عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2012, 11:18 AM
المشاركة 801
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الجزء الرابع من الحوار

وبعد أسبوع جاءتني آجاباته التالية

( 14) - أقمت في القاهرة في فترة تجربة صعبة وقسرية وهناك في ساحة ذلك الزمن عشت تجربة حياتية ثقافية وصحية واجتماعية، تعرفت فيها على بعض المثقفين من مصر والعالم العربي، وامتحنت فيها صداقات عديدة جديدة وقديمة وخرجت منها بالكثير من الغنائم مثل رواية "الوسمية" والكثير من الآلام النفسية والصحية. هذه التجربة لم نشهد تجلياتها في إبداعك بشكل مباشر .
فهل لنا أن نعرف شيئاً عن جوانب تلك التجربة ثقافياً واجتماعياً وابداعياً .

• - نعم .. لقد كانت تجربة مهمة في حياتي على كل الأصعدة غير أن اهتمامي بالكتابة عن عالم خاص شديد المرارة كما رأيت .. جعل رواية "الوسمية " تأخذ المكانة الحميمية الأولى وقتها، و بعد ذلك أخذت الأشياء تتوالى كتابياً في هذا البحر .
تجربة " القاهرة " لم أفكر بصورة جادة في الكتابة عنها حالياً .. لم يحن المناخ الملائم لقول كل شيء!..

( 15) - تجربة الزواج والارتباط تتحول مع الزمن إلى شكل من أشكال المؤسسات وقد خضت لهذه التجربة وارتضيت أن تقتحم امرأة تزوجتها، مباهج العزلة والتوحد بالذات والإخلاص لعالم الكتابة .. ماذا أضافت لك تلك التجربة وماذا أخذت منك؟ ولماذا انفصلت عن مؤسسة الزواج وعدت إلى خصوصية عالمك من جديد؟

* - الزواج لم يساعدني على الإبداع والكتابة ولم يأخذني إلى مباهجها، كان لدي تصور بكل شوق وحب وأنسجام في التلاحم مع زوجة أمنحها كل إنسانياتي بإخلاص شديد ومقاسمة حنونة .. ولم يكن بيننا قبلاً علاقة ما، فبعد أن وقعت في تجربة عاطفية شديدة الإنسانية مع فتاة سابقة في " الدمام " فلسطينية عربية – الجنسية .. لم نوفق في الزواج من بعضنا .. بقيت هذه العقدة – إن جاز لي تسميتها – وتم لي التعرف على إنسانة أخرى من ذات الجنسية وبطريقة تقليدية جداً في " القاهرة " ثم تم الزواج الذي استمر مدة ثمان سنوات، ومنها فترة السفر القسري للقاهرة، بسبب لا علاقة له بها.
لم يقم السفر الزواجي في طريقه لقد ازدادت الصحة سوءاً واستمرت حالات عدم الوفاق من الطرفين .. ثم اتفقا بصورة إنسانية على الانفصال .
انفصلنا في حال تراجيدي صعب وكان كل منا في حالة حزن شديد .. ولكن لم يكن هناك حل آخر .. فكان.
الزواج لم يحقق لي صفة إضافية ما نحو الإبداع بل ربما النقيض أحياناً ( وهذا ليس حكماً عاماً وإنما خاصاً ). أنا رجل ولأمانة في داخلي .. مخلص وصادق وعاطفي جداً، لكنني لا استطيع أن أتنازل عن قيم معينة في ذاكرتي، وفي ذات الوقت لا استطيع أن أكون فوق ظروف الواقع وملابساته .. لكنني وبكل معنى الإنسانية والوفاء – والإنقطاع – أيضاً .. أشكر الظرف الذي فصل بيننا ولا أشكر العزلة التي أنا فيها بالرغم من إناسة الكتابة اليوم.

