عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
2

المشاهدات
642
 
سيد يوسف الجهني
من آل منابر ثقافية

سيد يوسف الجهني is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
8

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Aug 2022

الاقامة
مصر / سوهاج / جهينه

رقم العضوية
17047
08-24-2022, 07:30 PM
المشاركة 1
08-24-2022, 07:30 PM
المشاركة 1
افتراضي روايتي الجديدة ( هنادي )



وقفت هنادي أمام المرآة كعادتها كل صباح ، كي ترى وجهها قبل أن تخرج لزبائنها ، تعودت أن لا يرها أحداً بوجه عبوس ، وهي تقدم له طبق الكشري بيدها ، اعتادت أن يراها زبائنها بوجه صبوح ضاحك ، منذ أن وطئت قدماها الصنعه ومارستها عن قرب ، ملتزمة بزيها ومظهرها العام غير متبرجة ..فصارت حديث الناس في الحارة والأماكن المجاورة لها ، ذاع صيتها وانتشر اسمها ( كشري هنادي ) وبات الناس يألفونها ويأتونها من كل فج ٍ عميق وأماكن بعيدة عنها ، يتناولون طبق الكشري الذي هو من صنع يدها ، لذلك كان على هنادي أن لا تخرج إلا منهدمة ، لها بريق وضياء ، فتصافح بوجهها المرآة كل صباح قبل أن تصافح بوجهها الزبائن .. أخذتها اللحظة وركض بها الخيال واختطفها من حاضرها لتسافر عبر القطار ليرسو بها حيث كان الماضي وهي ترى صورتها وهي تركض خلف الحمار يحمل الروث على ظهره وجهها مغبرٌ ، حافية القدمين ، لتعزز الخصوبة بالأرض فتأتي بثمار وفيرة ، تجرى تحت أقدام الحمار مثل القطار فوق القضبان ، ولا أحد يألوها بالاً ،، جائعة كانت أو يكاد يقتلها الظمأ .. يقذفها الخيال فوق رصيف الماضي ويرجع بها للخلف ، وتطوف بها الذكريات .. فتذكرت حين كانت تود أن تخرج بعد أن كبرت واستدارت وبان على جسدها أثر أنثوتها والبلوغ ، فحجبت عن الأعين فلا يسمح لها بالخروج ولا يسمح لها برفع صوتها ، فتطلب الخروج أحياناً همساً من أمها وخفاء ، وهي تتضور وتتشفع لأمها كي تسمح لها بالخروج ، فإن أبدت أمها موافقة لها بالخروج لا تخرج إلا وهي معها ، مغماه ملفوفة إلا من عيناها اللتان تبصران بهما يبرقان تحت نقابها حتى تكاد لا ترى الطريق ، فلا يرى منها إلا جبهتها من وجهها و قدميها في نعليها ...يوم أسود لو قابلها أحد من الجيران في الطريق وتعرف عليها ، تظل ترتعش ويكسوها الخوف خشية أن يخبر أخويها أو أحداً من أهلها أنه رآها ، فيكون ذلك بمثابة الطامة الكبرى ونهايتها ، أو على الأقل علقة ساخنة تنالها من أخيها الأكبر عبد العزيز .. كانت نهاية فرحتها وقمة سعادتها هو خروجها إذا سُمحَ لها بالخروج ، وتظل تشكو لأمها الضيق حتى تسمح لها بالخروج خُفية بعيد اً عن أخوتها ، فتصحبها معها حتى القنطرة التي تقع خارج العمران لتشم بعضاً من الهواء وتنفس بعضاً من الضيق دون أن يعلم اخوتها وأبيها بذلك .. لقد كانت هنادي أشبه بسجينة في بيت أبيها ولا تستطيع أن تخالف أمرهم أو تكسر العرف السائد في بلدتهم وعند أهلها فعقاب ذلك عند الأهل شديد وقد يؤدي إلى قتل الفتاه أو المرأة المخالفة وتعتبر في عرفهم السائد نشوز لها ...
أما الآن فقد أصبحت حرة طليقة وقد تحررت من الكثير من هذه القيود لتخرج ، وتدخل ، ، وتصافح الرجال ، وتبتسم ، وتضحك ، وتضع المساحيق على وجهها، وتكحل عينيها ،، لقد دفعت هنادي الكثير مقابل حريتها وسعادتها وتحملت الكثير ولم ترضخ لمواطئه العرف رقبتها طول حياتها ،كانت تواقة للحرية عاشقة لها . فحين تقدم لها الحاج مدكور والذي كان يكبرها بأربعين سنة ، لم تعارض الارتباط به ، إلا إنها تود أن ترى الوجود ويراها ، وقد علمت أن الحاج مدكور على قدر من الثراء ، لا يحتاج إلا لمن يرعاه بعد أن فارقه أولاده وماتت زوجته ،وقد اتخذ من القاهرة موطناً وسكناً ، كانت هنادي تتطلع دائما للحرية لتخرج من القمقم المسجونة فيه ، وقد حانت لها الفرصة واتخذت قرارها بالموافقة لتعيش مع الحاج مدكور ، بعدما رأت في عيون إخوتها وأبيها الرضا به ، فعزّت هنادي بما تبقى من حياتها وشبابها ، ولم ّ لا ... فقد تجد عند الحاج مدكور متسعاً وبراحاً لم تره في بيت أهلها ، وقد شاء القدر أن لا تطول حياتها مع الحاج مدكور ... فقد ألم به المرض واعتلاه السعال وهي تطوف به على الأطباء حتى تركها بعد عام ونصف العام يلبي أمر ربه ، تاركاً لها ثروة تكفيها ، وقد استطاعت هنادي بذكائها أن تصمد أمام رغبة اخوتها ورجوعها للبلد مرة أخرى ، وهي تتودد لأخوتها بالهدايا تارة ، وتارة بالتعلل بفض الاشتباك مع أولاد المرحوم وراحت تستغل الوقت لصالحها ، وهي تأبى أن تعود لم َ كانت عليه وتسجن ، راحت هنادي تعمل وتشق طريقاً أخر .... فأبت ألا تعود إلى ما كانت عليه في حياتها مع أهلها ، فاشترت محلاً عن طريق أحد السماسرة وجعلته مطعماً لبيع الكشري وقامت هي بإدارته والعمل فيه بيديها ، فهي طباخة وطاهية ماهرة وست بيت ممتازة وكما يقولون صاحبة نفس في الطبخ والطعام .. وها هي الآن تقف على قدميها شامخة غير مقيدة وذاع صيتها وعلا اسمها وأصبحت حديث الناس لكن هناك شيء بداخلها يناديها .. فهل تلبي هنادي النداء ؟...
بقلم : سيد يوسف مرسي
الجهني
وعودة حميدة مع هنادي بإذن الله في فصل قادم


حجج الإله على العباد كثيرة
فكن لربك شاكرا ومطيعا