عرض مشاركة واحدة
قديم 12-28-2012, 04:25 PM
المشاركة 12
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
العمى


هي رواية لكاتبها البرتغالي خوسي ساراماغو وتعتبر من أبرز أعماله الأدبية وتتحدث الرواية عن وباء غامض أصاب احدى المدن حيث يصاب أهل هده المدينة بالعمى فجأة مما خلق موجة من الدعر والفوضى العارمة أدت إلى تدخل الجيش من أجل السيطرة على الأوضاع ولكن الوضع ازداد مأساويه حين تخلى الجيش على الحشود العاجزة والواهنة أدى دلك إلى سيطرة العصابات على ما تبقى من طعام ودواء حيث بدأ الناس في الاقتتال فيما بينهم القصة أيضا تلقي لنا الضوء على الجانب الإنساني المتمثل في الطبيب وزوجته وعائلته الدين بقوا متماسكين حتى اندثار المرض فجأة كما ظهر.


==


اسم الرواية: العمى
اسم المترجم: محمد حبيب
عن الرواية:

في صباح أحد الأيام, وبدون أي مقدمات, وعند إحدى الإشارات المرورية, يستشري العمى مثل طاعون مجنون في أحد المدن ..
ومن ثم تنطلق الرواية.
في أول صفحة, وعلى أول سطر, ومن أول كلمة, تنفجر الأحداث في وجه القارئ؛ لأن في مثل هذه الأعمال العظيمة لا يوجد أي متسع للثرثرة.
في رواية العمى استخدم ساراماغو كل الوسائل الأدبية الممكنة ليجعلك تعيش تجربة العمى المفاجئ, وأنا هنا لا أقصد فقط تقمصك لشخوص القصة, بل أعني أن رواية العمى تنقلك تماما لعالم الرواية الخاص, لكنها تنقلك إلى هناك أعمى؛ الرواية توجد عالمها الخاص وتمنعك من رؤيته, وهنا فقط يداهمك شعور العمى, وهنا – وفقط هنا – تعرف لماذا حازت هذه الرواية جائزة نوبل عام 1998.
ما يستحق التنبيه هو أن بعض الأساليب المستخدمة لتحقيق غاية الرواية ( نقلك أعمى لعالم الرواية ) قد تبدو مربكة في البداية, لكن هي كأي شيء أخر, تحتاج بعض الوقت والممارسة لتصبح مألوفة ومستطعمه, سوف استعرض في السطور القادمة بعض هذه الأساليب, وقد بدا لي أنها سوف تجعلك مستعد أكثر للرواية, وتجعل قراءتك لها أسهل, ولن تحرق عليك شيء.
في البداية هذه الرواية تجمع بين متناقضين: العقدة الاستثنائية العجيبة الشبه فنتازيه للرواية والأسلوب الواقعي الكلاسيكي في سردها؛ عقدة الرواية خيالية لكنها تٌحشر في عالم مطابق للعالم الحقيقي وتحكى بطريقة واقعية, وهذا بالضبط ما جعل هذه الرواية مقنعة, وتناقض السرد والعقدة هو مكمن الإثارة.
أسلوب ساراماغو في هذه الرواية, يعتمد على الجمل والفقرات الطويلة, بعض الفقرات وصل طولها لصفحتين, لذا يكون المشهد الواحد طويلاً وفي نفس الوقت ذو إيقاع سريع, وهذا هو ما سوف يحبس أنفاسك.
يستخدم ساراماغو في هذه الرواية أسلوب في الحوار اسمه (back-and-forth dialogue) أو ( الحوار ذهاباً وإياباً ) وهذا الأسلوب يعتمد على كتابة الحوار دون علامات اقتباس, ومن دون ذكر قائل الجملة, أو كيف قالها. هذا الأسلوب عادة يرافقه استخدام فواصل ونقط فقط, بمعنى أنك لن تجد في الرواية كلها علامة استفهام أو علامة تعجب أو فواصل منقوطة, ويكون هذا الأسلوب كالتالي:
( متى سوف تقلع طائرتك. بعد ساعة. لا أحب الطائرات. من طلب منكأن تفعل ذلك )
هذا الأسلوب قد يكون مزعجاً لك في البداية, لكنك سوف تعتاده بعد تجاوزك لأوائل الصفحات.
أسلوبا الحوار والسرد دمجها ساراماغو مع أربع أفكار هي كالتالي:
