الموضوع: سوط .....
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
12

المشاهدات
3642
 
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي


ياسر علي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,595

+التقييم
0.38

تاريخ التسجيل
Dec 2012

الاقامة

رقم العضوية
11770
07-26-2016, 12:33 AM
المشاركة 1
07-26-2016, 12:33 AM
المشاركة 1
افتراضي سوط .....
كانت بدرا متلألئا ، جالسة قبالة القبر و الباقة لا تزال في يدها ، يبدو أنها فقدت عزيزا ، فثوب الحداد يغشى ملامحها ، كادت الغيرة تدقّ أبواب نفسه منذ الوهلة الأولى لرؤيتها ، أتسبق الغيرة الحبّ ؟ لا يعتقد أن العشق تسلّل إلى قلبه مع نظرة من عينيها الباردتين ، أيبدأ الحبّ باردا هكذا فيحتاج إلى الغيرة لتنفخ فيه حرارة لهيبها ؟
ـ متأسف جدّا لما حدث .
ـ لا عليك و شكرا لجميل نبلك .
نطقت تلك الجملة خاطفة نظرة عابرة تجاهه ، رجعت ببصرها البارد نحو القبر و يدها ترسي الباقة برفق عند صدره ، لا يعرف سرّ ما جعل وجيب قلبه ينتفض ، أهي النظرة الباردة أم نغمة لسانها الرقيقة كلحن حزين ، ربما الغيرة ما يكبّله ، كان يتمنى أن تكون هذه الباقة رمزا للحياة ، فتتسلمها يده من يدها ، كانت يدها الماسكة بالباقة لوحة غاية في النضارة ، لوحة أسرت فؤاده ، يرتجي بقاء الورود في يدها ، لا يعرف ما الّذي أثار إعجابه ، هل بريق الزهر أو انسجام أصابعها ، و ربما بعض الأشياء يمنحها التزاوج نكهة أخّاذة . تنبه أنّه تجمّد دون حراك لبرهة ، عيناه مخطوفتان بين الكف و الباقة ، يرتق فتقهما بخيط نظراته .
عشقه للزهور يضاهي حب الفراشات لها ، لو علمت بما يختلج في نفسه النّحلات لأشبعته لسعا ، كان الوقت أصيلا و الشمس يميل اصفرارها إلى إلى حمرة البرتقال و هي منحنية لطبع قبلة على الأفق الممتد الذي تظهر منه على استحياء نوارس تغزل ثوب الشفق في حركة وئيدة . حين همّ بالمغادرة نحو البحر يحكي له عن الحمّى التي تعتري بدنه ، لعلّه يتفضل عليه بنسمات منعشة لمّا تسكن الشمس هودجها متخلية عن ثوبها و خجلها الحمراوين سابحة في رحاب زرقته الآسرة ، سمع نحيبا خافتا جعله يعود ببصره لذات الخمار البرتقالي و اللّحاف الأزرق . وجدها منتصبة دامعة العينين ، قدّم لها المنديل الورقيّ بيده المرتعشة ، ردّت بالنغمة الحزينة ذاتها : " ما استطعت نسيانه ، و لا أدّعي أنّني أستطيع نسيانه ، كان رجلا حقّا ، كان إنسانا حقّا ، كان لي أمنا و سلاما ، كان حضنا دافئا ، كان ينبوع محبّة عذبة الملامح ، رشيقة البنيان ، ناعمة الملمس ، كان يزن الدنيا و ما فيها من متع مغرية . يا صاحبي لست أدري لم أنا أعيش بعده ، يوما بعد يوم أنتظر أن أهب هذا الجسد للتراب لتعانق روحي روحه ، و أهنأ من بلوى الفقد والحرمان . أتعرف أيها الغريب ، كم مرّة حاولت أن أملأ عليه خلوته ، كم مرة أجدني معه في عالمه ، لولا أن فرقوا بيننا و شتّتوا شملنا ، حتى هؤلاء الأطباء يحسبون أنفسهم يستطيعون ، يحكون حكايات غريبة ، من يصدّقهم يا صاحبي ؟ هؤلاء آلات لا يعرفون في الإحساس شيئا ، قال لي أحدهم مرة ، حاولي أن تكتبي شعرا ، أن ترسمي لوحة ، أن ترقصي رقصة ، أتعرف لماذا ، لأنه ما أحسّ يوما بطعم الحبّ ، حياته جرداء ، فيظن أن الكذب على النّفس يماثل رشفة واحدة من إكسير الغرام ."
حين كانت تتكلم كانت الشمس ماضية في طقوس العروس ، و الأشجار ساكنة مرتخية تكاد تحسبها غافية ، تسترق السّمع و الشحوب باد على ملامحها ، نفسه متأرجحة بين رغبة متّقدة كلّما أبرقت عيناها بوميض الحياة ، و تنتابه نوبة الغيرة حين تسرف في ذكر محاسنه ، و تجتاحه شفقة مقيتة عندما يراها سابحة في بحار الضّياع . استرسلت في قولها : " لست أدري كيف سأعود إلى بيتي و قلبي سيبقى هنا ، يؤلمني أن رضيعي ينتظرني بأحرّ من الجمر ، أرأيت مصابي أيها الغريب ، ابني هناك و أنا هنا ، حتّى وأنا أداعبه أرى صورة حبيبي ، قلبي لا يستطيع أن ينشطر جزأين . آه لا يعلم مصابي إلا أنا ."
قطع بوحها بسيف لسانه بينما الطيور تحوم حول الأشجار في ضجيج الرّواح : " منذ متى وأنت على هذه الحال ، ألا ترين أنك تستحقّين الحياة ، فأنت ....؟ ردت و شرارة الغضب تنفجر من عينيها : " ألا تخجل من نفسك ؟ تريد أن تتغزّل بي ، لولا أنّني في حضرته لاسمعتك من ثقيل القول ما لم يسمعه رجل من أنثى على مرّ العصور . انصرف فلا أراك إلا حقيرا . فحتى زوجي الذي تزوجني وأنا بين الحياة والموت ما استطاع فك هذا الخاتم من إصبعي ، ولا ابنه قادر على محو حبيبي . "