عرض مشاركة واحدة
قديم 11-24-2020, 08:57 PM
المشاركة 11
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: رحلة امرأة تخطّت الستين
(1)
( جاءت الرابعة )
في الليلة الرابعة عشرة من شباط فبراير عام (1959) م وفي مدينة السلط الأردنية جئت إلى الدنيا ، حيث تألمت أمي حين فاجأها المخاض ، كأول ألم تشعر به بسببي .، جاءت صرختها بعمق الليل البارد كجرس المنبه المزعج ، هزت بها أركان البيت .. فاستيقظتْ على صوتها المثقل بالوجع حنان وهيام أختاي اللواتي يكبرنني بسنوات قليلة .. واستيقظ أبي من نومه، ومن فوره ، غادر الغرفة وبملابس النوم تلفّع بعباءة صوفية وخرج من البيت ، نادته أمي : يا أبا حنان ، اغسل وجهك قبل أن تخرج فالجو بارد جداً ، اذهب وأحضر القابلة .. ردّ وهو يقفل الباب خلفه ، أعرف أعرف ، سأعود سريعاً اصبري ولا تقلقي .ثم قال لحنان : انتبهي لأمك .
جلست حنان وهيام بالقرب من سرير أمي وهي ترتجف برداً وقسوة الطلق تزيد من إحساسها به ، لم يغب أبي طويلاً ، فبعد عشر دقائق عاد برفقة القابلة ، وما أن جاءت الطلقة الثانية حتى كانت القابلة تقف على رأس أمي تساعدها على الميلاد بسرعة ، ولكن في هذا الجو البارد يبدو أنه طاب لي أن أمكث أكثر في بطنها ..فهناك الدفء والأمان والراحة ، فتعسّرت الولادة لساعات ٍقليلة لكنها كانت طبيعية ..وسُمعتْ صرختي الأولى وأبي وأختاي يقفان خلف الباب ينتظران ماذا ستقول القابلة متين ..
اسمها متين تلك القابلة التي أخذت بيدي وساعدت أمي في حضوري إلى الدنيا ، وهي مسيحية معروفة في ذلك الوقت على مستوى مدينة السلط ، وما أن سمع أبي صرختي حتى نادى من خلف الباب يسأل : ها ، ولد أم بنت ؟
تركتني القابلة عارية غارقة بالدم ، وما زال الحبل السُّري معلقاً بأمي وفتحت الباب ناكسة الرأس حزينة تقول لأبي : قل أولاً الحمد لله على سلامة الأم ، لقد جاءت الرابعة يا أبا حنان.
اغرورقت عينا أبي بالدمع لأنه كان يأمل أن أكون ولداً ، هز برأسه وخرجت من صدره تنهيدة متقطعة قائلاً بصوت مخنوق : الحمد لله ..
قالت متين : إنها جميلة، مثل القمر والمثل يقول : ( البنت الحلوة نص مصيبة )
عادت متين وأغلقت الباب لكي تقطع آخر ما علق بي من بطن أمي وتغسلني وتلبسني الثياب التي ورثتها من أختي التي تكبرني ، والتي كانت أصلاً من صنع يدي أمي فهي خياطة ماهرة , فلم يكن أبي قادراً على شراء ملابس جديدة للمولود الجديد ، ولا حتى قماشاً لتخيطه ، فقد كان موظفاً براتب بسيط بالكاد يكفي لتلبية الحاجيات الأساسية ، ثم إنهم لم يكونوا في ذلك الوقت يعرفون إن كان المولود ذكراً أم أنثى ، ليس مثل أيامنا هذه فالحامل تعرف جنس المولود بعد أسبوعين على الأكثر فتجهّز له ما لذ وطاب من الملابس الدخلية والخارجية والسرير والغرفة الخاصة به وألعابه ووو، أما على زماني فلا يُعرف جنس المولود إلّا بعد أن ترفعه القابلة من قدميه ورأسه منكوساً إلى أسفل .
بعد قليل دخل أبي يقول لأمي لا تحزني ، الله يعطيك أخاً للثلاثة ،
نحن ثلاثة فقط ، علماً بأنني رقم 4 لأن البنت التي كانت قبلي لاقت ربها وعمرها سنتان.. فأنا كنت الرابعة الثالثة ..ومتين تؤكد على دعوة أبي قائلة : يا أم حنان ، شدي حيلك القادم ولد ، وكأنها متأكدة تعلم بالغيب بأن القادم ولد .
يتبع )))