(16) - أنت من أكثر الذين ضحوا بالوظيفة لصالح التفرغ للقراءة والكتابة وقد عانيت مادياً أكثر مما عاناه أشباهك، لكنك إنحزت وبإصرار عجيب لعالم الكتابة وأنجزت لنا هذه السلسلة من النتاجات المميزة . الآن ومنذ عدة سنوات وأنت تمارس عملك التطوعي في المستشفى بحيث يأخذ الكثير من وقتك وجهدك وانشغالك حتى في منزلك، ألا تخشى أن تؤثر هذه المشاغل " كوظيفة "على استمرارية إنتاجك ؟ وكيف ترى العلاقة بين الوظيفة والكتابة ؟
هل ترى أن الوظيفة كممارسة حية قادرة على إغناء التجربة اليومية وبالتالي التحفيز على الكتابة أم العكس ؟

* - بالطبع لا .. ليس للتفرغ للكتابة – بدافع الشخصي – أن يمنحك عوضاً عن الوظيفة بأي حال كان فالكتابة هي إحدى السبل الأولية المؤدية إلى الأكتفاء معيشياً في المرحلة الزمنية الموضوعية، غير أن المعنى الاستراتيجي والفلسفي للمعنى الكتابي والصحي قياساً بواحد مثلي .. ستظل له جواباته الخاصة ولست نادماً ولست مختاراً أيضاً أو سعيداً، لكنني أكتب إبداعاً وأرسم وأعزف أحياناً وأحس بألم الحياة وبهجتها في أحايين محدودة بحيث أنني أحيا وأحس وأعطي .
في حدود الانشغال الذي عادة ما يكون ارتباطاَ بالوظيفة في حياة الكاتب وضمن الظروف المهيأة في إيقاعات حياتنا في الوطن العربي والعالمي أحياناً وعادة ما يكون هذا شبه مناسب إذا ما قورن بغيره من الأعمال نظراً إلى محاولة التقتير في إنفاق الوقت، أرى أن الكتابة لا يمكن أن يسكنها هذا الصنف من العمل فنحن لا نزال نعتبر الكتابة والإبداع عموماً كأنما هو نوع من مزاولة الموهبة على حافة الهواية، وهذا فيه جناية كبيرة على الإبداع ، عندما نقول عن كاتب أو مبدع في مجتمعات أخرى متقدمة .. فإن معنى ذلك أنه يزاوله كعمل له جهده وإنتاجيته وتقديره .. فالكاتب عمله كاتباً وليس موظفاً محدوداً بدفتر للحضور والإنصراف ، والكتابة في المفهوم الاجتماعي والتقدير الرسمي هي من أعلى الإنتاجات احتراماً وتقديراً ومقدرة أيضاً .. ضمن الإبداعات التي تعتمد على الفردية في الانتاج .
بالطبع على نقيض ما يحدث في مجتمعاتنا فليس أمام الكاتب إذا أراد أن يتفرغ بإخلاص، مع الوقت والظروف للكتابة إلا أن يعتبر معيشته في بحر متصارع الأمواج ليس له من عزاء إلا نفسه.
نعم .. أنا صفقت بالباب واخترت الكتابة وكان دافع الظرف الصحي المزمن يومئ بوضوح إلى أن اختياري لا بديل له إلا أن يكون أحلاها .. الاختيار صعب لا شك وأقولها بعيداً عن التنظير.. ولم يكن أمامي غير الكتابة الإبداعية والصحفية المجزأة كعمل للمصدر المعيشي وفي صحافة استهلاكية حيث تكون كلمتك هي ذاتك وموقفك وفكرك.. موازنة صعبة لكن لم يكن أمامي اختيار بعد أن اخترت مقتنعاً بما لدي من واجب ثقافي إبداعي.. أنا لا أصلح لأي عمل تقريباً سوى الكتابة والإبداع وعلي أن أعلن عن مقدار الضريبة التي أقدمها .. لكنني حقيقة لا أصلح لأي شيء آخر حتى ولو قلنا التفرغ فقط لجمع المال أو الحفاظ على تنميته للحصول على ضروريات الحياة التي أصبح كل شيء فيها ضرورياً.. لست بصالح سوى لرغبة في الحياة والكتابة.. أكتب وأنا على سرير المرض ..وأنا مسافر للعلاج.. أقدم أولاً نوع الكتابة الواجبة كعمل ثم أنصرف إلى إبداعي .
العمل الشبه وظيفي في المستشفى.. لم يكن خارج قانون تعاملي الكتابي وهو عمل إنساني توعوي أسهم به عبر تجربة طويلة مع الحالة وإيماناً بما معناه "اسأل مجرب ، " فالمريض المزمن يحتاج إلى عناية شفهية نفسية معنوية.. أظنني أقدم هذا في حدود ما يتاح لي من إمكانيات خدمية ولست مقيداً بدفتر للحضور والانصراف ومن الجميل في الأمر أن مدير مركز الكلى ومدير عام المستشفى متفهمان لحالتي الصحية والكتابية .
قد يكون المناخ الذي أعمل فيه مكاناً صالحاً إلى حد ما لنوع من الكتابة الإبداعية التي طرقتها بحكم التعايش – هنا – وقد لا يكون بسبب مقدار إمكانية الاقتناص، فأنت في داخل القفص وعليه فإن الحالات التي تشاهدها تتحول إلى شبه اعتيادية إلى درجة لا تدفعك أو تحفزك للكتابة .
تعلم أن الكتابة مهما هيئت الظروف .. ليست بصنبور ينز بالكلمات والجمل فلو وزعنا كمية الوقت التي تفيض بحجم المتاح الكتابي لوجدت أنها فائضة إلى حد التخمة .. لكنها هكذا.. الكتابة والتفرغ لها ليس بمعنى أن الكاتب ينام ويصحو على الورق والقلم وإنما هو بمعنى عدم الانشغال بما هو ضد مبدأ وطقوس الكتابة .


