باستقصاء كينونة واحدة تتنامى مع الايام وعيا ومعرفة وعاطفة، تحيا براءتها ، وتتشبث بها والبراءة تزايلها...
وهي طبعا جزء من محيطها : انها بعض تلك البيوت والاشجار والوديان والتلال بعض الشموس والامطار والوجوه والاصوات التي بها تحيا وبها تكتشف القيم والاخلاق وتكتشف الجمال والقبح والفرح والبؤس جميعا...
ولعلني عن قصد او غير قصد جلعت من الذات والمحيط احيانا موضوعين متبادلين، في الواحد انعكاس للاخر بل وتجسيد رمزي له احيانا...ولانه في زوال مستمر مع الزمن فاني احاول ان اضع يدي عليه وآسره في شبكة من الكلمات لئلا يضيع بالمرة...