عرض مشاركة واحدة
قديم 04-29-2014, 02:50 PM
المشاركة 38
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
الفصل الا خير

قادتنى إحدى سيارات مؤسسة خورى التى أمنتها لى أمى إلى إحدى الفيلات الأنيقة فى أرقى أحياء بيروت وقد كتب عليها فيلا شادن

تسمرت على الاسم ويدى على الجرس ودموع تغالبنى لم ينسونى.. رغم السنوات .. فتحت لى فدوى وقد ارتدت عباءة أنيقة تليق بها وشعرها الطويل يغطى ظهرها .. كم أنت جميلة يا فدوى .. قلتها بقلب شادن


الذى أحبها دوما لا بقلب ناتالى الذى حقد عليها .. على الدرج كانت هناك طفلة صغيرة فى نحو الخامسة أو السادسة.. فأخذتها فى حضنها وهى تقول أعرفك بشادن الكبيرة يا شادن الصغيرة .. نظرت لها بذهول


حتى بعد أن أعطت الصغيرة للمربية

كنت أنظر من النافذة للسماء الصافية إلا من سحابات خفيفة مرحة .. بينما تقول

هلا شادن .. افتقدناك سنوات وسنوات.. كيف أنت.. سمعت أنك تخرجت هذا العام من كلية الطب

جلست وهى تعطنى كوبا من الشاى وقلت

تتابعون أخبارى .. بينما لم أعرف عنكم شئ طوال هذا السنوات حاولت ولم أعرف حتى اياد صديقكم اختفى.. قاطعتنى وهى تقول .. ترك اياد بيروت منذ زمن بعيد وعاد لسوريا .. ولم أعرف عنه شيئا

هززت كتفى .. كنتم أصدقاء مترابطين .. قطع كلامى دخول وجه أعرفه.. رحب بى .. دكتور كارم .. قبل جبين فدوى وهى ترافقه للباب قائلة فى رعاية الله يا زوجى الحبيب

نظرت لها فى ذهول فأمسكت بمرفقى وهى تقودنى إلى الحديقة الصغيرة قائلة

تعالى شادن إنك بحاجة لقليل من الهواء..لم أنطق سوى

وبسام ...أين بسام وشادن




جاء ردها صاعقا كلا إننى وبسام لم نتزوج قط يا شادن لقد تطلقنا بعد ذهابك بنحو شهر

قطاعتها بملامح مذهولة وشادن الصغيرة أليست ابنته إن الشبه كبير

امسكت يدى كأم حانية لطالما كنت حانية على يا فدوى الحبيبة .. أكملت ما غاب عنى بصوتها العذب كهمسات المطر.. لقد غادرنا بيروت بعد رحيلك بقليل مع د كارم.. تنحنحت فى الحقيقة أن حالة بسام السيئة




هى ما دفعتنى للرحيل به للقاهرة فقد كان يجوب شوارع بيروت الخاوية ليال طويلة .. لم يطق الحياة هناك دونك

وقد هزل كثيرا وخشيت أن يلقى حتفه.. كان يحبك بجنون شادن

ضحكت بمرارة

كان يعرف أننى فى القاهرة هو من توصل لأبى.. لماذا ... كان من السهولة أن يصل إلىّ لو كان يشعر بشئ ما نحوى ... لكنه لفظنى فى المطار ... كأنى مصيبة نزلت على رأسه ووجب التخلص منها.. ما


تقولينه مستحيل أعلم أنه شعر نحوى بالتعاطف .. لكنى لم أعرف أبدا كيف يقاتل من أجلى حتى يكاد يخسر حياته ثم يلفظنى هكذا... أنت لا تعلمين كم من دموع بكيت حتى أنى جففت كل ينابيع المطر بداخلى

أغمضت عينها والدموع تترقق بهما

لم يكن يستطيع شادن .. قضى ليال طويلة وأيام يذهب حتى يراك دون أن تريه

هتفت بها لماذا.. ؟ هل هو واجبه نحوك لم يكن بينكما شئ سوى بين الأخت والأخ كنتما تحيرانى كثيرا

لاحظت تعلق د كارم الشديد بك إبان مرضك ولاحظت ولعك به

قاطعتنى وهى تقول كان كارم خطيبى قبل أن أعقد قرانى على بسام

نزعت يدى من كفها .. اخبرينى فدوى بالله عليك إذا لم تكونى تحبينه فلماذا تزوجتيه لماذا فسخت خطبتك قبلا من كارم ثم عدت إليه...أى عبث هذا...ولم رضى بالعودة إليك ؟ .. هل تظنون يا آل الجارحى إنكم


فوق البشر

هتفت اهدئ شادن

قاطعتها بطلقات كالرصاص


وأين هو بسام الآن

لماذا يصمت الجميع عندما ألفظ اسمه

امسكتها بعنف وقد أعمى الغضب بصيرتى

سبع سنوات عجاف امضيتها...سبع سنوات أبعث له مئات الرسائل فلا مجيب

هل تعرفين منذ أربع سنوات تملكنى الحنين فذهبت لعمله أبحث عنه قالوا إنه ترك العمل لديهم منذ سنوات

