الموضوع: الدائرة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
3472
 
الضيف حمراوي
من آل منابر ثقافية

الضيف حمراوي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
9

+التقييم
0.00

تاريخ التسجيل
Apr 2012

الاقامة

رقم العضوية
11047
03-30-2013, 08:54 PM
المشاركة 1
03-30-2013, 08:54 PM
المشاركة 1
افتراضي الدائرة
الدائرة .
جلست في الساحة العمومية ؛ على كرسي من كراسيها الخشبية المهترئة؛ أحادث نفسي وتحادثني ، ماذا حدث حتى تكاثرت هذه الوجوه المتعبة الحزينة ، التي تعلو أجسادها المترهلة المتهاوية نحو الارض، تعلوها أدخنة داكنة تنبئ عن اكوام الشقاء المتراكم والخوف المرعب من الآتي؟؟؟.
وانسحب نظري نحو موطئ قدمي ، فوقع بصري على حبة سوداء ضائعة ككل ضعيف من خلق الله في هذه الساحة؛ يسحبه وهم في صورة أمل.
كانت هناك نملة ضئيلة ؛ لا تختلف أحوالها أو مظهرها عن أحوال رواد الحديقة ؛ من العجزة ؛ والمعاقين ؛ والبطالين ؛ والفقراء اليائسين الذين يتبادلون الأماكن دفعا للسأم ، كانت تتحرك مثلهم في غير اتجاه ؛ وبدون هدف ؛ على خلاف ما عرف عن مجتمع النمل في ارض الله الواسعة، وكأنها اصيبت بعدوى أهل البلد ، كانت تبذل جهدها في الهروب ، أو في طلب غاية نسيت مكانها ؛ أو نسيت الطريق المؤدية إليها، فأخذت تتحرك في شكل دائري متعرج ،جانحة نحو اليسار دائما ، لتعود بعد دورة كاملة مرهقة إلى نفس المكان تقريبا ، ثم تبدأ دورة جديدة في نفس الاتجاه ؛ مع انحراف بسيط باتجاه الجنوب الغربي لترسم دائرة جديدة لا تبعد عن سابقتها بسنتمترين في أحسن الحالات ؛ وحاولت أن أتفحص الموقف : ما الدافع وراء هذا السلوك البائس المأساوي؟. هل فقد النمل حكمته ؟. هل أصاب الفساد غريزته ؟. وكيف يحدث ذلك والنمل لا يقرأ جرائدنا ، ولا يسمع أو يشاهد قنواتنا ، ولا يجتمع إلى مسؤولينا وأولي الأمر في بلادنا فتتضرر خلايا دماغه؟. وتفقد اللغات والاتجاهات لديه معانيها ومدلولاتها ؟.
ومددت بصري ؛ محاولا -بكل ما عندي من فضول- استكشاف السر الكامن وراء هذه الجهد العبثي ، وبدا لي أخيرا أنني أدركت بغيتي ؛ إذ كانت هناك حبة حلوى زجاجية بلون العسل ؛ سقطت من فم عجوز كان يمتصها ، فالتصق أسفلها بإسفلت الساحة ، والنمل مغرم بحلاوة السكر ، ومجلوب برائحته ، وحين حاولت الربط بين الدوائر التي ألزمت بها النملة نفسها وموقع حبة الحلوى ، اعتقدت أن الحبة في تقدير النملة ؛ ومسحها الراداري وحساباتها ،كانت داخل القسم الشمالي لمسارها الدائري ، وقدرت ألا تصلها ، بسيرها هذا ، قبل مرور وقت طويل بمقتضى واقع حالها وحركتها. ؛ فوطنت النفس على الصبر حتى أرى ما ستنتهي إليه هذه الرحلة الدائرية ، هذا إذا صدق ظني ، و إذا كانت حبة الحلوى هي بغيتها فعلا ، وهو ما لم أكن متأكدا منه .

مر وقت ، بدا لي فيه أن النملة قد وهنت وخارت قواها ؛ و أصبحت أكثر بطْءاً و اقل أتزانا ، وزاد تعرج خط سيرها الدائري وأصبح مسارها يشكل خطا منكسرا ، كأنه مسار إبرة تخيط طرف ثوب قماشه محكم النسج قاس ؛ وفي هذه الأثناء مر أحدهم وداس على حبة الحلوي ؛ فالتصقت بحذائه ، وذهب بها ، وكنت أتوقع أن تتوقف النملة ، ولكنها واصلت سيرها كأن شيئا لم يحدث ، وكأنها كانت تسعى لهدف آخر غير ما توهمت انا ، ولكنني أصررت في داخلي على ضرورة أن يكون هناك علاقة بين حركة النملة وحبة الحلوى ؛ وستصل غايتها ؛ وتلتقط ما بقي من أثر السكر المسحوق الملتصق بالإسفلت ، وانتظرت وخاب ظني إذ مر مسار النملة بعيدا عن المكان الذي كانت به حبة الحلوى، وتيقنت أن ما أصاب هذه النملة هو ما أصابنا جميعا من هول القحط وطغيان الاسفلت ؛ فالعقول ، والقلوب ، و التصورات ، والبشر وعلاقاتهم ، والساحة كلها شيء واحد ، كل أسفلتي متجانس . وأنا والنملة ؛ فقدنا حاسة إدراك معنى الوجود ؛ والقدرة على تحديد الاتجاهات فتهنا في دوران لا متناه في ساحة الإسفلت ؛ عبر حلقات مفرغات ؛ بدون هدف ؛ أجزاؤها سنوات أعمارنا ، لنوهم أنفسنا والأخرين أننا نتحرك ، لنكتشف في الأخير أن كلا منا مستقر في مكانه. أما سليمان وجنوده فقد تأكدوا قديما أن ملوك النمل وحكماءه ، لا يحسنون التحريض على الثورة ، أو الدفاع عن الأوطان والحقوق ، وهم بطبعهم لا يحسنون إلا الحث على الفرار والاختباء ،" ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون " والميت ومن دخل جحره سيان وبالتالي فسليمان وجنوده هم وحدهم الأحياء المتحركون منتشين مزدهين هناك في الأعالي على بسط الريح الوثيرة ، يستمتعون بما سخر لهم من تياراتها ومن إنس وجن وهوام وسوائل وثروات الضالين والمغضوب عليهم من الرقيق والعوام ، على ظهر الأرض وفي باطنها ، وقد سدوا أذانهم كي لا يسمعوا أنين المداسين إلى أن تدور الدائرة.
الضيف حمراوي
30/3/2013



التعديل الأخير تم بواسطة حميد درويش عطية ; 04-07-2013 الساعة 06:42 PM