أرسطو " المعلم الأول" رغم كون سقراط عقلا متفلسفا إلى أبعد الحدود متسما بالتواضع كخصلة ربما يكون منشأها انتسابه إلى الطبقات الدنيا في المجتمع ، ففلسفته ألهمت أفلاطون ذي العقل الشاعري المتسع للخيال أكثر ، فأسس المدرسة المثالية الصرفة و نظّر للنظام السياسي في كتابه الجمهورية نقدا للديمقراطية اليونانية التي أعدمت أستاذه . و أنتجت مدرسته عقلا جبّارا ، زاوج بين المعرفة الطبيعية الاستقرائية و ملكة النقد الأدبي ، اسمه أريسطو ، ذو الثقافية الموسوعية و الفكر المتقد . شهدت المعرفة في عهد أرسطو نقلة نوعية كبيرة ، إذ استطاع أن يجمع قواعد الفكر السليم مؤسسا علما جديدا به يستطيع العقل أن يعصم فكره من الوقوع في الخطأ ، يعتقد الكثيرون أن علم المنطق ولد تاما ومكمولا مع أرسطو ، بل يعتبر علامة فارقة في فلسفته ، فبه استطاع أن يمأسس العقل و عمله ، فالإنسان عند أرسطو هو الحيوان الناطق أو بصيغة أوضح هو الحيوان العاقل المدرك للكليات ، و الكليات هي معقولات تصورية يعني تحصل صورها في الذهن انطلاقا من الجزئيات المحسوسة أو المتخيلة "الموجودة في الذاكرة " عن طريق التقشير أو بالتسامي " التجريد" ، و تنقسم هذه الكليات إلى "ماهيات "كمعقولات أولية تبنى عليها المعقولات المنطقية " كالجنس والنوع ..." وهي مفاهيم ذهنية خالصة ، تختلف عن الماهيات التي عروضها و اتصافها في الخارج ، كما تختلف عن المعقولات الفلسفية التي عروضها في الذهن واتصافها في الخارج التي تعرف بالضدية و ينتزعها الذهن بالمقارنة مثل العليّة والوجود ... لن أستطرد في علم المنطق الذي سطر أريسطو قوانينه الأساسية كقانون الهوية و قانون التناقض و الثالث المرفوع وكما يعني أكثر بالدلالات اللفظية الوضعية " مطابقة ـ تضمن ـ لزوم " ........ لكن أكتفي بالقول أن المنطق يدرس التصورات و التصديقات و الاستدلالات ، فالتصورات تسمح بإدراك الماهيات بدون إثبات أونفي و الثانية توحد أو تجزئ بالإيجاب أو بالسلب نسبة الموضوع للمحمول ، و الثالثة يظهر من خلالها المجهول انطلاقا من المعلوم . يكاد المنطق الأرسطي الصوري يمؤسس لنظرية معرفية كاملة ، فالحواس عند أريسطو تعطينا الجزئيات التي نأخذ منها الصور ، التي يبلورها العقل إلى تصورات ماهوية ثم منطقية و فلسفية ، فإذا كان أفلاطون يعتقد أن الفكرة منفصلة تماما عن المادة و عالمها مختلف أيضا فأريسطو يعتقد أن التصورات هي ما يعطي للمادة كمالها ، فإدراك العقل هو ما يجسد المادة ويحققها بالفعل و إلا كانت أجزاء لا قيمة لها ، أي ليس بينها روابط " جنس ، فصل .... ، و لما استطعنا أن نميز ارتباط السبب بالمسبب . تتدرج المعرفة عند أريسطو كالتالي : 1ـ المعرفة بالمحسوسات أي الجزئيات . التي تتخذ صورا في المخيلة " الذاكرة " 2ـ المعرفة الحدسية التي تكون بإدراك الماهيات . 3ـ المعرفة العقلية التي تكتمل باستخدام مبادئ المنطق الاستدلالة و الاستنتاجية . فالمعرفة عند أريسطو بالأساس قائمة على الخبرة الحسية والتجريد العقلي . ولا يمكن تصورها خارج هذا المنطق .