عرض مشاركة واحدة
قديم 07-22-2013, 02:59 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
خوليو كورتازار
رائـد الروايـات الخرافيـة
-10/09/2008 - عدد القراءات : 1

ابتدع الكاتب الفرنسي- الأرجنتيني خوليو كورتازار «1914- 1984» واقعية خرافية اذ تتركز كل عظمتها في نصوصه القصيرة التي تصدر مجدداً اليوم، لم يدفعه التزامه السياسي يوماً الى اهانة قرائه بالخلط بين الأدب والتعليم أو بمراكمة التنازلات لصالح نماذج الأدب المناضل في مجلد واحد، صدرت مجمل حكايات وقصص خوليو كورتازار القصيرة، هذه مناسبة لاعادة اكتشاف الكاتب الذي تمتع في القرن العشرين دون شك بالخيال الأغنى والأغزر، وهذا لم يبعده عن الالتزام الواضح بالمعركة ضد الامبريالية،
تفتح الكتاب على أية صفحة وتقرأ بضعة أسطر: فيفعل السحر فعله.ألف صفحة من السحر الدائم، حيث نتحرر من عالم المظاهر كما في الترابط المنطقي العادي، أو أنه العالم الحقيقي الذي يقدم تصويره «من تفاصيل الحياة اليومية الى الاطار التاريخي أو السياسي»، ولكن تتسلل اليه عناصر غريبة، غير مؤكدة ولا منطقية وغرائبية ومقلقة أو خارجة من عالم الأحلام، إنها إعادة تشكيل لا تتوقف للزمان والمكان، حيث تنفتح داخل ما نعتبره الأكثر ثباتاً.
فجوات تتيح كافة اشكال الخرق والتسلسل غير المتوقع والتداخل والتحول. إن حياة الكاتب الأصيل تقوم على ما يكتبه، وهذا ما يتم ادراكه اكثر فأكثر على الرغم من الافكار المسبقة او الصحافية، وحياة كورتازار مشبوكة مثل كتاباته بالتنقل والاجتياز راسمة صورة رجل بين حيّزين، بين قارتين، يصعب فرض الاقامة الجبرية عليه، ولد في بروكسل عام 1914 ليرحل بعد اربعة اعوام الى موطن عائلته الاصلي، الارجنتين، خيال ناضج مبكراً، اعتماد على نفسه في التعلم، نشاطات ادبية اولى ومن ثم شعور بالاختناق في الارجنتين البيرونية، ومن هنا المنفى الاختياري والاقامة عام 1951 في باريس (القطب الجاذب الذي لامفر منه)، الكتب الاولى الرحلات المتعددة، واللقاء في الستينيات مع من شكلوا الكوكبة الروائية الامريكية اللاتينية في النصف الثاني من القرن العشرين (كارلوس فوينتس، غبريال غارسيا ماركيز، ماريو فارغاس ليوزا، ليزاما ليما) وكان اكبرهم سناً ولكنه احسّ دائماً انه ينتمي بقوة اليهم، تعاظمت شهرته وتشدد التزامه مع قضايا امريكا اللاتينية الكبرى (دعم النضال ضد الامبريالية والمعارك في وجه الديكتاتوريات العسكرية)، توفي كورتازار عام 1984 اثر مرض غريب.

روايات كورتازار العظيمة رفعته الى مستوى الكبار في الكوكبة المشار اليها آنفاً: اول هذه الروايات «ماريل» تلك التحفة الباروكية المتدفقة، هذا العمل المفتوح الذي يتيح للقارىء بالاختيار من خلال تعديل ترتيب الفصول بين روايتين مختلفتين داخل كتاب واحد، وحيث تنسج شبكة ارتدادات وتعارضات بين أوروبا وامريكا اللاتينية: بين الطوباوية التي شكلتها امريكا اللاتينية في نظر اوروبا، والطوباوية التي باتت عليها اوروبا كما تراها امريكا اللاتينية...

لكن ربما يكمن تميز كورتازار في فن القصة القصيرة، وهو فن تحدث عنه جيداً في محاضرة القاها في كوبا عام 1963 ونشرت كمقدمة لهذا المجلد، ليقول بأن المطلوب منذ السطور الاولى، هو:
- جذب انتباه القارىء من خلال ادخال « قطيعة مع ما هو يومي، تتجاوز كثيراً الحبكة التي تسرد تفاصيلها،
- وعلى الكاتب الافلات من هذه الواقعية الكاذبة التي للاعتقاد بأنه يمكن تفسير او وصف اي شيء،
- والمطلوب من الكاتب ان يُضمّن قصته توتراً مستمراً
- «فيقول انه يجب هزيمة القارىء بالضربة القاضية وليس بالنقاط»،
- وهذا مبدأ التكثيف الاقصى الذي يتطلب إلغاء جميع الحالات الوسيطة،
- كل هذه الجمل الانتقالية التي يصعب على الروايات الطويلة تفاديها،
- وانه ينبغي ان يكون السرد في المحصلة، بؤرة مغنطيسية قوية من شأنها ان تجتذب نظاماً كاملاً من العلاقات المكملة وتظهر مقدرات كورتازار عند قراءة حكاياته من تجميع كل ما يمتاز به فن الروايات الضخمة:
- ومن ذلك تنويع الرواة، تعدد وجهات النظر، مهارة في الايحاء بفضاءات وازمنة موازية تتجاوز الواقع اليومي.
- الانزلاق التدريجي من عالم لآخر، وكأن قيود السرد القصير التلميعي عنده لاتحد من الخيال، بل تعطيه المزيد من الكثافة،

من هنا هذه العوالم الخرافية، الرائعة التي يجد القارىء نفسه وسطها منذ البداية، كان كورتازار بعد خورخيه لويس بورخيس، وانما بوفرة وتألق اكبر احد المعلمين الكبار في القرن العشرين للجنس الادبي الغرائبي ولا تعارض هنا مع الاهتمام بالعالم الحقيقي الذي تجسد في التزامه الملموس، من مساندته لحكومة سلفادور الليندي في التشيلي ومشاركته الفعالة بعد الانقلاب على بينوشيه في مساعدة اللاجئين التشيليين في اوروبا، ونضاله المفتوح ضد الديكتاتورية العسكرية في الارجنتين وتضامنه المعلن مع الحركة السندينية في نيكاراغوا في مواجهة هجوم «الكونتراس» المدعومين من وكالة الاستخبارات الامريكية، في المختصر عطاء ثابت لجميع المعارك المناهضة للامبريالية في امريكا اللاتينية، الخيال حسب كورتازار ليس ما يبعدنا عن الواقع، بل هو ما يبتدعه ويجعله اكثر ثراء.
الوطن- ترجمة واعداد : ابراهيم أحمد
عن موقع وزارة الثقافة السورية