(17) - ارتبطت كتابتك بالهم الاجتماعي في مستواه الثقافي والمؤسساتي واليومي وداومت على كتابة زاوية أسبوعية وأحياناً زاويتين في صحفنا المحلية .
ألم تكن تلك الكتابة للصحافة عاملاً يستنزف شحنة الانفعال بحيث تقلل أو تجفف ينابيع الإبداع كما يرى البعض ؟

* - قلت في جواب سابق إن الوظيفة التي طرقت بابها – بعد أن صفقت بالباب واخترت الكتابة – هي الكتابة الوظيفية وأعني.. أنها وظيفة لا تشترط الحضور والانصراف .. فكانت – حسب قدراتي الكتابية في الصحافة التي تعاملك بـ" الزاوية " أو القطعة.
بالطبع.. هذا يجعلك في قلق اسمه " التزام الكتابة " بحيث تقطع أي تسلسل كتابي أو التهيؤ له ذهنياً للقيام بواجب الوظيفة الأسبوعية والتي هي أقرب ما يمكن التلاؤم معه ضمن الظروف المعينة، و بالتالي لا حاجة لذكر حجم الانتزاع والإفراغ .
في السنوات الأولى لم أكن أكثرت بهذا التفصيلة فقد أدخلتها في باب الواجبات الإلزامية – عملياً - وباعتبار أنها ضريبة الإبداع وفي ذات الحال لا تخرج بعيداً عن حقل الكتابة عموماً .. لكنني ما لبثت وبحرفة أن تلمست صعوبة الحفاظ على مقياس افتراضي بين نوعين من أشكال الكتابة.. أحدهما وظيفي ملزم لا علاقة له سوى بفراغ بياضي أسبوعي يحتاج إلى تعبئة بأية صيغة كانت، عليك أن تتوقع ما يطلب بتغييرها أحياناً لمواكبة حدث ما و أحياناً بإلغائها دون إيضاح .. أنت كاتب أسبوعي في صحيفة أو اثنتين .. إذا لا تتفاوض مع قلمك في هذا الشأن.
أظنني لا أتعامل مع حالات الكتابة بترف ولا ببعد ميتافيزقي.. ربما كان لذلك فعلاً طيباً في استثمار الوقت والزمن النفسي، خاصة إذا ما اعتبرنا أن الكتابة السردية ليست كحالات الإبداع الشعري مثلاً، لأنها تحتاج إلى التروي والمعادلة وطول النفس .