الفكرة الأولى: التقتير في الوصف البصري. الأماكن والأشخاص والأحداث توصف بأقل قدر ممكن من الأوصاف البصرية, بل إنها توصف بالحد الأدنى منه, وهذا هو بالضبط سبب استخدم أسلوب الحوار ذهاباً وإياباً, فهذا الأسلوب يضمن أقل وصف بصري لحالة الشخصية عندما تتكلم.
الفكرة الثانية: البذخ في وصف المدركات غير البصرية. الروائح, نبرات الأصوات, توصف باستفاضة, وهذه الفكرة أيضا سبب آخر لاستخدام أسلوب الحوار ذهابا وإيابا, لأن هذا الأسلوب يسمح بحوارات طويلة ( مدركات صوتية كثيرة ) دون وصف بصري.
الفكرة الثالثة: التسميه الوصفيه. لا يوجد أسماء أبدا في هذه الرواية, الشخصيات لم تسمى, المدينة لم تسمى, الدولة لم تسمى, بل لا يوجد أي اسم لأي علامة تجارية أو شخص أو حدث تاريخي, لا يوجد أي اسم على الإطلاق, واعتمد المؤلف في الإشارة لشخصيات الرواية بالوصف ( الطبيب, الفتاة ذات النظارة السوداء, الطفل الأحول), وهذا النوع من الإشارة للشخصيات لن تجده مملاً؛ لأن الرواية تعتمد على البطولة الجماعية للشخصيات. في الحقيقة اسم الرواية أيضاً وصفي, فاسم العمى هو اقرب لوصف للرواية منه لعنوان لها, في الحقيقة التسمية الوصفيه لها تأثير هائل في إيجاد وهم العمى للقارئ؛ لأن الأسماء تعطي انطباعات بصرية, وحتى هذا الحق البسيط سلبه ساراماغو من قراءه.
الفكرة الرابعة: إبهام الزمن. حاول المؤلف قدر استطاعته أن يخفي زمن الرواية, ولولا بعض الاختراعات البسيطة الواردة في الرواية لضاع إدراك الزمن تماماً بالنسبة للقارئ. وباستخدام هذه الفكرة مع الفكرة الثالثة يسلبنا المؤلف القدرة على التصور والتخيل المبنية على الزمان والمكان, فالمكان والزمان يعطيان قدرة على تخيل شكل الأحداث؛ فحادث سيارة في مدينة الرياض نتخيله بشكل مختلف عن حادث آخر في القاهرة, وتقاتل رجلين في العصر الإغريقي يختلف عن تقاتلهما في العصر العباسي.
هذه الأفكار الأربعة بالإضافة لطريقة السرد وطريقة الحوار كانت طرائق رائعة لنقل تجربة العمى المفاجئ للقارئ, طبعا قبل كل شيء هو سحر كتابة ساراماغو الذي فعل ذلك لكن هذه كانت وسائله.
جدير بالانتباه أنه وبرغم أننا نستطيع أن نرى وجوه عديدة للرعب في هذه الرواية إلا أن أسلوب كتابة الرواية كان ساخراً للغاية, وهذا تناقض رائع أخر.
حقيقة إن الأسلوب السردي لساراماغو مذهل جدا, إن أقل وصف يمكن أن أصف به هذا السرد هو أنه ( جليل ), الحكمة تجري بين سطوره, وبدون أي افتعال أو قسر, دائما يملك هذا الرجل تعميماً رائعا ينتقل به للحدث التالي. يحب ساراماغو أن يذكر الأمثال والحكم في سرده, لكن بشيء من التدقيق يتضح لنا أن معظم ما كتبه من جمل بليغة ليس كلاماً مشهورا متداولا بقدر ما هو في الحقيقة وليد سطره.

كيف استطاع أن يكتب رواية عظيمة ساحره أبدية كهذه بكل التكبيلات التي فرضتها عليه فكرة الرواية؟ .. كيف استطاع أن يجمع كل هذه المتناقضات المذهلة في سرده؟ .. كيف يستطيع أن يكتب بعفويه سطور تخالها حكم سرمديه؟ .. كيف استطاع أن يدير بطولة النص الجماعية بهذه الدقة اللا متناهية؟ ..

جواب هذه الأسئلة جميعاً هو: لهذا نال جائزة نوبل في الأدب بسبب هذه الرواية.

بالنسبة لترجمة الرواية فباسمي وباسم كل من قرأ هذه الرواية أتقدم بالشكر للأستاذ المترجم محمد الحبيب, الترجمة كانت رائعة بالفعل, أثناء قراءتي للرواية كنت أشعر أن الرواية كتبت أصلاً باللغة العربية.

