عرض مشاركة واحدة
قديم 05-23-2016, 07:55 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي

لوحة الغلاف لرواية " البشر الأولى " لجبرا إبراهيم جبرا:

السيرة الذاتية، في الثقافة العربية المعاصرة، من اقل ما يتصدى له الكتاب. واذا كتبوها فانهم قل ما يتناولون سنوات الطفولة بالكثير من التصوير والاسترسال. غير ان هذا بالضبط ما يفعله جبرا في كتابه هذا، مما يجعله عملا نادرا ومتميزا في العربية عن حق.
البئر الأولى هي بئر الطفولة. انها تلك البئر التي تجمعت فيها أولى التجارب والرؤى، والاصوات، أولى الافراح والاحزان والاشواق والمخاوف التي تنهمر على الطفل، فاخذ ادراكه يتزايد ووعيه يتصاعد لما يمر به كل يوم، ويعانيه بعذاب او يتلذذ به.
يتابع المؤلف طفولته منذ وعيه الأول في سن الخامسة حتى يكمل السنة الثانية عشرة من عمره، ويستمر باستقصاء هذه الكينونة التي تنامى مع الأيام وعيا ومعرفة وعاطفة، وهي تحيا براءتها وتتشبث بها، بينما البراءة تزايلها.
وهذه الكينونة انما هي جزء من محيطها: انها بعض بيوت تلك البلدة الفلسطينية الصغيرة ((بيت لحم)) في العشرينيات من القرن الماضي، وقد بدأت تستيقظ تاريخيا مرة أخرى بعد السبات العثماني الطويل، وهي بعض تلك الأشجار والوديان والتلال، بعض الشموس والامطار والوجوه والاصوات التي بها تحيا، وبها تكتشف القيم والجمال والفرح والبؤس جميعا.
ان كتابا بهذا الأسلوب النابض، الذي يكاد يملك على القارئ نفسه من اول سطر فيه، ما كان ليكتبه الا رجل كجبرا إبراهيم جبرا، قضى أكثر من أربعين سنة من حياته في استقصاء معنى تجربة الانسان عن طريق القصة والرواية والنقد والشعر والرسم، وذلك ما يتجلى في صفحات هذه البئر الأولى باروع صوره.