الموضوع: عروس الميدان
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
4

المشاهدات
2917
 
محمد غالمي
كاتب وقاص مغربي

محمد غالمي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
91

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Dec 2005

الاقامة

رقم العضوية
734
08-16-2012, 01:57 AM
المشاركة 1
08-16-2012, 01:57 AM
المشاركة 1
افتراضي عروس الميدان
خنق أنفاسها هواء ظل على الدوام محملا بأنفاس الضيم والغلبة ولهيب الاستئساد. أمسى الجسد مثخنا بالندوب والقروح.. عقود من أسر مديد تحت رحمة وصي فظ عتيد. داخل أسوار طوقت خصرها أحزمة من عقارب وثعابين، وربض في أعاليها ورثة "زرقاء اليمامة" من نسور وبوم وصقور.. كائنات هجينة أعدت لاقتفاء الخطى ووخز الألسنة، وجس مكنون الأنفاس..
وإذ هبت رياح أخر داعبت أجفانها الطيور ترتع غادية رائحة في عرض الفضاء.. استطاب مسمعها أسرار تغريدها، وفي ذات الحين رثت لحال لسانها المخنوق. تحركت في ذاتها نوازع الرغبة في استنشاق هواء لزج، مترع بأنفاس الدعة والحياة في أجل صورها. أفاق في جوفها بركان، وعلى حين غرة وجدت ذاتها في خضم ضاق، على رحابته، من تلاحم الأجساد.. وانبرت تشدو شدو عصفورة حيرى، تترقب إطلالة طائر اليمن وفارس الحلم. وحال فائز، في هذا الميدان الرحيب، كحال فنن ضائع في روضة من أشجار الزيتون المنتفضة عن بكرة أبيها.. لم تنفصم حبال الأمل لديها.. ما فتئت تشرئب بجيدها يمنة ويسرة.. تمشي الخيلاء زهوا بفستان ليلة عمرها، وفي خضم عرس لا يشبه الأعراس. لكن فائزا ما أجهض الوعد ولا ضل الطريق أو مزق العهد الصادق. طار إليها شوقا وغيرة، وفي عز ليالي اللهب والحريق. طائر جادت به السماء لينتشل الذات من قبضة وصي سجان، ليضمد جروح الجسد والفؤاد من سوط النيران. وبغتة حط يمتشق العزم.. على كرسي الزفة وقفا وقفة طاووس يعرض حلته القشيبة زهوا.. علت الزغاريد ورجع صداها فضاء الميدان الفسيح.. نجاة وفائز يلوحان فرحين باشين، كلاهما يمني النفس ـ وسط هذا الموج البشري الدافق من حولهما ـ بأن يرى النمرود يهوي على أم عينيه، وقلعة بغيه تتداعى أمام ناظريه، فيمسي العيد عيدين..
جعلت طلقات الرصاص تندلق خلسة من سطوح الدور وقمم العمارات. الشهب والكواكب من حولهما تهوي، وأفنان الزيتون تتكسر وتحترق.. سحب فائز كفه من راحة نجاة، وتقدم إلى الأمام خطوات.. رفع رأسه يستطلع مصادر الطلقات.. تفاجأ من لفيف أفراس وجمال تغزو الميدان في جموح.. تساءلت ضاحكة من ثقل الهم.. حرب البسوس؟! داحس والغبراء؟! فلتكن أيها الدهر الساخر. وفي طرفة عين وقع ما لم يكن في الحسبان.. لجمت ضحكتها، وانفجرت أنفاسها تحدث في اندهاش.. يا للفجيعة!ويا للميتة المنكرة!.. هي حقا تعرف بأن فائز ولج الميدان والموت في طي راحته، لكن ما توهمت أن يباغته جمل هائج، و يطأه بمنسمه..
وتدفقت من الأفواه سيول الحمم تدعو على نمرود زمانه بالويل والثبور. ولئن أفلت شمس الغروب في الآفاق الدامية، فما أفل بريق فائز ولا خبا سنا مقلتيه. جثت على ركبتيها عند الجسد المسجى، وجعلت ترنو إليه وتتملى كأنما تستمتع بجمالية اللوحة المنبطحة.. ازداد وجهه توهجا، وارتسمت حوله هالة، نسيجها الزاهي يحكي عن فورة التحدي، والبقاء على الوعد الصادق الأزلي.. لم تتمالك نفسها فأطلقت لعقيرتها العنان تهزج.. يا لعزة اليوم المجيد! ويا لطلعة العيد السعيد!
محمد غالمي