الموضوع: الطريق
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
1780
 
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8


عبد الكريم الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14,144

+التقييم
11.43

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16516
01-17-2021, 11:59 AM
المشاركة 1
01-17-2021, 11:59 AM
المشاركة 1
افتراضي الطريق
الطريق


" الطريق مقطوع يا عم " صاح رجل الأمن في وجه صالح، وأشار بيديه طالبا منه التراجع. كانت السيول قد اكتسحت الجزء الأكبر من الطريق الإسفلتية المتآكلة الأطراف، جارفة معها أكواما من الحجارة و أغصان الزيتون المتكسرة.

أرجع صالح السيارة إلى الوراء، واتكأ على المقود ينظر بحسرة إلى المياه الطينية التي تدفقت أمام صف طويل متوقف من العربات. تعالى زعيق منبهات السيارات وتصاعدت صيحات الاستنكار، لكن رجال الأمن منعوا بحزم أي محاولة للمرور. لم تجد احتجاجات السائقين و توسلات الركاب في زحزحة الأمنيين عن موقفهم. كانت الأوامر التي تلقوها منذ ربع ساعة واضحة و صارمة. لا أحد يمر من الطريق المحاذية للنهر الهائج، والتي اجتاح الفيضان المدمر معظمها، وحول منعطفاتها الجميلة إلى برك موحلة.

استدار صالح بالسيارة، وقفل راجعا من حيث جاء. قرر أن يسلك طريقا فرعيا بعيدا عن مزاج النهر و تقلباته المفاجئة، رغم أنه سيكلفه وقتا مضاعفا وكثيرا من الاهتزاز.
بعد مدة انحرف إلى طريق ضيق، يتلوى كثعبان مرقط بلا رأس بين حقول القمح الخضراء و أشجار الزيتون. اهتزت السيارة فضغط على الفرامل و قلل من السرعة. حدق أمامه بحنق. الحفر تملأ طول الطريق. ذلك ما كان يخشاه. قد تطول الرحلة أكثر من المتوقع حتى يصل إلى بلدته. لو لم يتوقف ليحتسي كأسا من الشاي في مقهى ريفي بسيط، لاجتاز حاجز الأمن قبل قطع الطريق، كما فعل زملائه أبو لطفي وأمجد.
أمسكت قبضتا يديه المقود بشدة، وعض على شفته السفلى. دائما ما يصل بعد الآخرين، وليست هذه المرة الأولى. الفتاة التي نبض قلبه بحبها، تأخر في خطبتها ففاز بها شخص آخر. والوظيفة المرموقة التي لطالما حلم بها في شبابه ضاعت منه لأنه تباطأ في التقدم إليها. وحوادث أخرى كثيرة لا يتذكرها الآن.
تخيل زميليه في بيتهما، جالسين يحتسيان القهوة الساخنة في ركن دافئ، بينما هو لا يزال يتأرجح فوق شريط ضيق وعر يبدو بلا نهاية.

أضفت أشجار الزيتون بأوراقها الصغيرة المتشابكة ألقا ساحرا على البساط الأخضرالممتد إلى الأفق البعيد. عينا صالح لم تستمتعا وتتذوقا ذلك السحروالجمال. لم تكونا تحدقان بقلق سوى في الطريق المتداعي. تسائلان في صمت حظه المشروخ، وتلقيان سحابة من الشك على قدر لا يأبى إلا أن يعانده. تمثل زوجته وهي تردد كعادتها، كلما اشتكى إليها:" لعله خير". حرك رأسه جانبا بامتعاض، وهمس بسخرية كأنما يحدث شخصا جالسا بجنبه :"ترهات، مجرد أقوال لا تنفع . أي خير وجسدي يكاد يتفكك قبل السيارة بسبب هذه الحفر العميقة، الخط المستقيم أفضل دوما من الخط المتعرج، حياتي لم تكن إلا خطوطا متعرجة تلاعب بها الزمن في غفلة مني".

عندما أوقف محرك سيارته أمام بيته بالبلدة، كانت الشمس تلفظ آخر أنفاسها، والظلام ينساب بخلسة في الأرجاء. زوجته وجمع من جيرانه تحلقوا حوله. نظر إليهم بعينين محمرتين ووجه متعب مستفهم. سألته أم لطفي بجزع واضح:
"سيد صالح ألم تصادف أبو لطفي و أمجد؟ سيارتهما لم تصل بعد! وقد سمعنا أن الفيضان جرف عددا كبيرا من السيارات".