عرض مشاركة واحدة
قديم 02-06-2011, 09:53 AM
المشاركة 3
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
الرسالة الثانية : الغائبون عن الوعى

كافة القادة والمتابعين من جميع التيارات , لا زالوا حتى هذه اللحظة لا يتفهمون هذه الحقيقة , وكل تيار يظن أن هؤلاء الثوار الشباب من أتباعه ,
فالنظام كان لا زال يأمل فى أن تكون هذه الإحتجاجات عبارة عن زوبعة فى فنجان ! ,
ثم أخيرا قرر اللجوء إلى نظرية كبش الفداء , فقالوا بمسئولية الإخوان , ثم أدركوا سخافة ما قالوه , فسمح النظام لبعض أقطابه بتحميل حكومة نظيف المسئولية , ومحاولة تبرئة الرئيس
وهؤلاء مغيبون كالعادة ,
ولا يدركون أنهم أمام جيل مثقف للغاية , جيل كانوا يهملونه ويتصورون أنه جيل مرفه , مشغول بالإنترنت , وجاهل بالواقع , فإذا بهم يرونه جيلا رفض كل ما قبلته الأجيال السابقة من الهوان !
وإذا بهم يرفضون الحرية الممنوحة من النظام , ويصرون على انتزاعها عنوة
ولهم رموز إعلامية مثل إبراهيم عيسي وعبد الحليم قنديل وحمدى قنديل , وشباب 6 إبريل وقادة كفاية , وغيرهم ممن أسسوا المعارف الحقيقية للشباب ففهموا أن فساد السمكة يبدأ من الرأس
والنظام يلجأ لطرق تضحك الثكلى لمقاومة الأحداث , فتارة يدعى أن المتظاهرين عشرات فى مواجهة ملايين , دون أن نرى تابعا واحدا للحزب الوطنى يقبل أن يتعرض للرصاص المطاطى أو القنابل المسيلة للدموع فى سبيل الحزب الوطنى ونظام مبارك !
ودون أن نرى ضحية واحدة سقطت من الشرطة وكانت تؤيد مبارك ؟!
بل رأينا عينة مؤيدى مبارك من البلطجية ورجال أمن الدولة وهم يتسببون فى مقتل المئات وإصابة العشرات من العزل الأبرياء

ولا يدرك هؤلاء أن الشباب يعبرون عن 90 % من الشعب المصري , وليس متصورا خروج الشعب بأكمله من أول يوم , لأن الغالبية منهم لا زالت تعيش ثقافة الخوف على أبنائهم وأنفسهم وعلى وظائفهم التى تخضع جميعها لرقابة الأمن , ويبدأ التنكيل بأى موظف إذا فكر فى الخروج لمظاهرة أو اعتصام
لكنهم مع المطالب المعلنة بدون أدنى شك
والنظام معذور ..
فوزارة الداخلية تلقي بالقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين , فلا تسيل دموعهم , بل تسيل دموع النظام الحاكم نفسه والذى بلغ حالة يرثي لها من الإضطراب

والرد على تلك النقطة الخاصة على أى جانب يقف الشعب المصري سهل وميسور
فقد خرج ثمانية ملايين مصري فى أنحاء مصر , لم يتظاهروا سلميا فقط , بل تولوا حماية أمن البلاد عندما قاد وزير الداخلية السابق حبيب العادلى حرب الإرهاب عن طريق إطلاق المساجين والبلطجية لينشروا الرعب فى أنحاء المدن المصرية حتى يخشي المصريون على حياة عائلاتهم فيفضوا المظاهرات ويذهبوا لحماية بيوتهم
لكنهم أصيبوا بالضغط والصدمة عندما شكل الشباب لجانا لحماية المدن , واستمر المتظاهرون بإصرار فى مقاومة النظام عبر المظاهرات وتمكنوا بمعاونة الجيش من حفظ أمن البلاد فى الوقت الذى هربت فيه شرطة النظام الذى صرف عليها 38 مليار جنيه سنويا لتسليحها
ولم يكتف الشباب بهذا ..
بل شكلوا لجانا لإعادة إعمار الميادين والمبانى التى تأثرت بأسلحة وتدمير الشرطة والبلطجية , وحماية أنفسهم فى الوقت نفسه

وينسي النظام وأعوانه أن الثمانية ملايين مصري خرجوا رغم حظر التجوال , وقطع الإتصالات التليفونية وقطع الإنترنت كى يعطلوا المسيرات الحاشدة ,
بالإضافة إلى قطع خطوط المواصلات وإيقاف حركة القطارات نهائيا , وإيقاف خطوط المترو عن تغذية خطوط وسط القاهرة ,
ولو كانوا واثقين أن فى الشعب من يؤيدهم , لما قاموا بهذا العزل المخيف
فتخيلوا أن ثمانية ملايين مصري يخرجون رغم كل هذه الإجراءات , فما هو الرقم المتوقع إذا لو لم يتبع النظام هذا الإرهاب والقهر ؟!
وينسي النظام أن شارل ديجول رئيس فرنسا الأسطورى , عندما أسس الجمهورية الخامسة , وقامت فى عهده مظاهرات تضم مئات الألوف فقط , قام من نفسه بمبادرة شخصية , بإجراء استفتاء شعبي على بقاء حكومته احتراما منه لرغبة المتظاهرين , وخرجت نتيجة الإستفتاء بنسبة 64 % لصالحه
ورغم ذلك استقال من منصبه لأن شعبيته ـ وفقا للإستفتاء ـ نقصت بمقدار عشرين فى المائة , ورغم أن هذا النقص لم يؤثر على أغلبيته إلا أنه احترم نفسه فاعتزل لمجرد أن ثلاثين بالمائة من الشعب طالبوا بتنحيه !
فأين هذا من شعبية وتصرفات مبارك الآن ؟!

