عرض مشاركة واحدة
قديم 04-07-2012, 07:24 PM
المشاركة 377
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
حنان الشيخ: صارحت أبي بأنني أضع الحجاب في حقيبتي لا على رأسي
صرت مقبولة لأن السياسة تغيّرت

نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة
بيروت: سوسن الأبطح

ينتمي الكتاب الجديد للروائية اللبنانية حنان الشيخ «حكايتي شرح يطول» الى «أدب البوح» النادر في أدبنا العربي الحديث، فعلى صفحاته سيرة أم الكاتبة بكل سقطاتها ومعايبها وجمالياتها. هي أمٌ لا تشبه كل الامهات التقليديات، خلبتها نجمات السينما، وسرقها البريق فتركت اولادها لتذهب مع حبيبها، باحثة عن احلامها بكل ما امتلكت من ارادة ومعاندة. كتاب يحكي سيرة امرأة جنوبية تعجنها بيروت وتخبزها في زمن زهو المدينة، لكن الأهم من هذا كله انه يفتح باب الاعتراف على مصراعيه، ويسقط حواجز «العيب» وهيبة «المحجوب»، من خلال تفاصيله الصادمة. فكيف كتبت حنان الشيخ هذا الكتاب، في اي ظرف، ولأي غاية. ثم هل سيرة الأم هي فاتحة لنقرأ سيرة الروائية الذاتية، ام هي سيرة بديلة. عن هذا الكتاب الصادر عن «دار الآداب» وعن طفولة غير عادية دار الحوار مع حنان الشيخ:
* كيف اشتعلت فكرة الكتاب في رأسك، وما كان سبيلك لتدوينه على النحو الحيوي الذي خرج به؟
ـ في السنوات الخمس عشرة الأخيرة من حياة امي، اصبحت قريبة منها جداً، وعرفت انها قضت عمرها يؤنبها ضميرها لأنها تركتنا صغاراً وتزوجت من حبيبها. كنت كلما عبّرت عن حبي لها وجدتها وكأنها لا تصدق انني اسامح ما فعلته معنا. صرنا نتحدث عن طفولتها، اعود معها الى الماضي لتعي من خلال مراجعتها لحياتها سبب تركها لنا. لم يكن في نيتي عمل كتاب، لكنني اكتشفت بعد ثلاث جلسات معها ان حياتها كشجرة الصّبار التي رغم شوكها تزهر دائماً وتبقى مزدانة بألوان ارجوانية. فكّرت ان ثمة ما يستحق الكتابة، وحين اخبرتها انني سأكتب قصتها فرحت كثيراً، وقالت لي انها تريد للكتاب ان يصبح فيلماً سينمائياً، فقد كانت ترى نفسها، طوال عمرها، بطلة فيلم سينمائي. توفيت أمي قبل ثلاث سنوات، وكنت قد بدأت حواري معها خمس سنوات قبل مرضها.
* الرواية مصوّرة بالفعل، وفيها من النبض ما يؤهلها لتكون سينمائية؟
ـ على هذا النحو كتبت «حكاية زهرة» لأنني كنت اتخيل القنّاص والحرب، وأنا عن بعد. وكي اعود إلى زمن ماض في حكاية امي كان لا بد لي ان استعيد صوراً كاملة. ولأنني كنت في لندن وبعيدة عنها، كانت كلما تذكّرت قصة او تفصيلاً اتصلت بي لتحكي قبل ان تنسى. وتسألني: «ماذا ستسمين الكتاب؟». سمّه «انا والعذاب والحبوب المهدئة»، او عناوين تعتقدها مناسبة. ما كان يعنيني ان اكتب حرفياً ما ترويه. وحين هممت بكتابة الكتاب مَرِضَت. وكنت متشائمة لأن ثلاث صديقات لي انجليزيات حين كتبن سيرهن متن. ففكّرت بأن أمي روت قصتها وارتاحت، وبعد 8 شهور رحلت. لكنني في هذه الاثناء اغلقت سيرة الكتاب وكنت ازورها في لبنان باستمرار، وابقى الى جانبها، ولم اعد الى ما سجّلت قبل مرور سنة على وفاتها.
