عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2020, 10:00 PM
المشاركة 6
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: بـُردةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم
بردة البوصيري


«بُردة» البوصيري.. درة قصائد مديح النبي
تقع في 160 بيتاً وعلى دربها سار الشعراء
خصص شعراء الصوفية قصائدهم في محبة الله عز وجل، فقد كانت الأشعار المحتشدة بمعاني الحب هي نجواهم ووسيلتهم للتقرب إلى الله عز وجل، وهي زادهم في طريق السالكين والترقي في المقامات والأحوال، وهي معينهم في دروب الحقيقة وأنوار المعارف، وإلى جانب ذلك وظف المتصوفة أشعارهم ونظمهم ونثرهم في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد برزت كثير من القصائد في محبة المصطفى تذكر أخلاقه وقيمه وتعاليمه وسنته، ومازالت ألسن الناس في العالم الإسلامي تردد العديد من تلك النصوص التي رسخت في أذهانهم، فقد تناقلوها، حيث تذكرهم بمواقف نبي الإسلام وشجاعته وخلقه، وهي السمات والصفات التي شهد بها العالم أجمع، ومازال كثير من الشعراء في العالمين العربي والإسلامي يكتبون الشعر في مدحه، فسيرته المجيدة تلهمهم وتدفعهم نحو قرض الشعر في مدح خير خلق الله.

يعد الإمام شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد الصنهاجي (608 696 هـ)، من أشهر شعراء التصوف الذين برعوا في مدح المصطفى، وقد لقب بالبوصيري نسبة لمولده في بوصير بصعيد مصر، وتفوق في علوم اللغة والأدب وأصول البلاغة وقواعد العروض والقوافي، مع إتقانه حفظ القرآن الكريم والحديث، وقد تلقى تعليمه على يد كبار أئمة السنة وعلماء التصوف مثل أبو العباس المرسي، في الإسكندرية، واقترن اسم البوصيري بالمدائح النبوية، ولقيت نصوصه شهرة كبيرة بين الناس، ولعل أهم ما يميز تلك القصائد هو أنها تفيض رقة وعذوبة، فأشعاره تأتي كدفق وجداني صادق شفيف، حافلة بالمعاني، كما أن البوصيري أبدع في الألفاظ وتخير المفردات الساطعة، وحسن جودة النظم، وشكل لنفسه بصمة بل مدرسة خاصة به في مدح النبي، حتى تأثر به كثير من الشعراء في زمانه وما تلاه، فراحوا ينظمون الشعر على الطريقة ذاتها، وهو ما جعل قصائده تخلد بين الناس.
يقول في مطلعها :
ريم على القاع بين البانِ والعلمِ .. أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرمِ
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا .. يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجمِ

وتتكون بردة البوصيري من قرابة 160 بيتا، قُسمت إلى عشرة أجزاء بدأها بالغزل البريء والنسيب النبوي، ثم التحذير من هوى النفس، ومدح النبي الكريم، وذكرى مولده الشريف، ومعجزاته، والإسراء والمعراج، وجهاد الرسول، قبل أن يختمها بالتوسل والتشفّع والمناجاة والتضرّع، ويقول فيها:

محمد ســيد الكونين والثقليـن والفريقين من عُرب ومن عجـمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحـدٌ .. أبر في قولِ "لا" منه ولا "نعــمِ"
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته .. لكل هولٍ من الأهوال مقتحمِ
دعا إلى الله فالمستمسكون بـه .. مستمسكون بحبلٍ غير منفصمِ
فاق النبيين في خَلقٍ وفي خُلـُقٍ .. ولم يدانوه في علمٍ ولا كرمِ
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ .. غرفا من البحر أو رشفا من الديمِ

دوافع

وقد لقيت قصيدته «البردة»، أو «الكواكب الدرية في مدح خير البرية»، صدى كبيراً بين المسلمين، وما زالت تُردد بينهم، فهي تعد من عيون الشعر العربي على الإطلاق، ومن بين أجمل قصائد مدح الرسول، ولها قصة رددها ونقلها كثير من المؤرخين، فيقال إن البوصيري قد ابتلاه الله بمرض الفالج، فانقطع في بيته يتقرب إلى الله تعالى في صباحه ومسائه، فكتب تلك القصيدة وصار يرددها وينشدها طوال يومه، حتى رأى في منامه ذات يوم أنه يقرأها في حضرة النبي، ورأى في ذلك الحلم أن الرسول الكريم قد خلع عليه بردته، فاستيقظ من النوم وقد شفاه الله، وهذا هو السبب في أن تشتهر القصيدة باسم البردة، وقد أكسبتها تلك الواقعة بعداً روحياً، فصار الناس يُقبلون على قراءتها؛ بل قارن كثيرون بينها وقصيدة البردة للشاعر الكبير كعب بن زهير التي ألقاها في حضرة الرسول، فأعجبته القصيدة وفصاحة كعب وحسن نظمه، فكان أن خلع عليه بردته، وقد نال بها عفو النبي، وخلدت بين الناس، فهي تعتبر أجمل قصائد المدح النبوي على الإطلاق، والتي يقول مطلعها:
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ

مُتَيّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ


لئن كانت بردة كعب بن زهير هي أكبر درة في قلادة قصائد المدح النبوي، فقد اعتبر النقاد والمؤرخون بردة البوصيري ثاني أجمل نص شعري في مدح النبي محمد صلى الله عليه وسلم

يتبع ... على نهج البردة لأمير الشعراء ... أحمد شوقي