عرض مشاركة واحدة
قديم 05-30-2012, 02:51 PM
المشاركة 728
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
قراءة في رواية ( صغير ) للكاتب التونسي فرج الحوار

"
أقربهم الى الأرض أكثرهم شرا " تذكرت هذا المثل القديم و المعبرو أنا أقرأ ( صغير ) احدى روايات الكاتب التونسي فرج الحوار هذا الكاتب المتمكن منلغة بودلار بقدر تمكنه من لغة المعري و الجاحظ .
فبعد ( عنتر ) و بعد ( هكذاتحدث سان أنطونيو ) و بعد ( مخلوق المياه العميقة ) وهي روايات بالفرنسية أصدر فرجالحوار ( صغير ) و هو صغير في حجمه و كبير في تصرفاته و أفعاله . بطل هذه الروايةلا يتجاوز طوله الخمسة سنتمترات فوق المتر . فقد أمه "منوبية" وهو في أشد الحاجةاليها . و أحب " جنان " حبا جنونيا و أقسم أن لا يحب سواها رغم اغراءات "شهرزاد " الملكة الأسطورية . و " نرجس" الممرضة العزباء . و " ابتسام " الحسناء زوجة ساعيالبريد .
هو في الواقع مزدوج الشخصية . محب للجميع حينا و حاقد ناقم في أغلبالأحيان . قصر قامته كان السبب الرئيسي في كل اضطراباته و تصرفاته التي أنهاهابجريمة قتل ذهب ضحيتها " سي التيجاني " عطار الحي المركانتي .
الرواية في خمسةفصول . و الكاتب وضع عناوينا جد معبرة لهذه الفصول . فجاءت على النحو التالي :
(
في البدء يتكون الحلم ) و يتدرج بالحلم الى الواقع المتقلب حيث ( كل شيء يشبهقليلا الشذوذ الغريب في دنيا الأضواء ) في الفصل الثالث يؤكد الكاتب بأنه لا يوجدبين الوهم و الحقيقة مانع أو خندق أو حتى فصال بسيط . كما يؤكد في الفصل الرابعبأنه لا يوجد دخان بدون نار . و في الفصل الخامس يحيلنا الى النهاية حيث تتشكلالرواية .
لقد تعمد فرج الحوار هذا التقسيم حتى يؤكد تورطه في استغلال التراثالعربي و الاستنجاد ببعض الشخصيات الأسطورية و جعلها تتفاعل مع العصر الحاضر بكلطقوسه حيث حضر زوجها الملك في صورة شرطي المرور بحزامه الجلدي العريض و قد تدلت منههراوة بيضاء يخافها المارون و الواقفون على الرصيف و كذلك العابرون من الرصيف الىالرصيف . و في اللحظة ذاتها يحضر البساط الطائر و التنين الذي يبصق النار و منهجاءت فكرة الثعابين التي تبصق النار و التي وردت في كل فصول الرواية و يقصد بهاالمسدس الذي لا يقدر عليه الا أصحاب السلطة و الجاه .
لقد جعل الكاتب من صغيرهبطلا أسطوريا و بعد أن كان كل البشر يحتقرونه و يشككون في رجولته و حتى في انسانيتهصار يهابه كل الناس و يقرؤون له ألف حساب . حتى عطار الحي " سي التيجاني " أصبحيخشاه و يخاف بطش ثعبانه الصغير الذي بات لا يفارق جيبه . و قد كانت نهايته علىيديه ذات قيلولة أحد أيام الصيف .
و لعل الكاتب أراد أن يشير الى أن الغلبة فيهذا الزمن الرديء صارت للأقوى . و القوة لا تكمن في الجسد أو الفكر أو المال و انمافي السلاح الذي تملكه .
و قبل أن أختم هذه القراءة البانورامية لهذه الرواية لابد أن أشير الى أن " فرج الحوار " هو شاعر بالأساس و قد أهدى " صغيره " الى أمه حيثقال :
اليها
الى التي علمتني أن الليل الأكثرظلمة
ما هو سوى وهم ...
أو خدعة تخفي خوفنا الحقيقي من الشمس ...
الى أمالزين
أمي التي تعلمني بصبرها ...
بمثابرتها و اصرارها
أسرار الحسنالأزلي ...
وفية لمقتضيات هذا الاسم الذي يجسدها تماما ...
اليك يا أمي
أهدي هذه الباقة من العرفان بالجميل ...
و أطمح لرؤية شروق الشمس أخيرا ...
و سوف تشرق الشمس يا أم الزين
سوف تشرق ...
و أعدك بذلك ...
هكذا ينهي هذا الاهداء المليء بالأحاسيس الصادقة و هو واثق من أنالنور سيظهر و أن الخير سينتصر و أن السلام سيعم العالم ...كل العالم