عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2011, 08:56 PM
المشاركة 5
رقية صالح
أديبـة وكاتبـة سوريــة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي






الغوص في الحطام – 1973



مجموعة تشفّ عن بغض وكراهية عنيفة للرجل. لقد أضحت ريتش شخصية فاعلة في تيار ثقافي متمثل بالحركة النسوية، ولعل هذه المجموعة جاءت لتتماهى مع ما وصلت إليه تجربتها الإنسانية بحيث تجلت فيها أفكارها بشكل حاسم وواضح. تقول له: "أكرهك.../ الحب الوحيد الحقيقي الذي انتابني/ كان نحو الأطفال ونساء أخريات"من قصيدة "فينومينولوجيا الغضب".


قصائدها هنا صارخة بالغضب وبالمفاهيم النسوية المناوئة للطاقة الذكورية الكابحة، القامعة، التي يقود بها الرجل عالميْ الحرب والجريمة، والتي لا مناص للمرأة للنجاة منها إلا بالجنون أو الإنتحار أو الموت. في قصيدة "الغريبة" نجد أن الشاعرة التي هي أسيرة اللغة تغدو لكأنها خلاصة مزيج الجنسين الذكري والأنثوي وتعلن: "أنا الأندروجين/ أنا الفكر الحي الذي عجزت عن وصفه/ في لغتكَ الميتة/ ومثل حورية ماء وغُرنق ماء، نلتف بصمت حول حطام السفينة/ ونغوص داخل الهيكل". لقد انتُقدت أشعار هذه المجموعة بشدة لما تضمنته من توصيفات قاسية للرجال دون استثناء. فهم جميعاً في نظر ريتش طفيليون، ومُهَدَدون عاطفياً من قبل المرأة، لا بل متوحشون ولا فرق فيهم ما بين شرطي ومغتصب، فالجميع لا يستحقون الشفقة.


وفي قصيدة بعنوان "إغتصاب" نرى ريتش تنسب إلى كل الرجال صفة المغتصب السادي، متخليةً في خطابها معه عن إمكانية التحاور الذكي العقلاني لمصلحة اللغة التصادمية العدوانية والدعائية. وثمة من قال أن ريتش في لجوئها إلى أسلوب تشويه صورة الرجل، إنما تورط نفسها في المأزق ذاته الذي تشكو منه، لا بل أن العديد من النقاد وجدوا في هذا التطرف ما يجعل النظرة إلى مستقبل المرأة قاتمة، إذ أنها لا تخرج من متاهة إلاّ لتدخل في أخرى، الغضب فيها هو السيد، ولا عجب إذن من الإعتقاد بوجوب إحراق المدينة من أجل إنقاذها!


لا شك في أن ريتش هي شاعرة راديكالية، ذات رؤى محرضة وصادقة، ولكن ما يُؤخذ عليها هو اعتماد أشعارها الدائم على فكرة وجود عدو، واحتكامها لإنفعالها العاطفي في مسألة مواجهتها للرجل، ما يجعل مواقفها المتحيزة وليدة العصبية والغضب. من ناحية أخرى، وعلى رغم كل الجدل الذي أثارته هذه المجموعة، فإن ريتش حازت عنها (إلى جانب الشاعرتين أودري لورد وآليس واكر) الجائزة الوطنية للكتاب لعام 1974، إلا أنها رفضت قبولها بوصفها جائزة شخصية، وأعلنت عن قبولها بإسم كل النساء اللواتي كُتمتْ أصواتهن، وقامت بالتبرع بقيمتها المادية إلى إحدى الجمعيات النسائية الخيرية.


وكان من النقاد من أثنى على ريتش لقدرتها على مزج السياسي بالشعري من دون أن تنحدر بقصيدتها إلى مستوى الخطاب الواقعي المباشر. ومما قالته أيضاً الناقدة "أريكا جونغ" بخصوص هذه المجموعة: "من الواضح أنه في الشخصية الأندروجينية التي ترسمها ريتش، ثمة محاولة لخلق أساطير وتعريفات جديدة للمجتمع الإنساني لا تعمد إلى تعميق فجوة الخلاف، بل إلى معالجتها وردمها".




الحلم بلغة مشتركة – 1978


هي مجموعة تطالعنا فيها ريتش كشاعرة رؤيا، وتشير إلى أن اللغة ليست كلمات وشعر فحسب، إنما هي تتضمن أيضاً كل أشكال التواصل بما فيها الملامسة الجسدية والصمت، إنها تتضمن القابلية على الإنتماء إلى العالم عبر الرموز.