وأضحكنى صفوت الشريف وأسامة سرايا وغيرهم , ممن يحاولون جميع شتاتهم بالحديث المعاد عن إنجازات الحكومة
وأن مصر تعانى فى الثلاثين عاما الأخيرة من تعثر شديد فى التنمية بسبب زيادة عدد السكان ونقص الموارد مع تثاقل الديون الخارجية
ونسي هذا المغيب مع من يتعامل ومن يخاطب ؟!
فبعض المعلومات كنا نتعامل معها كجماهير على اعتبارها معلومات غير قابلة للنقض .. فى حين أنها بلغة الأرقام تمثل صورة رهيبة من التغييب المتعمد للحقائق ..
والكارثة تتمثل فى أن المنادين بالإصلاح تغيب عنهم تلك الحقائق البسيطة بالرغم من توافرها مع أدنى بحث ممكن
ففيه حلقته عن الشأن المصري الجارى من برنامج مع هيكل فى سبتمبر 2004 م قدم المفكر السياسي الكبير محمد حسنين هيكل صدمة حقيقية للرأى العام عندما أعلن سخريته المحرقة من إدعاء تعثر التنمية بسبب زيادة السكان وبسبب نقص الموارد وقام بتفنيد السببين قائلا :
بالنسبة لإدعاء زيادة عدد السكان فإنى سأتحدث معتمدا على أرقام معهد التخطيط القومى المصري ذاته وهو يعلن فى آخر تقرير له لعام 2004 م أن نسبة زيادة عدد السكان فى تناقص مستمر خلال العشر سنوات الأخيرة حيث انخفضت من 2.2 إلى 1.8
وبالتالى زيادة عدد السكان لا وجود لها !! وباعتراف الأرقام الرسمية للحكومة !!
وبالنسبة لإدعاء نقص الموارد فلن أتحدث مطلقا عن الموارد الداخلية كقناة السويس والغاز الطبيعى وموارد الطاقة كحقل المرجان وبلاعيم ,
بل سأتحدث بالأرقام عن التدفقات المالية الخارجية خلال الثلاثين عاما الماضية والتى أتت على شكل هبات أو مساعدات لا ترد أو دخول للعاملين بالخارج وهى تدفقات بلغت 150 مليار دولار على نحو جعل مصر أكثر دول العالم أجمع جلبا للعملة الأجنبية !
وأضاف هيكل ..
فأين ذهبت هذه الأموال ؟!
إننى أستطيع أن أضع يدى على شواهد تم الصرف عليها مثل البنية الأساسية وتكلفت ما بين 10 إلى 12 مليارا ومترو الأنفاق تكلف حوالى 6 مليارات دولار .. لكن خلاف ذلك أين هى مواضع الصرف التى استوعبت تلك المبالغ الفلكية ؟!

ما غاب عن ذهن أستاذنا الكبير هيكل معلومة تمثل ضربة أخرى من ضربات عدم المنطقية .. وهى أن الدولة لم تتكلف قرشا واحدا من المليارات الستة التى تم صرفها على مشروع مترو أنفاق القاهرة الكبري حيث قامت بالمشروع وتكاليفه شركة فرنسية وعمالة مصرية مشتركة بنظام عقود bot وهو النظام الحديث فى العقود الإدارية التى يمنح الشركات الأجنبية حقلا إقامة المشروعات القومية وتحمل تكلفتها نظير إدارتها والإنتفاع بها لمدد محددة سلفا " 15 ـ 20 " عاما ثم تعود ملكيتها للدولة دون أن تتحمل الحكومة أية نفقات

أما أمر الديون الذى خرجت به مصر مثقلة الكاهل من حرب أكتوبر فمعظم هذه الديون كانت ديون النفقات العسكرية للإتحاد السوفياتى وهى الديون التى تم جدولتها وإعادة النظر فيها وإسقاط رقم لا يستهان به منها
أما الديون العسكرية فى مرحلة ما بعد كامب ديفيد وهى الديون التى استحقت للولايات المتحدة الأمريكية فقد قامت الحكومة الأمريكية بإسقاط ديون الفترة ما بين 1982 م إلى عام 1989 م فضلا على أن عام 1989 م شهد اتفاقية جديدة فى برامج التمويل العسكري المصري الأمريكى منح مصر مساعدات غير قابلة للرد

وهنا ألا يستحق منا هذا الأمر سؤالا بديهيا فى ظل هذه الموارد الرهيبة التى لم تتوافر لبلد فى العالم كيف يمكن أن يبلغ حجم الدين العام لمصر حوالى 100 مليار جنيه مصري !!