عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011, 09:07 PM
المشاركة 6
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي





عملية إنقاذ عند منتصف الليل – 1999


في هذه المجموعة نجد أن تيار الغضب الذي طغى على أعمال ريتش السابقة قد انحسرهنا إلى نوع من التأمل الوجداني، حيث تغدو السعادة مطلباً أساسياً لها، ولكن كيف السبيل إليها في مجتمع لا يرتد فيه الأقوياء عن استغلال الضعفاء، وفي عالم يؤدي فيه احتقار حقوق الإنسان إلى كوابيس. ويبدو أن الزمن لم يكن ليقلل من حماسة ريتش تجاه قضايا مجتمعها. ففي عام 1997 أي وهي على مشارف السبعين من عمرها قامت ريتش برفض جائزة الميدالية الوطنية للفنون تعبيراً عن غضبها من الإجحاف اللاحق بالفنون نتيجة التقصير في التمويل الحكومي.





ثعلب – 2001



مجموعتها الأخيرة هذه انتقدت لصغر حجمها ولإفتقار قصائدها إلى ومضة الذكاء المعهودة في كتابات ريتش السابقة، غير أن ثمة من رأى أنّ في البناء المعقد لقصائدها ما يشفع لصغرها. مواضيعها لم تختلف في الجوهر عما شغل ريتش طيلة حياتها.




كتابات نثرية



أما بخصوص نثر ريتش فهو ليس بأقل انفعالية وحماسة لقضايا المرأة، وإستفزازية وعدوانية لمفاهيم الرجل من شعرها. في إحدى أشهر مقالاتها المعنونة "متى نحن الموتى نستيقظ" تؤكد ريتش على ضرورة إعادة النظر في مسألة تعريف المرأة لذاتها. وتجدر الإشارة إلى أنه في الفترة ذاتها التي كتبت فيها هذه المقالة من عام 1976، كانت ريتش قد أعلنت للملأ عن كونها سحاقية. وفي مؤلفها "دّم، خبز وشعر" 1986، تتابع ريتش معالجة القضايا ذاتها المتعلقة بالمرأة السحاقية والهوية الأثنية والتمييز العنصري، إضافة إلى قضايا الشعر.


وتعرف ريتش الفن في هذا الكتاب بأنه: "حديث مُسهب مع المتقدمين في السن ومع المستقبل" أي أنه لغة مع الزمن تمتد من الماضي إلى المستقبل، أو محاولة لخلق لغة مشتركة قادرة على محاكاة طموح الإنسان وإيجاد بدائل لظروف عيشه في ثقافة عدوانية. ومن الأفكار الأخرى الواردة فيه على سبيل المثال، قولها "أنها منذ عام 1956 بدأت تؤرخ قصائدها بالسنة فقط، إشارةً منها إلى التخلص من فكرة أن القصيدة هي حدث فردي مُغلق أو عمل إبداعي منجز ونهائي في ذاته" وتضيف " كنت أعرف أن حياتي تتغير وكذلك كتاباتي، وأردت أن ألمّح للقارئ بأن انخراطي بالتجربة طويل ومتواصل، ولعل هذه الإشارة هي أيضاً وليدة موقف سياسي، رافض للمفهوم النقدي المسيطرالذي يعتبر أن القصيدة هي نص يجب أن يُقرأ بمنأى عن حياة الشاعر اليومية في العالم. إنها تصريح مني بضرورة جعل القصيدة في حالة تواصل دائم مع التاريخ، لا فوقه ولاخارجه".


أما كتابها النثري الأخير "فنون الإحتمال" 2001 فينطوي على تأملات في القضايا السياسية الراهنة وقضايا الشعر والشعراء، حيث تؤكد ريتش على عمق إيمانها بأن الشعر لا محالة هو ذو بُعد سياسي، وأنه باستطاعته تشريع الحجرات المغلقة للإحتمال وتجديد المشاعر وإحياء الرغبة.





قراءة عامة في تجربتها وموقف النقد منها


على مدى خمسين عاماً من الإختبار والتجربة في معترك الذات والحياة والمجتمع، تؤرخ ريتش رحلتها شعراً ونثراً وتقول: "لقد بدأت كأميركية متفائلة، وإن يكن ميالة للنقد، مدركة لأبعاد ميراثنا العنصري، ومعايشة للحرب الفيتنامية، ثم تحولت مع الوقت إلى أميركية مشككة، ليس في غمار بحثي الطويل عن الكرامة والعدالة اللتين هما جزءاً من كل التاريخ الإنساني، بل في ضوء الدور الرائد لأمتي في تشويش وإرباك هذا البحث هنا في داخل الوطن وحول العالم. ولعل شغفاً بالنزوع إلى الشك كهذا، مجرداً من أي خلفية كلبية أو نّهلستية هو السبيل الوحيد للإستمرارية".



