عرض مشاركة واحدة
قديم 04-20-2014, 01:13 PM
المشاركة 31
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
لــــــــوسى


اثنى عشرة عاماً قد مضت منذ رحيلى الأخير عن القصر ودخولى الدير بارادتى..لم أعد استطيع العودة للقاهرة حيث ابنتى وسميح
تفصل بينى وبينهما بحار من الدم والألم .. إن سامحت فلن يسامحونى ...الحقد الذى ورثته من أبى دمرنى وحطم حياتى.. لكنى عاقبت نفسى بالانزواء والهروب من كل شئ .. لم أعد لحياتى فى القاهرة ولم أعد لحياتى فى بيروت ولن أذهب لأقربائى فى باريس فهم لا يرون فى سوى جنون أبى الذى أودى بحياة سيلين وايلى ولولا أنى قابلت سميح فى باريس فى ذاك الصيف حيث كان يزورها ضمن رحلة الجامعة لرميت نفسى فى النهر هناك.. ليتنى فعلت قبل أن أدمر حياة آخرين .. كنت ضائعة شريدة فى شوارع باريس لا يجمعنى بأهلها سوى جواز سفرى الفرنسى الذى امنته بفضل أمى .. كان سميح منقذى وصديقى ... تزوجته سريعا وعشت معه أجمل أيام حياتى.. لكن حلمى انتهى بالإنتقام ... انتهى أنى نفيت نفسى فى الدير حيث لا سلطان لخورى العظيم هناك.
كثيرا ما أسأل نفسى عن جانيت ابنة خالتى ... لماذا افشيت لها بسر ابنتى... ولماذا لم أساعد شادن حينما علمت بوجودها لدى خورى .. لقد حاولت الأتصال مرارا بسميح دون جدوى ..خشيت أن يكون حدث له مكروه ..وأن يد الإنتقام التى حرقتنى يوما قد طالته
على مدى شهور كنت أخرج من الدير بصعوبة بالغة .... كنت أريد أن أرى شادن خلسة بمساعدة خديجة ... ولأنى أعرف سراديب القصر كنت أدخل دون أن يدرى الحراس .. حتى هذه المرة التى وجدت نفسى أمام جانيت.. لست أدرى لماذا ظهر حقدها فجأة .. لقد صفعتنى بقسوة... أعلم أنها خائفة فقد دفعت ثمن مساعدتى على الهروب من بيروت ثمنا غاليا ...كانت قبلا تعيش مترفة فى رعاية أبى ... لكن بعد رحيلى طردها بقسوة ليس من القصر .. بل من بيروت كلها...أعرف أبى أى شيطان هو حينما يتملك الحقد قلبه .. لا يسمح للألم أن يتسلل إليه بل يسبقه بكل قسوة.. لم ينحنى يوما...هو صلب عديم الرحمة ..لكن ماذا يبغى من شادن المسكينة لماذا يحولها لناتالى التى غادرته منذ أربعين عاما
يتبع.......
لقد تبادلت معه حديثا قاسيا فتوعدنى بقتلها إن لم أبتعد عنها....بل زارنى فى الديروقال إنى لفظته من حياتى بل لفظت الجميع وأنه لا حق لى فى ابنتى .. ولم ينس أن يذكرنى بكل قسوة بأحداث طواها الزمن أحداث من شأنها أن تزيد الفجوة بينى وبين ابنتى.
زارتنى خديجة بوجه متورم واخبرتنى لأى جنون وصل العجوزوما فعل بها وبفدوى وبسام ..بسام الذى مكث قرابة شهر فى المستشفى .. لقد قرر خورى الحرب .. أعرفه حينما يقرر أمرا ما... سيقتل دون رحمة
ودعت جديجة وطلبت منها مغادرة بيروت فاخبرتنى أنها ستذهب لبلدتها فى الشمال..اعطيتها مبلغا مالى سخى .. رفضته فى البداية من خادمة دير فقيرة .. لكن مازلت أملك الكثير من الأموال التى تركتها لى سيلين فرغم كل شئ استطاعت أن تؤمن قدرا من المال حتى ابتعد عن سطوة أبى .. لكن المال لم يؤمن لى شئ بل عاد بى إلى بيروت مرة أخرى إلى غسان خورى الداهية حتى انتقم ..الانتقام الذى دفعت ثمنه فى منفاى الأختيارى.