(18) - نشرت عدداً كبيراً من قصائدك تحت عنوان " ترنمية " في جريدة اليوم في الأعوام 77 / 78م : يا عبد العزيز : أين الشاعر الذي كان يمكن له أن يصبح من أبرز فرسان كتاب قصيدة النثر الجديدة لدينا ؟
وكيف أقصيت تلك الطاقة الشعرية والوجدانية العاشقة للمرأة جسداً وروحاً ؟

* - كثيراً ما يقع المبدع في الكتابة لعدد من الأسفار حسبما تجرفه رياح التعدد التعبيري، فتارة يرى في قدراته الشاعر ومرة القصة وأخرى المسرح وهكذا .. ثم يجد أنه كان غائباً عن مرفأ ما يستطيع أن يضع فيه عناء رحاله ويتزود بمعرفة حِرَفية – إذا جاز التعبير – للسفر من جديد .. تلوح له منارات مغايرة على الشاطئ كالمنار .. يعني محطة إبداعية لجنس إبداعي لكنه لا يرى أنها محطته التي يرتاح فيها وينطلق منها في أسفاره .. أنني استنفذت وقتاً – وقبل إصدار مجموعتي القصصة الأولى - داخل فناء ملون من الشعر المنثور والذي يتخذ أحياناً نوعاً من الاتفاق مع التفعيلة أو القافية كما يجرى به السرد لكنها – تلك المرحلة – كانت قادرة على التعبير عن حالات معينة من الوجدان أو الاحتجاج أو عدم المصالحة مع الذات، حيث لا يصلح في " فلاشاتها " غير الشعر.. العبارة الأدبية ونحت المفردة كانتا حليفتاي وانقدت معهما فكتبت عدداً من " الترنيمات " – كما اسميتها – نشرت بعضها في جريدة " اليوم " آنذاك وكنت مشرفاً بملحقها الثقافي .. ثم بدافع الوله الشعري المزعوم تجمعت في ديوان من الترنيمات بعنوان " توسلات في زمن الجفاف " . ضاعت حماسة الشعر أو حولت إلى متابعات القراءة وعادت الحمى إلى الافتتان بالقصة إلى أن أدخلتني سبى الرواية التي لا يمكن أبداً أن يقوم في منابها شعر ولا تشكيل، ولو أن تلويحات من الإشارات الفنارية البعيدة ترفع نارها .. لكنني أراضيها أحياناً كحب قديم في سياق الكتابة الإبداعية – دون حشو – ببعض أزاهير الحلم أو الاستفاقة الطفولية المدهشة .

(19) - دعني انتصر لمجموعتك القصصية الأولى " موت على الماء "، ولعلني أفسر ذلك بمعايشتي لزمن كتابتها وكتابتي لمقدمة نقدية لها أو بأشياء أخرى .
وأرى أنك قسوت عليها كثيراً وأعتقد أن لغتها الشعرية المتشحة بالمجاز الغامض ليست عيباً في حد ذاتها وإنما القصور قد يكون كامناً في حداثة الوعي والمعرفة وعمق التجربة لدى الكاتب، ولسوف نستدعي إلى الحديث " مليحة الغنم " والحماطة .. واللوز .. وسواها أليست عوالم القرية كامنة هناك ومصاغة بلغة شعرية طقسية لم تكن تجربة الكاتب كافية آنذاك للتعبير عنها ؟

