عرض مشاركة واحدة
قديم 11-20-2011, 09:50 AM
المشاركة 4
منتظر السوادي
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
قراءة في نص
الجرس الخفي
العنوان يحمل تناقضاً ظاهراً ، وإِنَّ هذا التناقض يؤجج الفجوة لدى المتلقي ، فيعْمل فكره وخياله باحثاً عن تأويلٍ مقنعٍ لكيفية التوافق بينهما ، لِأنَّ المتلقي يعلم أَنَّ الجرس يهزّ الجدران لا الآذان ، لكنّه في هذا النصّ خفيّ لا يسمعه الآخرون ، فهو جرس من غير صوت ، على الرغم من عمق رناته الاهتزازية لكنه يعمل بخفاء وصمت ، يبدو أنَّ العنوان موفق إلى حدٍّ بعيد حتى مع النغمة الموسيقية في القصيدة وسيطرة حرف السين الصفيري المهموس ، الذي يلاءم خفاء الجرس فكأن الجرس يهمس همساً ، أضف إِلى ذلك أنَّ العنوان يوافق المضمون بصورة تامة ، رغم هذا التوافق ألا إنَّ للقارئ وجهة نظر حول العنوان ، باعتبار العنوان هو العتبة الأولى التي منها نلجّ إلى عالم الشعر أو القصيدة فينبغي أن يحمل عنصرَ تشويقٍ يشدّ انتباه القارئ ويجعله مأسوراً حتَّى نهاية النص ، ومن ثمَّ لو كان العنوان " جرس خفي " لكان أكثر تشويقاً للقارئ لأنه نكرة مجهولة ، والتنكير يحتمل معنى التشويق ، لِيبحث القارئ عن معنى هذا الجرس ومدلولاته في النص ، وعندها يكسب المؤلف أول جولة له من الحرب ، على اعتبار القراءة حرب ، ساحتها النص ، وطرفيها القارئ والمؤلف .
مدلول النص أو الفكرة التي يريدها النص هي الحديث مع الذات وحديث النفس معه ، واتسمت النفس بالإيمان أو كان الطابع صوفي في اغلبه ، يلاحظ القارئ ألفاظا صوفية ؛ ( الخفي ، وميض ، السبيل ، الذات ، النفس ، المشوق ، الروح ، أسرجت ، التفكير ، التأمل ) هذه الألفاظ كست النص حلية أو لنقل نغمة عرفانية صوفية ، ومن ثم فالنص عميق الدلالة صعب المراس .
بؤرة النص هي حديث الذات ، وظهر ذلك جلياً في قول الشاعر : ( كنايات الأنا ، الجرس المخبوء في موطن الروح ، يهزني كلما أغفيت ) فالجرس هو حديث من أعماق الروح يهزُّ الكيان هزّاً ، ويرن كلما غفل البطل عن هدفه ، يعلو منه عتاب وتأبين إن أغمض عينه ، أو وضع آماله في غير موضعها ، فقال :( أسرجت قافيتي إلى المنى ) ، ويبدو أنَّ هدفه العودة تائباً إلى الله ، بدلالة الدمع ، فالدمع يرافق التائب في توبته ، وكذا يُلاحظ أَنَّ البطل في البيت السابق قال : ( أنا المشوق إلى ما فات من زمن ) فالندم يصحب البطل ، والتوبة أولها ندم ثم تسرج القافلة في الرحلة إلى الله تعالى ، ويمسك التائب وهو على ناقة التوبة بزمام الدموع ؛ دموع الندم على التفريط .