* لعل هذا الكتاب شفاء لك ايضاً بعد وفاتها؟
ـ شفاء لي صحيح، رغم انه جعلني اندم على اشياء كثيرة، وأشتاقها اكثر، لأنني لم اعتمد فقط على روايتها، وإنما اعانني اخوتي ايضاً بقصصها التي يعرفونها، واطلعوني على رسائل حبيبها محمد إليها ورسائلها اليه التي استكتبتها آخرين، وثمة رسالة بينها بخط أختي وهي في السادسة، اضافة الى مذكرات حبيبها محمد. لقد سكنني الماضي وأرّقني وتعبت، وشعرت وكأنني عدّت الى هناك لأصلح ما فسد. صرت ألوم نفسي، لماذا ابتعدت عن امي وعن زوجها؟ ألم يكن عليّ ان أحبه انا ايضاً لأنها احبته؟ لقد اكتشفت هذا الرجل من كلامها، لكنني حين رأيت خطه ورسائله صرت اليه أقرب، فأنا ككاتبة أتأثر بالكلمة المكتوبة وأصدّقها. كنت اسمع انه رجل نبيل، ولم أقدّر ما اسمع إلا حين أصبحت وحدي امام رسائله.
* من السيرة نشعر ان والدتك صاحبة حس روائي كبير كي تروي تفاصيلها بهذه الروح الفياضة؟ او انك بارعة الى حد سهّل عليك تقمّص حياتها والعودة عشرات السنين الى الوراء؟
ـ اكتشفت وهي تروي لي، وكأنني امتداد لها، هذا ما جنّني، وضايقني. لأنني عرفت كم هي ذكية وموهوبة. انها هي الكاتبة التي كان يجب ان تتعلم. كنت استعين بها حين اكتب لأنها سريعة البديهة وعندها تشابيه غير مألوفة، اذكر حين كتبت قصة «مدينة الملاهي» وهي عن مدينة الأموات في القاهرة التي يحتفى فيها بالراحلين وفق طقوس تشبه ما كان يفعله الفراعنة، اخبرت امي القصة واستشرتها في ما يمكنني ان اكتب فأجابتني: «كلما ضاقت الصدور زوروا القبور». سألتها ايضاً وانا اكتب احدى مسرحياتي ماذا يفعل انسان وحيد وغاضب، قالت لي: كالأسد بكل قوته وجبروته حبيس قفص لا يجلس ولا يستكين ويذرع زنزانته جئته وذهاباً. اخذت من امي كثيراً، وسيرتها ساهمت هي في كتابة تفاصيلها.
* من خلال سيرة امك، يبدو فهم ادبك اسهل من ذي قبل؟
ـ وأنا كذلك فهمت نفسي افضل. بعد ان تعرّفت على امي عن قرب بت أعرف، من أين أتيت؟ من أنا؟ حين كتبت للمسرح، لم أكن اعرف خلفيات كثيرة، الآن ادرك ان امي من عائلة كوميدية، والدها كان يضحك كل من حوله وهي ايضاً رغم حياتها المريرة. لذلك حين عرض عليَّ ان اكتب للمسرح اكتشفت الجانب الفكاهي من شخصيتي الذي كان مطموساً، وهذا آتٍ من جانب أمي لا شك.
* هل ستفتح سيرة والدتك لك باباً لكتابة سيرتك الذاتية؟
ـ لا ابداً، سيرتي ليست مهمة، وليس لها بعد درامي. تحدثت عن ذاتي قليلاً في نهاية كتابي الجديد، واعتقد ان كل كتاب لي يحمل شيئاً مني.
* تركزين في كل رواياتك على معاناة المرأة وكأنك لم تتحرري من ألم قديم رأيته في طفولتك، رغم ان الزمن أنصفك، ولربما بمقدورك ان تكتبي عن امرأة من صنف آخر، وهي التي تعيشينها اليوم؟
ـ شخصياً ككاتبة أجد أن الدراما تجذبني. وفي قصصي الجديدة خفّت حدة هذا الألم. فأنا استمد مواضيعي مما حولي. ففي رواية «انها لندن يا عزيزي»، ظن الناس انني اتحدث عن بائعة هوى مغربية تتقمص دور أميرة، وآخر مخنث، لهم مقالب مضحكة، لكنني في حقيقة الامر اتحدث عن مجتمع يطمس الحريات ويبقى افراده بعد ان يخرجوا منه مضطربين، والفصام يسكنهم، واعتقد رغم ان مجتمعاتنا تتغير، ما تزال هذه المواضيع تجذبني، ولا اريد ان اردع نفسي عنها. لكن مسرحياتي وقصصي القصيرة تحيد عن هذه الاجواء، ثم ان هذا ما يستهويني.