* - مجموعة " موت على الماء " القصصية الأولى .. كانت – وبحق – نتاجاً لما قدمته في أولها من تقديم ولعلني كنت على نقيض ما تفضلت بكتابته في مقدمتها .. أعني – وقتها – لكنني اليوم بوعي أحترم ما كتبته أنت - دون وعي عقلان، معرفة مني تجاهها .
لكنك مع احترامي لـ" أستاذيتك " السابقة لإداركيتي .. وجدت اليوم .. أنها جد معقولة .. وقد تنبه الأستاذ الناقد " حسين حمودة في – مصر – إلى أن لدي نوازع كتابية دفينة نحو القرية وعالمها وقد نشر ذلك في مجلة " الدوحة " .
لقد استفدت كثيراً من هذا الرجل الجميل في مسألة جذب النظر إلى عالم القرية .. العالم الخاص برغم انقطاعي الطويل عن ملاحظاته المقدرة المحترمة . ولعلي برغم تجاوز الوعي .. لم أره ولم أقابله .. لكنني للأمانة .. أشكر فضله الفعال في كتاباتي الروائية الأولى .
لكنني .. لا أنسى أبداً وقوفك ومزاملتك وتزويدك بالكتب المفقودة محلياً وبإنسانيتك العظيمة وقتها صحفياً وثقافياً وإبداعياً .. بالرغم من صلابتك أحياناً، يا معلمي الشاعر " علي الدميني" ! الصديق الجميل بالرغم من قريتي الصلبة وجفاف تعاملي معك، ومع أستاذنا " محمد العلي " و" جبير المليحان " أحياناً .
إن جريدة " اليوم " بجماعتها الكتاب .. كانوا أساس توجهي نحو سبيل الكتابة .. برغم معاندتي وإصراري الصخري الكتابي . وأيضاً – بصدق – تجاه الأستاذ "محمد الصويغ " الذي شجع كثيراً من لوحاتي التشكيلية الأولى وصرعني مراراً تجاه كتاباتي الصحفية والفنية وذلك لحرصه الشديد فقط على جريدة " اليوم " بـ" الدمام " التي كان يرأس تحريرها آنذاك .
أذكر أنك يا " علي الدميني " كنت أول مرافق لي لأول سفرة خارج " المملكة " 77 / 1978م – إلى مصر وكان الأستاذ الناقد " سامي خشبة " مترجم جزءاً من مؤلفات " كولن ويلسون " الفيلسوف البريطاني .. حين أختار قصيدة منك وقصة قصيرة مني بعنوان " الغنم .. مليحة .. وموت الحماطة " ونشره في الملحق الثقافي بجريدة " الجمهورية " بـ" مصر "! . لا أعرف بالتحديد .. أي عام لكنه كان في سنة ترجمته لـ" الإنسان " وقواه الخفية " لذات الفيلسوف الانجليزي وقت زيارتنا له بـ" القاهرة " ذات عام فلعل هذه المناخات والصداقات والقراءات أثرت في كتابتي لمجموعة " موت على الماء " ولكنني ما لبثت أن خرجت منها إلى ذاتي وعالمي الذي أحسه بحنان شديد لأكتب منه بساطة وعمق ما أتحسسه منه وذلك في كل مجموعاتي ورواياتي التي تلتها.

(20) – استطراداً للحديث عن " موت على الماء " : حين نتحدث عن مستويات اللغة في كتاباتك يرصد البعض انتقالك من تجربة " موت على الماء " من لغة تجريدية طقسية ذات تكثيف ونبر شعري عال ومجاز موغل في انزياحة إلى لغة مغايرة ذات جمالية تأملية ساخرة في مجموعاتك الأخرى خاصة "أسفار السروي" و" الزهور تتثائب في النافذة" ثم إلى اللغة البسيطة السيالة في بعض رواياتك ( الوسمية مثلاً ) والتي تتعامل مع اللغة كوسيط ناقل بمعزل عن جمالياته.
ويرون إنك لو حافظت على جمالية " شعرية " موت على الماء وتأملية وحكمة ما بعدها لكان لنصوصك الروائية ثراء إضافياً هاما فما رأيك في هذا التحليل ؟

