عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2022, 04:42 AM
المشاركة 5
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: ظِلالُ التّغريبةِ الفلسطينيّةِ
(4)

سيّدة الصّبر أمّ أحمد، بقلبها الذي اتّسع لجميع أبنائها رغم اختلاف طباعهم، سيّدةٌ فلسطينيّةٌ طوَّعت الصّبرَ حتى بات يتعلّمُ منها ويبكي حزناً على ما لا يطيقه، الأمّ الفلسطينيّة، وفي بيدها مسبحةٌ تتنعّمُ بدفء كفّيها تُنافسُ عجين الصّباح المتيّم بهما ووعاء الغسيل المعدنيّ الهرم، أمّ أحمد، أو أمّ أسعد أو أمّ .. سمّها ما شئت، نبعُ العزّة والكبرياء في عائلةٍ غريبةٍ قطنت قريةً لا تعترفُ بالغرباء، تقرأُ في عينيها ملايين الكلمات والصّمتُ يطوّق فمها المشغول يتمتم بالتسبيح وبحمدِ الله وبذكرِ الغائب أو بالدّعاء لمن حضروا.

تقفُ بوجه الظّلمِ سنديانةً أدارت للرّيح ظهرها وانحنت تحمي أعشاش البلابل بكلّ ما آتاها اللهُ من حبٍّ ومن صبرٍ ومن قوّة. تراها توقظ الفجر لكي لا تعطّله الغفوة عن واجب الفلاحة، وتراها تسهرُ الليلَ تتفقّدُ صغارها، والنّومُ يُداهمُها كموجٍ لا يهدأ. أو تديرُ رحى العطاءِ كي تَقشُرَ صدأ المعاناةِ عن قلبِ يتيمٍ كفلتهُ، ومن يكفلها .. ومن يواسيها .. ومن يطمئن قلبها؟

لا تشبهُ النّساء، هي أجملهنّ، ولا تضعُ الكحلَ بجفنيها وليس لجمال عينيها مثيل، لا تعرفُ مساحيق التّجميلِ وخدّها كالأسيل، فالصّخرةُ تصبحُ أجمل تحتَ غزارة المطر المتوحّشِ على مرّ السنين. تبتسمُ ربيعاً وتحزنُ كحزن السّماءِ إذْ يهطُلُ المطر.

أمّ أحمد، الأمّ الفلسطينيّةُ كما يصفها وليد سيف تخبّئُ أحلام العودة في عُبّها وتُخفي مفتاح الدّار قلادةً بلّوريّةً تضيءُ بثوبها. للغائب عندها حصّةٌ مثلُ الحاضرِ، وعلى الحاضر أن يرضى بالقسمة كي ينال شرف الرّضى.

وبين القرية والمخيّم مسافةُ ألف عام، همٌّ يحملُ هموماً وفكرٌ يستدعي الأفكار، ضياعُ الدّار، ثمّ ضياع القرية، ثمّ ضياع الوطن، يتلوه رحيلُ حسن، وولدٌ ربّتهُ برموش العين يقاتلُ في الخندقِ دفاعاً عن عينيها وزيتونِ فلسطين، وصبيٌّ طوّعَ رغيف الخبز اليابس بالماء ليتعلّمَ فكّ لغز الحرفِ كي ينتشلَ العائلة من وحل الحاجة ومن ظلم الجهلة، وبنتٌ أرداها الغزو أرملةً في مقتبلِ العُمر، لم ترَ منها منذ النّكبة إلا رشدي، هذا المسكينُ المصلوبُ إلى مذياعٍ خشبيّ، ينتظرُ موجاتِ أثيرٍ تأتيه تحملُ صوتَ الأمّ المنكوبة المنفيّة عنه.

ماذا صنع الغزاةُ بأرضي، ما هذا الكمّ الهائلُ من الموت بأرضي؟ وطنٌ قُسّم ووطنٌ هُدِّمَ ووطنٌ صارَ حروفاً نكتبها، أمسى الوطنُ مخيّماً والدّيارُ ملاجئ وبستانُ الزّيتون الأخضر كرت مؤنٍ والزّعترُ لاجئ.

لكنّ العزمَ بعينيكِ ينيرُ دروباً للحريّة وينسفُ قراراتِ الأمم المتكالبة ولن تصمت مسبحةٌ في كفّيكِ تسبّحُ باسم الله وتباركُ روح الثّورة والثوّارِ، ودعاءٌ يسكنُ شفتيك لن يهدأ قبل تحرّرنا، نعلمُ ومنكِ تعلّمنا، سنعودُ لتلك الخلّة نعمّرها وسنزرعُ قمحاً ونحصدُ حباً فاللهُ وإن طالَت نكبتنا .. معنا.

"يعني الثّورة ما انتهت"


#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف

موسى المحمود