خبطت بيدى هل كنتم أحلام مطر وتسربت فى الرياح وجففتها أشعة شمس حارقة كنت غاضبة وحانقة أين هو بسام .. وقد امسكت كتفها بقوة هزمتها بكلمة


إن بسام ميت شادن.. ميت منذ سنوات ... لم يمنعه عنك سوى الموت

قبعت فى حضن فدوى بعد انهيارى وقد عصف الذهول والجدب .. علمت أنه اصيب قبل أن أظهر فى حياتهم بسرطان الدم وأن فدوى بدافع الإخلاص له تركت خطيبها بعد أن كذبت على بسام بأن لا أمل بينها


وبين كارم .. وعقدت قرانها حتى يتسنى له أن ينجب طفلا يحمل اسم عائلة الجارحى.

لكن الأحداث كشفت أن بسام جنى على ابنة عمه .. وقد جاءوا للقاهرة حيث تزوجت فدوى وكارم وساءت حالة بسام خلال العام الذى عاشه فى القاهرة

قالت فدوى كان يتابعك ويقابل أباك .. خشى كثيرا أن تنتكس حالتك بعد ما مررت به .. كان يعلم أنك تحبينه ولم يريد أبدا أن يسبب لك بمرضه وموته أى ألم

كانت دموع فدوى تنهمر وهى تقول

ولدت شادن قبل رحيله بشهر وفى يومه الآخير أتيت بها إليه وقلت

تشبهك كثيرا يا ابن عمى فترقرت عينيه بالدموع وهو يوصينى بشادن روحه

كان يوصينى بك شادن ..أنا وكارم لم نتخل أبدا عنك.. لكننا خشينا كثيرا أن تعلمى بموت بسام

فآثرنا أن نبقى بعيدا .. سامحينى يا حبيبتى .. والله إنى أحبك لأنى أرى حب أخى بسام فيك

غفوت فى الظهيرة لمدة ساعة وقد تورمت عينى من البكاء.. لكنه أتانى فى الحلم وقد تهدلت خصلة شعر سوداء ناعمة على جبينه .. مددت يدى أزيحها فابتسم وغاب وسط الغيم الوردى

استيقظى شادن .. كانت فدوى تحمل كوبا من الليمون البارد

تقبلته منها شاكرة .. ثم نهضت وارتديت حذائى .. فقالت

أبق للغذاء .. جاوبتها دون انفعال وأنا أنظر للسيارة التى تنتظرنى

أريد أن أزور قبره.. فهل تصفين المكان..

كلا ..سأتى معك

لم نكن أنا وفدوى هناك وحدنا.. بل وقف بقامته المهيبة .. كيف لم أتبين أن له نفس قامة بسام .. أعنى به نادر الناصرى .. وقف عند قبر بسام وقد ذهلت فدوى لوجوده وهتفت نادر

نظر إليها بسرور وهو يقول فدوى لم أرك منذ سنوات.. ولعلها أول مرة يأخذ نادر أخته فى احضانه وقد انخرط كلاهما فى البكاء .. ثم ما لبث نادر أن أزاح شقيقته برفق

أهلا شادن .. لم أمد له يدى .. لم أغفر له .. مازال بينى وبين التسامح سنوات وسنوات وقد تقبل الأمر بهدوء وهو يأخذ فدوى جانبا وهى تقول أين كنت فيقول:-

عدت للديار للناصرة ..إنى أتى كل عام لأزوره.. تلاشى صوته وهما يمضيان بعيدا عنى عبر الشواهد لعلهم يعالجان ما بينهما .. بينما جلست وحدى على قبر الراقد العظيم وثمة رذاذ مطر حالم يندى القبر


الرخامى البارد مسحت بيدى الندى عن النقش الذى كتب عليه


بسام مروان الجارحى من الناصرة 1972-2003

تنفست الهواء البارد وانا اتذكر ليلة القصف..لقاء الحديقة. ترتيله القرأن الكريم.. ضحكه على اللحم النئ..شجاره مع نادر ..وعده ان يعيدنى للقاهرة.. دمه النازف من


اجلى ..نظرته الاخيرة فى مطار عمان وخلف كل هذا عبارة تترد بقلبى:-

لقب اسم جميل شادن ..لقد درست اعوام فى القاهرة

بينما صورة وجه الغير حليق وهو نائم تحتل ذاكرتى..

تنهدت بأمل وثمة طائر يرقص مغردا فوق رأسى وقد علا صوته بالغناء فدمعت عينى وقد عادت فدوى لتحيطنى بذراعها بينما سقط المطر غزيرا غزيرا .

تمت بحمد الله
اكتوبر 2011
القاهرة