يبدو أن سنوات السلام والارتخاء والانزواء قد أضعفت عزيمتى وأوهنت قدرتى فاستسلمت لعل سميح يتصل بى كما دأب أن يفعل طوال هذه السنوات دون أن يحرك ساكنا أو يأتى لبيروت ويرانى ..هل تراه كان يعلم .. هل سامحنى وهل هذا أمر يمكنه المسامحة عليه.. مسحت دمعة طفرت من عينى وأنا أنظف المذبح استعدادا ليلة عيد الميلاد .. كنت كاسفة البال حزينة حينما استدعتنى الراهبة الأم
كان وجهها صافيا وهى ترنو إلى
كيف حالك لوسيا
أومأت برأسى احترما للأم المبجلة التى امسكت بوجنتى وهى تقول لك اثنى عشر عاما هنا ولم تنس أمر هذه الدنيا بالخارج ..إنك لم تحب الرهبنة قط فشهوة الدنيا بداخلك قاطعتها بصوت خافت لكن
يأمى
نظرت لى بعمق
إذا كنت تؤمنين بالطريق الرهباني فيجب أن ينبع من أعماقك، وأن يترسخ فيك
إن كان الأمر هكذا، فلا تضطربى. إنما يحسن لك أن تصبرى، وتصلي أن يكشف لك الرب الطريق الذي يريده لك ... ولكنك يا بنيتى نذرت نذراً خاطئا على أساس خاطئ يفعله كل الذين يعانون من متاعب زوجية أو أسرية أو معيشية. .. أو .. الذين يحضرون عقب صدمات عاطفية.. أو الذين يرغبون في الإقامة دون الرهبنة.

نظرت لها فى ارتياع لكنها ربتت على كتفى بحنان
لن أطردك لوسيا الحبيبة لن أفعل أبدا ثم استدرات لتواجه النافذة
اجعلى الدير ملاذك ولكن تذكرى أن الرب موجود
عبارة ربنا موجود يسمعها الضعفاء فيطمئنون ويسمعها الطغاة فيرتعشون - لو كان عندهم ضمير.
تذكرى أيضا
"هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ
تنهدت فى طمأنينة ليت لى مثله أيتها الأم الحبيبة فالألم سكن قلبى سنوات ..الرب موجود عبارة يسمعها الطغاة فيرتعشون لو كان عندهم ضمير لكن هل لأبى غسان خورى ضمير
أى ضمير يسمح له بأن يجعل شادن هذا المسخ الذى رأيته يدلف عبر باب الكنيسة عشية عيد الميلاد..أين هذه الناتالى بشعرها المصبوغ ونظراتها الثلجية القاسية من ابنتى الوديعة .. كرهت جبنى وضعفى وانغماسى حول ذاتى .. طوال شهر كامل لم أرها ..شئ فيها مات .. بكيت .. هل كان يجب عليك يا أبى أن تأتى بها هنا... هل تريدنى أن أشهد انتصارك الزائف
هل انتصرت يا خورى العظيم وهى تفقد صوابها وتمزق وجههك ..أى مسخ صنعت أيها التعس... هل انتصرت يا خورى الطاغية وهى تهذى بجنون وتصرخ بهستريا...هل بهت وأنا أقف ضدك وأمنعك عنها .. لقد تركتها فى منتصف الليل فى ذلك المستشفى البيروتى الشهير
كنت سعيدة أن أرى الألم على وجههك وأنت ترقبها بجسدها المتخشب خلف الزجاج وكنت تعيسة على أمومتى التى تخليت عنها ... لكنى كنت أعلم أن هناك شخص آخر يهتم بأمرها
شخص كاد يفقد حياته يوما من أجلها
شخص اسمه بسام الذى عرفت عنوانه من خديجة ولم أنتظر حتى الصباح حتى أستغيث به لعل هناك أمل فى أن تعود ابنتى .