* - أرى أن الإنسان عموماً وليس الكاتب المبدع وحده .. هو نتيجة تجربة كتابية وإنسانية أولاً تصل إلى الحد الذي وصل إليه .. أنا كتبت في مرحلة ( أعتقد أنها ثائرة الدم والعصب والفن ) .. مجموعتي الأولى " موت على الماء " ..النقاد أعتبروني ضدها لغة وفكراً بحكم اليوم .. لا مشكلة!.. أنا اليوم ( نهاية القرن ) وبحكم التطور المرحلي ( في العمر والتجربة ) .. لا يمكنني أن أكتب لذات اللغة والنحت المفردي الخاص في مجموعة " موت على الماء " .. مع أن الموت لا يزال قائماً .. لكنني أدركت - بعد غياب سبع سنوات – من هذا الإصدار .. أنني أكتب لفئة خاصة وفي اللغة تحديداً .. مما جعلني أعيد النظر في هذه المسألة .. فكتبت " الوسمية "و " أسفار السروي ".
بعد سبع سنوات من الانقطاع رأيت أن على الكاتب أو المبدع الفني .. أن يخاطب واقعه وليس العالم المتفوق من أجل مواكبة المدارس الفنية .. نحن نعيش في واقع متخلف جداً .. ثم أن واقعه لا يفهم من لا يخاطبه .. لقد آمنت بأن اللغة هي الوسيلة التعبيرية الوحيدة ضمن الظرف المتاح القادر على الوصول إلى أكبر قاعدة من المجتمع، وبعد كثير من الأسئلة مع الذات الإبداعية .. رأيـت أن تكون لغتي في رواية " الوسمية " لغة معيشية يومية مهما بلغت درجة تنازلها – قياساً بـ " موت على الماء " .. رأيت أن التي تقف بيننا ككتاب مبدعين وبين العالم الذي نتوجه إليه .. هي " اللغــة " وسيــلة المخـاطبـة التعبيرية .. إذاً لماذا نقحمهم في التجارب اللغوية وتحديداً " التجريبية " التي قد تكون مسرحاً .. لكنني أتحدث عن اللغة.
رأيت بصورة واقعية .. أن المجتمع لا يمكن أن يفخر بدعوى اللغة فقط وإنما لأسباب مهـمة أولها لغة التخاطب – الممكن – لغة الكتابة – ولا أقول المايكروفون أو المنبر أو غيره من الوسائل المتاحة والمحددة لتطويع الشكل التقليدي المكرر .
ونحن قوم متخلفون حقيقة .. تقليدية مسايرة لما يملى عليها – بصرف النظر عن الوسيلة – أنا لا أعتقد بأن الإنسان في أي مجتمع كان .. هو محصلة تلقائية بليدة لما يملى عليه وفي ذات الظرف ليس خارج ملابسات ظروفه – لذا كان علي بحكم هذا المفهوم .. أن أتوجه إليه بلغة قادرة على الوصول .. قد يكون في هذا تنازل عن قيمتي الفنية اللغوية .. لكنني واقعياً لا استطيع أن أقفز خارج أسوار المجتمع في حدود التوازن بين الفنية المعاصرة والخاصة وبين الواقع .. إنه لأمر صعب جداً، لكنني حاولت وربما نجحت قصصياً وروائياً .. قصص مجموعة " أحوال الديار " كانت من أهم ما صغته في حياتي القصصية للمجتمع القروي.. لم ينتبه بعض النقاد إليها فالنقاد وبعضهم يقرأ النتاجات الإبداعية الكتابية حسب منظـوراتهـم وأكاديمياتهم .. ولكننا في التاريخ ( ككتاب ) أقوى الجميع!

- اعتقد أن أحد أسباب عدم الالتفات إلى تلك التجربة الكتابية المتميزة في " أحوال الديار " وما تلاها مثل رواية " في عشق حتى " مثلاً كان بسبب كتابك الدقيق والعميق " مكاشفات السيف والوردة " لأن هذا الكتاب فجر الكثير من القضايا الفنية والتأملية والنقدية أيضاً، حيث كشف هذا الكتاب لعبة الكتابة وإستراتيجيتها لديك فانشغل النقاد به عما سواه !
" * افلح إلمح لك ضيعه " .. هذا كلام لا ينبغي أن يكون .. المكاشفات عمارة تطل على داخلي ككاتب وليست عملاً سردياً وإذا كان هذا الاستنتاج صحيحاً – وأرجو ألا يكون كذلك – فإنه أمر غريب منك ومن نقادك هؤلاء !!