منذ البداية تميزت ريتش بطاقاتها التخيلية الخارقة التي ترواحت مجالاتها ما بين الفلك والتكنولوجيا الحديثة والتاريخ الطبيعي والسينما.. أشعارها تختزن طاقات حُلمية وتصورات فانتازية، ومحورها الأساسي هو معركتها مع الثقافة الذكورية التي تتغافل عن هويتها ومقدراتها اللغوية. طوال المرحلة التي تلت مجموعة "لقطات فوتوغرافية لكنّة" نلاحظ أن ريتش ظلت تتساءل عن مدى فعالية اللغة وقيمة الشعر في إظهار إشكالية المرأة المثقفة التي لا تملك من الأدوات غير الكلمات، والتي حتى الآن وفي كل محاولاتها للبحث عن الحقيقة واستقراء الواقع، لم تفلح في نيل الإعتراف بها.


تلجأ ريتش لحل هذه المشكلة على ثلاثة مستويات:

- العمل على إعادة بناء الذات
- والإنخراط أكثر في العمل السياسي
- والإلتزام بالقضايا النسوية.


في مجموعتيْ "الوريقات" و"إرادة التغيير" تقتحم ريتش عالمها الشعري برغبة شديدة في اللجوء إلى اللغة كوسيلة علاج ولكنها لا تني تنهزم. تقول في إحدى قصائدها: "هذه لغة المضطهد/ ومع ذلك أحتاجها لأخاطبك/...لا أستطيع لمسك وهذه لغة المضطهد" هكذا تستنتج يائسة، ثم تعود لتقول في مجموعة "الغوص في الحطام" بأنها تقرأ ولكن لا حاجة بها إلى "كتاب الأساطير" حيث "أسماؤنا لا تظهر فيه"، "إنها تبحث عن الشيء نفسه لا عن الأسطورة".

ونلاحظ هنا كم رؤيوية هي لغتها ومحملة بالرمز، فإذا كان مصدر لغة المضطهد هي مجموعة تصورات خاطئة للواقع، فمن الضروري إذن البدء مجدداً دون الإلتفات إلى الماضي. القصيدة تقترح مكاناً ومشهداً حيث الفروقات بين الأنا والـ هو، والهو والـ هي، والمُدْرَك والمُدْرِك، والذاتي والموضوعي كلها تزول.



كتابة ريتش خالية من أية بهجة. إنها وليدة قلق وهواجس حيث لا شيء يستحق الإحتفاء به. ثمة معاناة لديها تقودها إلى معاناة أكبر في عدم تخيل القدرة على دفع البلاء، لكأنما القيمة تكمن في المعاناة نفسها. وعلى القارئ معرفة أنه ما من إمكانية لتخيل عالم من دون ضحايا، عالم لا تكون فيه الذات مرؤوسة ومُستَغلة، وإنه ليتوقف على الشعراء في أن يتوهموا بأن الأمل "هناك" تماماً مثلما هو اليأس.



تجربة ريتش أكثر ما تأثرت بتجربة الشاعرة "إميلي ديكنسون". وفي هذا الصدد تقول ريتش: "أن تجربة ديكنسون الذاتية والسيكولوجية الكثيفة، لا يمكن فصلها عن ما هو كوني". وقد تقاطعت تجربة الشاعرتين في مواقف وسمات عديدة منها: نظرتهما إلى مفاهيم الذكر في كونها متعدية على إمكانيات الأنثى، وأيضاً تجييرهما الولاء للطبع الشاعري الأنثوي، حيث أن الطبيعة لا تخضع للمنطق، والنبوغ أكان في مجال الفن أوغيره لا يمكن تصوره على أنه طاقة ذكورية وحسب، وكذلك إحتفاؤهما بمنطق التبادل لدى الأنثى لا بمنطق التراتبية لدى الذكر.


ولعل السبب الأساسي في ولع ريتش بديكنسون هو وعي هذه الأخيرة لضرورة استنطاق التجربة، ومقاومة الصمت، ووعيها لما في اللغة والشعر من طاقات تساعد الإنسان على البقاء والصمود بعيدأ عن تبني الحلول الإنهزامية أو سلوكيات تدمير الذات كما في حالة الشاعرتين "سيلفيا بلاث" و "آن سيكستون" على سبيل المثال. من ذاك الموقع الهامشي الذي أُجبرتْ فيه ديكنسون على التقوقع في مجتمع أبوي بإمتياز لتحيا بين عالمين؛ عالم خارجي لا يبان له سوى المقبول من سمات شخصيتها، وعالم داخلي تشرع فيه الذات المبدعة والخلاقة كل رؤاها، وفي غرفة صغيرة منعزلة، كانت ديكنسون قادرة على تحدي الذات والآخر تاركة خلفها ما لا يقل عن 1700 قصيدة. ولعل هذا ما جعل من ديكنسون مثالاً يُحتذى لدى الناشطات في الحركة النسوية وعلى رأسهن أدريان ريتش.





هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)