* انت في لندن منذ عشرين سنة، لكن احداث رواياتك تبقى في لبنان؟
ـ في الفترة الأخيرة، وفي المسرحيتين اللتين كتبتهما انتقلت قليلاً بفكري الى هناك اي من الشرق الى الغرب.
* لأنك علمت انها ستوضع على المسرح في لندن، وليس في لبنان؟
ـ لا، كنت ما ازال مصرّة على انني لم أبعد عن البلاد العربية، لربما هي اللغة التي تجعلني راسخة الى هذا الحد، في روايتي «انها لندن يا عزيزي» بدأت الدخول في الاغتراب الجغرافي والحقيقي، بعد ان كنت اكتب عن اغتراب الانسان عن ذاته في مجتمعه. في هذه الرواية دخلت اجواء اخرى.
* لكنك عدت الى لبنان عبر سيرة والدتك؟
ـ صحيح. لكنها المصادفة.
* لو أخذنا مي تلمساني من الجيل الروائي النسائي الجديد، لوجدناها تتصالح مع انوثتها ووضعها الاجتماعي، عكس جيلكم الذي عاش مأزق البحث عن الحرية، ودفع الظلم، ولعله ما يزال حبيس هذا الوضع؟
ـ ثمة تطور حصل، لكن اعتقد ان مجتمعاتنا ما تزال متنوعة، وفيها من الظلم الشيء الكثير. ارى اليوم بعض الفتيات العصريات في ظاهرهن لكن في مفاهيمهن، لربما نحن في الستينات كنّ اكثر منهن تطوراً في العمق. المجتمع في غالبيته اصبح اكثر سطحية. في ايامنا، كانت كل واحدة منا تريد ان تصنع مهنتها وتجيد ما تحترف، لم نكن ننتظر الزوج. جيلنا كان كثير التساؤل وله رؤيا واضحة. بالنسبة لنا الغرب كان هو التحرر والعصرية، الآن صار عندنا علامات استفهام كبيرة، لأننا نرى عيوبهم بشكل افضل، والامور تنحو الى التعقيد.
* كروائية هل تحبين ان تعبري عن رأيك السياسي بشكل مباشر؟
ـ اكتب نصوصاً وانشرها مثل «المرأة الافغانية وامي»، الذي كتبته عند الحرب على افغانستان، عبّرت خلاله عن رأي في التعصب والمرأة المحجبة، وحين ذهبت الى الاندلس كتبت «في ساحة الاسود جلست وبكيت» عن العرب وحاضرهم وماضيهم. احياناً لا ينشرون لي ربما ما اكتبه يبدو لهم قوياً وحاداً.
* لم تخفت حدة جرأتك عن ذي قبل، بل ربما زادت، ومع ذلك أصبح قبول ما تكتبينه أيسر، فهل نذهب نحو المحافظة كما ندّعي ام صوب الانفلاش؟
ـ صرت مقبولة اكثر، لأن السياسة تغيرت، وربما لأنني عرفت في الغرب. بات النشر لي وعدم مصادرة كتبي بالحدة نفسها، هو جزء من عملية إثبات حسن النوايا اتجاه قيم بعينها.
* كنت منذ البدء صادقة في ادبك ولم تراع كثيراً ما يمكن ان يقال عنك، فهل كان هذا جزءا من البحث عن الحرية حينها؟
ـ ذلك لربما متأتٍ من انني لم اعش حياة تقليدية في بيتنا، امي لم تكن في البيت، وابي يشتغل طوال النهار ولا يعود الا ليلاً. لم تكن هناك سلطة أبوية ثم ان الشخص في تكوينه الجيني يحمل التمرد احياناً. وانا اكتب سيرة امي اكتشفت ان امي بتركها البيت وزواجها بحبيبها، وثورتها على واقعها، قد تكون اورثتني اشياء كثيرة. لا اسأل نفسي هذا السؤال. لكنني اذكر حين كنت صغيرة جداً ومررت بمنطقة «رأس بيروت» وشاهدت البحر، قلت في نفسي، اريد ان اعيش هنا لا في «رأس النبع» مع الجيران الذين يفتحون الشبابيك كلما مررنا ليتفرجوا علينا. تمردت على والدي المتدين كثيراً، وصارحته انني اكذب عليه وانني اضع الحجاب في حقيبتي لا على رأسي. كان اقربائي يقولون بأن حياتي ستكون صعبة لأنني اعاند وأشاكس. انما اريد ان اقول هنا بأنني عشت حياة مختلفة عن الآخرين بسبب غياب امي. كنت احمل الأكل لوالدي وامشي في بيروت من سوق الى سوق، اقرأ المكتوب على اللافتات وكان ثمة كلام جميل يسحرني.
