الموضوع: العين الثالثة
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-07-2021, 07:03 PM
المشاركة 6
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: العين الثالثة
سلام الله عليك صديقي محمد*


انتشرت السفسطة في اليونان في زمن كان فيه الكلام يوصل إلى المناصب المرموقة. فكان السفسطائي معلما لفنون الاستدلال والبلاغة. فكانوا مدربين أكفاء وكانوا السبب المباشر في ظهور التفلسف والفلسفة، التي تبحث عن الحقيقة خارج البلاغة والاستدلال الناقص.*

في عصرنا هذا انتشر التكوين وإعادة التكوين، وإذا كان هذا مفهوما في القطاعات التي تتجدد فيها الأداة وآلية العمل. هذه العدوى انتقلت بشكل غريب إلى الإنسان، فنتحدث عن إعادة البرمجة لكأن البرنامج السابق أصابه بعض الخلل. في الغالب تعتبر أي ظاهرة منتشرة مؤشرا على شيء، فإذا كانت السفسطة ثقة في الكلام، فالتكوين وإعادة التكوين ثقة في الآلة والمهارة.*

أما "التنمية البشرية" هذه، *فهي نوع من الشعوذة التي أن تمنح الإنسان ترياقا من الكلام، وهطول الناس على هذا الدواء الكاذب دليل على كون الإنسان فعلا فقد الثقة بنفسه وبقيمته، أي فقد سبل التفاعل مع دنياه الناضحة بكل بالعجائب.*

إذا كان السفسطائي ينجح فعلا في تكوين بعض المتكلمين فيعتلون مناصب مرموقة في دولة المدينة الديمقراطية حيث يستطيع المتكلم استمالة الناس بالخطاب. فإن السفسطة كانت منتجة إلى حد كبير، ما دام لها ذلك الأثر في مجتمع قابل للقياس حيث العدد يسمح بذلك. أما في يومنا هذا حيث الملايين المملينة من البشر، فالإنسان لا يحتاج إلى مزيد من الإثارة والإغراء لأن تلك الأحلام الزائفة ستتصدع على صخرة الواقع. بل يحتاج هذا الإنسان لمن يساعده على تقبل حالة الضعف التي أصبح عليها، وأن معيار الاغتناء والرقي الاجتماعي ليس بالضرورة نجاحا، بل النجاح في قدرته على توظيف إمكانياته بالشكل السليم حفاظا على نفسه وعلى مجتمعه. فالمجتمع ليس عدوا نصارعه، بل الاجتماعية ضرورة أمنية لا غنى عنها، تعتمد هذه الشعوذة على تضخيم الأنا، و الانسلاخ عن المجتمع بوصفه معرقلا للنمو والتطوير الذاتي. فتحصل على إنسان فقد الثقة بنفسه وبمجتمعه.*

قال لي صديق ذات يوم، هل تقرأ لفلان، إنه خبير *في علم النفس، قلت له لا ولن أقرأ له، فهو دجال مشعوذ، وكتبه كانت تغزو مكتباتنا الفقيرة أصلا، إنها مثل كيف تتكلم اللغة الألمانية في ثلاثة أيام. قلت له يا صديقي إن هؤلاء يهينون ما تبقى من ذكائنا، فهل يكفي أن أقول سبعين مرة "أنا قوي" لأكون كذلك وأتسلق الحائط، هذا تهكم ما بعده تهكم.*

فلا عين ثالثة ولا رابعة في الواقع بل مجرد حلم جميل تستيقظ بعده فتجد الوقت قد فاتك أكثر من ذي قبل.*


أشكرك على إثارة الموضوع*
ولك الشكر اخي ياسر على هذه المساهمة القيمة في إغناء وتقييم الموضوع ..
بورك فيك وفي قلمك..
أبو الفضل