أيْنَ الوَمِيضُ وَهَذا الصَّدْرُ بَوْتَقَةٌ = حَمْرَاءُ مِنْ كُلِّ إحْسَاسٍ بهَا قَبَسُ
أيْنَ السَّبيلُ... مَسِيرُ الذاتِ هَرْوَلَةٌ = فِي مَهْمَهِ الليْلِ لَمْ يَفْطِنْ لَهَا العَسَسُ
نجد البطل يناجي نفسه ، يقارن حاله المتعب المهرول نحو الفناء المستعر بأحاسيس غريبة كثيرة من كل نوع ، والتي أرهقت القلب وجعلت منه بوتقة مستعرة حمراء تصهر الروح مرات تلو المرات ، وبما يرغبه من طمأنينة بيضاء مستقرة وتوقف تلك الهرولة في عتمات المجهول ، فهو يريد الوميض الذي يشق القلب ويغرس فيه النور وينزل فيه الغيث ويطفئ النار الهائجة بالأحاسيس المختلفة ، بعد هذا الوميض يريد الدرب الصحيح ليسلكه بصمت وتأمل ويترك الهرولة في العتمة ، ومن ثمَّ فيلاحظ القارئ أنّ النص موفق في تلازم الوميض مع السبيل فالنور هو الذي ينير الطرقات بل النور هو يغرس الاطمئنان في الفؤاد ومن ثم يسلك الدرب الصحيح ، يقول الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام ( النوم على يقين خير من عبادة على شك ) فالنور يغمر النفس ثم تسلك طريق العبادة مع تأمل كما جاء في آخر النص :
( تمر بي كلمات النهر صامتة ***** صوت التأمل محفوف به الخرس )
فعودة البطل مفكراً في عجائب خلق الله ، وصامتاً بأفضل أنواع الصمت إنّه التأمل ، والتفكير في الخلق خير من عبادة عمياء ، لذا فيُلاحظ أنّ البطل لما رأى العالم غائراً في الضبابية وعدم لوضوح ، بعد أن تغيرت الأَشياء رنَّ الجرس في أعماق الروح ليعود إلى نفسه باكياً ومفكراً على هذه الحال التي تعيشها الأمة .
أُجَالِسُ النَّهْرَ مَفْتونًا بِجِدَّتِهِ = لا يَسْتَحِلُّ خُدُودَ الضِّفَّةِ الدَّنَسُ
أُلْقِي بهِ زَوْرَقِي المَشْبُوبَ عَاطِفَةً = لعَلَّهُ عَنْ لِقائِي لَيْسَ يَرْتَكِسُ
لعَلَّ أشْرِعةَ الآتِي تَجُوبُ بهِ = أعْمَاقَ رُوحِي فَيَبْلوهَا وَيَنْغَمِسُ
الأبيات هذه تروي حال البطل ،لا بل هو يروي حاله ، ربما يرمز النهر إلى الحياة المتجددة والعلاقة بين الماء والحياة جلية ، وربما النهر رمز على الدنيا ، وتتجدد الحياة في الدنيا يوما بعد يوم ، ويبقى الإنسان مفتوناً فيها ، حتى حين . وقد رمز البطل إلى عيشه في هذه الحياة بـــ( زورقي ) انه سائر في الدنيا / الحياة ( النهر ) حتّى الموت ولقاء الله تعالى ، ويختم هذه الرحلة بترجٍ لتكون أعماق الروح مؤمنة ببلاء الله .
وهناك معنى آخر للنهر يبدو أَقرب للتأويل لدى المتلقي المسلم وهو أَنَّ النهر يراد به ( القرآن الكريم ) فالقرآن الكريم نهر تغرف منه البشرية العلوم النافعة والشفاء والأمن والطمأنينة ، أضف أن القرآن لا ينضب أشبه بالأنهار – إن جاز لنا التشبيه بل إنَّ النهر ينضب وكلام الله لا ينضب - والبطل في النصّ متعجب من تجدد القرآن عند كل قراءة ، ثم يلقي بنفسه بين آياته بعاطفة الحب والتلذذ ، عسى أن يكون اللقاء غير خاسر ، ثم يردف بـــ عَلَّ آيات القران تدخل أعماق الروح وتُغرس هناك ، وتنفعه يوم تبلى السرائر ، ويختم القول بأنَّ كلمات القران تمرّ على قلبي فيصمت متأملاً خاشعاً خرساً لله تبارك وتعالى ، لأَنَّه يطبق قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) .
في الختام أهمسُ لصاحب النص بأنَّ لديه عيوب في القافية

منتظر السوادي 25/10/ 11