* لغتك ايقاعها سريع، والمشهد عندك يطوى بسرعة، بحيث لا تتركين فرصة للقارئ ليتململ، فهل انت انسانة ضجرة؟
ـ جداً، ثم انني لا افكر بأن ما اكتبه سينشر، يخيل الي انني ألعب او اكتشف عالماً جديداً اتمتع به بعد ان بنيته. منذ صغري كنت احب ان أُسلّي من حولي، واثبت لأولاد الحي اننا مثلهم، رغم ان امنا تركتنا، كنت امثّل لهم، اخترع لهم قصصاً، اكذب عليهم، اردتهم ان يقبلوني، واستعملت خيالي لأتودد إليهم، رغم انني كنت اعيش باستمرار اغتراباً داخلياً. حين كنت ادخل بيتنا اشعر بأن اشياءه تتكلم، اثاثه اشخاص ناطقون، هذا عدا النسوان الكثر اللاتي كان يعج بهن البيت، وحكاياتهن وثرثراتهن، هناك عوامل كثيرة لعل منها انني لم اكن ناجحة بالقدر الكافي في المدرسة، ولم اتعلم كثيراً، ولم ادرس كثيراً، ولم اقرأ كثيراً كما فعل غيري، لذلك لم تتقيد موهبتي.
* انت في النهاية روائية تنهلين من الحياة لا من الكتب؟
ـ تماماً.. لكن حين اقرأ شيئاً أتأثر فحين كتبت اول مؤلفاتي «انتحار رجل ميت» كنت قد قرأت «السأم» لألبيرتو مورافيا، وتقمصته قليلاً وجعلت الراوي رجلاً سائماً، رغم ان شخصية هذا الرجل كانت تسكن عقلي وأعرفها جيداً، إلا انني ما استطعت ان اتخلص من تأثير مورافيا حينها. بطبيعتي ايضاً احب قصص الناس وأخبارهم. وحين اقرأ لا احب الروايات المستندة الى التاريخ، وأفضّل عليها الشعر مثلاً. يدهشني الشعر الجميل بقدرته على التكيف.
* انتقاد كثير يوجه للأدباء المترجمين الى لغات عديدة وانت بينهم، البعض يتهمهم بالكتابة في مواضيع ترضي الغرب، والبعض الآخر يعزو ترجمتهم لعلاقات شخصية؟
ـ من ناحيتي كان الحظ الى جانبي، اتيت في الوقت المناسب. البعض يقول انني ترجمت بسبب كتابتي عن الجنس، لكن ثمة من كتب عن الجنس اكثر مني مائة مرة ولم يترجم. ما حصل ان «حكاية زهرة» جاءت في وقتها، خلال الحرب عام 1976، ثم صادف ان اختيرت بين الروايات العشر التي ترجمها «معهد العالم العربي» عند افتتاحه. بعد الترجمة نالت الرواية جائزة Elle وكتب عنها كثيراً، ربما لأنها تتحدث عن الحرب او لكوني شيعية ومن الجنوب، وكان الكلام كثيراً عن «الخمينية» حينها. كي تحصد الرواية الجائزة كانت بحاجة لقراء يصوتون لها، ويبدو ان الناس احبوها، ثم ترجمت الى الانجليزية، لأن ترجمة تجرّ وراءها اخرى. ننسى احياناً ان الغرب لا يترجم ما لا يباع، هم تجار في النهاية ويريدون ان يربحوا. انما حين يترجم لك كتابان او ثلاثة، ويعرفون انك جدية ومنتجة يدعمونك. لكن الشرط الأساسي ان تباع كتبك. اعتقد ايضاً ان ثمة اكثر من عامل قد يلعب دوراً. على اي حال انا اعمل كثيراً ولا افكر بما يقال حولي. فالنملة التي تكون مشغولة بتخزين مونتها لا تفكر بما يحدث في الحديقة.