تستكشف ريتش في هذه المجموعة كل تجليات علاقة المرأة بالمرأة، حيث طاقة الحب التي كانت مهملة في كتبها الأولى، نجدها هنا تقودها إلى التصميم على الثقة بالآخر، وإلى الإنتقال من موقع الضحية إلى موقع الخيار والمسؤولية.





موطنك الأصلي، حياتك – 1986


مجموعة يتسم فيها صوت ريتش بنبرة سياسية واثقة وجذابة، حيث تقوم بتوظيف مقدراتها الخطابية كشاعرة في تحريض جمهور المستمعين وحثهم على مناوءة الظلم الذي يقع على الأقليات من فئات المجتمع الأميركي، بدءاً بالهنود الأميركيين الأصليين، مروراً بالسود الأميركيين واليهود، وانتهاء بفئتيْ اللواطيين والسحاقيات. قصائد هذه المجموعة تزخر بمشاهدات من حياتها الشخصية الحميمة، وهي كامرأة يهودية تطرح فيها بعض الأسئلة المصيرية حول هويتها وحقيقة انتمائها وخياراتها المتاحة وانكساراتها. وكانت ريتش في عملٍ صدر لها سابقاً عام 1983 بعنوان "أصول" قد واجهت للمرة الأولى إرثها اليهودي، وما خلفته الهولوكوست من تأثيرات على حياتها ونتاجها.




نفوذ الزمن - 1988



تستعيد ريتش في هذه المجموعة ذكريات طفولتها المليئة بمزيج من الوحشة والغبطة، القساوة والحنين وتستنج أن: "كل ما نقرأه هو الحياة/ الموت لا مرئي/ ...وحدهم الأحياء يقرورن ما لون الموت "من قصيدة "الذاكرة الحيّة". وتشعر ريتش بأنها ليست إلا زائرة في أرض غريبة عنها، في كون غريب، وتكتب "إذاً لماذا أنا هنا / أحاول قراءة إسمك في هواءٍ غامض؟/ ...حرف ساكن ممحي عن حجر/ عزلة بلا غياب/ مواجهة محظورة/.../ أحاول تعليق هذه الأطياف من المقاطع اللفظية/ نَفَساً بلا صدى، لماذا؟". وتستحضر ريتش أيضاً صدى جروح علاقة ما بين أم وابنتها، وأيضاً حساسيتها تجاه ما يتعرض له السحاقيات كضحيات كراهية واحتقار من قبل مجتمع ذي ثقافة طهورية وقصاصية.





أطلس للعالم الصعب – 1991



مجموعة تطالعنا فيها ريتش حاملة مشاكل العالم على كتفيها. العديد من قصائدها تتجاوز حدود المشاكل النسوية لتنخرط في أمور أعمق منها على سبيل المثال كيفية تضافرعوامل التاريخ والثقافة والأفراد في خلق وفرض أفعال مؤذية وذميمة ضد الأبرياء والفئات الإجتماعية المحرومة من الحقوق والإمتيازات. تتسع خارطة موضوعاتها لتشمل ضحايا المعتقلات، الفقر، حرب الخليج، نساء مضطهدات من قبل أزواجهن.. وتبدو فئة اللواطيين والسحاقيات كأنها رمز لتلك الأقليات التي يتملكها الرعب في جو مليء بالظلم والإحتقار.


وتقول ريتش: "أميركا هي مقبرة الفقراء الذين يموتون من أجل الديمقراطية". ومما قاله الناقد "ديك آلن" في مجموعتها هذه: "إنها حقاً لأطلس صغير، ولكنها تنطوي على شعر ناضج لشاعرة تدرك مواطن قدرتها وتكتب بشغف مازجة ما هو شخصي بما هو كوني على غرار المبدعين الأصيلين. لسوف يُقرأ نتاجها ويخضع للدرس لقرون عديدة قادمة".







هذي دمشقُ وهذي الكأسُ والرّاحُ
إنّي أحبُّ... وبعـضُ الحبِّ ذبّاحُ
أنا الدمشقيُّ لو شرحتمُ جسدي .. لسالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ
ولو فتحتُم شراييني بمديتكم .. سمعتمُ في دمي أصواتَ من راحوا
زراعةُ القلبِ تشفي بعضَ من عشقوا .. وما لقلبي إذا أحببتُ جرّاحُ
مآذنُ الشّـامِ تبكي إذ تعانقني .. وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ
للياسمينِ حقـوقٌ في منازلنا.. وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتاحُ
طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنا .. فكيفَ أنسى؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ
هذا مكانُ "أبي المعتزِّ".. منتظرٌ ووجهُ "فائزةٍ" حلوٌ ولمّاحُ
هنا جذوري هنا قلبي .. هنا لغـتي فكيفَ أوضحُ؟
هل في العشقِ إيضاحُ؟

- - - - - - - - - - - - - -
(أعشق وطني والمطر)