الموضوع: رجل الظل
عرض مشاركة واحدة
قديم 11-23-2011, 10:42 AM
المشاركة 19
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
قرءاه نقدية مغايرة ومعمقة لقصة " رجل الظل" لكاتبها القاص مبارك الحمود ومحاولة لفكفكة الغموض في القصة واستخراج عناصر الجمال والتأثير فيها:-

ننتقل للحديث عن الفقرة الأولى من قصة "رجل الظل" والتي يسردها لنا القاص مبارك الحمود على لسان المتكلم، وهو أسلوب بالغ التأثير، حيث أن الراوي يبدو عليم بما يقوله، فهو يروى لنا قصته هو مع ظله، وليس مشاهدا من خارج الحدث مما يجعل السرد أكثر مصداقية.


رجل الظل

أنا رجل يخاف ظله, ويكره النور, يكره النور ويحاول قدر استطاعته تجنبه, فأنا أخشى أن يعرف أحدهم ذلك, رجل ظله حصان.. ذلك هو أنا, الوحيد الذي لا يشبهه ظله.. دائما ما أفكر حين حضور وليمة: (ماذا لو أقف الآن في وسط هذا المجلس, فنظر أحدهم للجدار الذي سيقف على طرفه ظلي, ماذا ستكون ردة الفعل(؟..

كنت كل يوم أستيقظ فيه أنظر أولا له, متمنيا أن يعود ظلي لطبيعته, متمنيا لو كان ظلا لفأره, أو ظلا لدودة, صغير الحجم, لا يلاحظه أحد, أو حتى لو كنت بلا ظل.

ويبحر المتلقي في متن القصة، يبحث عن إجابات لكل تلك الأسئلة التي أثارها العنوان في ذهنه من حيث طبيعة، وماهية هذا الرجل؟ وما هي العلاقة بين ذلك الرجل والظل؟.. وما إلى ذلك من أسئلة، وفضول تشكل في ذهن المتلقي منذ اللحظة الأولى لمطالعة العنوان بالغ التأثير، كونه يشتمل على تضاد وهو ما يشير أن الصراع هو محور القصة؟ وعنصر الجذب الأهم فيها.

ونجد أن القاص ينطلق في نصه بتكثيف شديد، ولا يترك مجال للحشو، أو الزيادة، أو الإطناب، فهو يحشد في السطر الأول من هذه الفقرة (المكون من 16 كلمة) ، أربعة كلمات تحمل في ثناياها الكثير مما يستنفر المشاعر، ويحرك مشاعر المتلقي ويستفزها، وهي كلمات ( يخاف، يكره+ يكره+ اخشى)، وبذلك يكون الكاتب قد نجح في وضع المتلقي في جو النص الذي يبدو أنه أراده مشحون بالمشاعر من بدايته مثل الخوف، والكره، والخشية.

وهو يُسخر من جديد، ومن مطلع القصة، أكثر الأساليب تأثيرا على ذهن المتلقي، وهو تسخير التضاد من خلال حديثه عن (الرجل وظله ) من ناحية (والظل والنور) من ناحية أخرى. ويبرز من خلال ذلك أيضا أن الحدث يدور حول صراع رهيب يدور في نفس بطل القصة، فكيف له أن يخاف من الضوء! ويؤدي ذلك إلى فضول إضافي لدى المتلقي، فيندفع ليعرف سبب خوف الراوي من ظله؟! وسبب كرهه وخشيته للنور؟! ولماذا يحاول الراوي تجنب ظله؟!

ونجد أن القاص يلجأ لتسخير الألوان بحديثه عن النور، والظلمة، والظل، فيبدو وكأنه يرسم لوحة فنية.
كما انه يسخر الأرقام من بداية القصة ( أنا الوحيد) ودائما للأرقام وقع خاص على ذهن المتلقي كونها لغة كوديه ولغة الكون، وكلمة وحيد توحي بالوحدة والعزلة، وتساهم في استدرار تعاطف المتلقي مع البطل.

وباستخدامه كلمة ( دائما ما أفكر ) يستفز القاص ذهن المتلقي، ويدفعه للتفكير مع الراوي في حالة الصراع تلك، التي اخذ يرسمها ويصورها لنا بينه وبين ظله، وذلك الصراع النفسي الذي يدور في ذات الراوي على ما يبدو...مما جعله يكره ويخشى ويخاف، وفي ذلك استدراج للمتلقي وتوريط إضافي له بالحدث من خلال دفعه للتفاعل والتعاطف مع بطل القصة، وهو الشخصية الرئيسة في القصة protagonist، والذي يبدو أن القاص قد نجح ومن البداية في جعله حيا، وكأنه يعيش بيننا، فنبدأ في التعاطف معه كونه في ورطة ليس مثلها ورطة، فكيف يكون لرجل ظل حصان؟

ولكننا نجد أن القاص يرسم نقيض البطل the antagonist ، ببراعة أيضا، وهو هنا الظل ويشخصنه، ويجعله وكأنه شخصية حية أيضا موازية في قوتها، مما يزيد من حدة الصراع الدائر بين البطل ونقيضه.

وفي ذكر (حضور الوليمة) يمنح القاص النص من بداياته حيوية نابعة من تلك الحركة التي يقفز لها عقل المتلقي، وكأنه يشاهد مجموعة من الناس في وليمة، ليقف البطل في وسط ذلك الحشد فيشاهد على الجدار أن ظله ظل حصان..فيتحرج البطل لذلك المنظر، ولكن المتلقي يجد نفسه وقد شعر بذلك الحرج.
ونجد أن القاص قد سخر الحواس أيضا كعنصر آخر من عناصر التأثير في المتلقي، وذلك باستخدامه كلمتي ( فنظر+ انظر) مما يستفز حاسة النظر لدى المتلقي أيضا، ويدفعه ليعيش الحدث بحواسه، وفكره، ومشاعره.

ولكن القاص لا يتوقف عن حشد المزيد من عناصر الإثارة والتأثير فهو يحشد مزيد من الكلمات التي توحي بالحركة ( استيقظ كل يوم انظر)، والتضاد من خلال حديثه عن الفعل وردة الفعل، ومن خلال حديثه عن الشكل الطبيعي وغير الطبيعي، ومن خلال حديثه عن الفرق في الأحجام بين ظل الحصان الكبير، وظل الفأرة أو الدودة صغير الحجم، وهو ذلك الحجم الذي لا يلاحظه احد، وفي هذه الكلمة ( يلاحظ وكملة انظر) استثارة لحاسة البصر.

لنجد بعد كل ما قيل بأن القاص نجح في هذه الفقرة الأولى من جعل نصه حيويا، بل بالغ الحيوية، مليء بالحركة، والصراع، والكثير من عناصر التأثير الأخرى مثل استثارة المشاعر والحواس، والتضاد، والأرقام، والألوان، والأحجام.

كما انه نجح في توريط المتلقي في الحدث من خلال دفعه للتعاطف مع الراوي بطل القصة.

ويندفع المتلقي وهو في حالة دهشة، وانفعال، وتعاطف مع الراوي ليتعرف على مصير ذلك البطل الذي ظله حصان وفي اي اتجاه سوف تتطور الاحداث؟!

يتبع،،