أخر شيء أود الإشارة له هو أنه حاليا يتم العمل لتصوير الرواية كفلم سينمائي وسوف يكون من إخراج ( فرناندو ميراليس ) مخرج الفلم الرائع الخالد ( مدينة الله), وسوف يعرض الفلم في مارس من عام 2008.

محمد بن محمد العلوي يكتب: قراءة في رواية العمى

نشر فى :الثلاثاء 25 سبتمبر 2012 - 7:30 م
آخر تحديث :الثلاثاء 25 سبتمبر 2012 - 7:30 م
"ما أصعب أن يكون المرء مبصرا في مجتمع أعمى" لقد أذهلتني هذه الجملة الرائعة من رواية العمى للكاتب البرتغالي جوزيه ساراماغو، الحاصل على جائزة نوبل للآداب عام 1998، فتجرأت على اتخاذها عنوانا بارزا لقراءتي لهذه الرواية المنشورة سنة 1995، والتي تحكي عن استشراء العمى في مدينة ما مجهولة الاسم مثل طاعون عاصف أصاب المدينة بأكملها، تبدأ رحلة الوباء برجل يصاب بعمى أبيض أثناء قيادته لسيارته إذ بدأ يرى كل شيء أبيضا ومشعا، ينقلونه لعيادة أحد الأطباء الذي لم يجد تفسيرا علميا لهذا العمى، ثم ما يلبث الطبيب نفسه أن يفقد بصره وتتوالى الإصابات بحيث يهجم عمى أبيض ومشع يعم المجتمع فيمنعه من الرؤية، عمى غريب ورهيب ينتج عنه هيجان وتكالب على السلطة والحياة بأساليب جشعة وخشنة ووحشية. ولن نستغرب هذا المسلك من قِبَلِ قلوب أقل ما يمكننا وصفهم بها هو القسوة في فرض السيطرة والتحكم الجائر على عميان لا يرون في ضياء النهار، الكاتب هنا يصرح بأن الأنانية المتحكمة في التصرف والسلوك هي التي تفرض قواعد ظالمة، ومن يخالف هذه القاعدة الجائرة يتم منعه من الأكل وضروريات الحياة، فما أقسى هذه الفلسفة!
وما معنى أن تظل امرأة واحدة فقط هي المبصرة كما صورها الروائي جوزيه ساراماغو، الروائي البرتغالي المدافع عن الحق في الحياة بكرامة؟ إنها بلا شك رمز الاستمرارية والمداومة، وهي التربة الغنية، وكان لزاما على الكاتب المبدع أن يمتعها وحدها بنعمة البصر فهي الأم والأخت والبنت، فهي ترى مسوخآ من الطغيان والجبروت لا يشفع ولا ينفع ولا يغني ولا يسمن من جوع، فها هو العمى يضرب ضربته فينتقل المجتمع من شكله الإنساني المعطاء إلى شيء آخر لا يمت بصلة إلى البشرية المتفانية في التعاون والتكافل. فالمرأة المبصرة ترى الكثير من المشاهد التي لا يستطيع أن يراها العميان، فها هي ترى السرقة والزنا والاستبداد والاستغلال فيقشعر لهذه المناظر جسدها وتصدم روحها، إنها ترى جثث متعفنة في الطريق ومرضى يتألمون.
ولا يسع هذه المرأة الصابرة سوى البكاء ومزيدا من البكاء على مصير أبناء جلدتها وما أصابهم من عمى البصيرة بالطبع، وهنا لابد أن أقف بك وقفة عقل وإدراك ونظرة ثاقبة لما حاول الروائي جوزيه ساراماغو أن يظهره لنا، فالعمى الذي يتكلم عنه هو تعبير صارخ عن الجهل الذي يجعل الإنسان يتخلى على أكبر نعمة وهبها الخالق.. إنها البصيرة والرؤية الإنسانية التي تمكنه من الاستمرار والتقدم. فالجهل عمى أبيض يغفل صاحبه عن محيطه وواقعه وينتحر في خضم من الظلمات لا يستطيع الفكاك منه، وفي الرواية ملمس جدي لما تمر به مجتمعاتنا من محن وهزائم و تدهور سببها العمى الأبيض – الجهل.
وينقلنا سراماغو إلى منحى آخر من المفارقات العجيبة بإظهار ذلك القلق الذي يصيب شابة عمياء زانية على والديها، وكيف تبدل جهدها من أجل الاطمئنان عليهم وتطمئنهم عليها، فالبذرة هنا طيبة لكن التربة التي وجدت الفتاة نفسها بداخلها هي الفاسدة. والحب في السرد الروائي عند سراماغو أعمى فعندما تسترد الفتاة بصرها وترى العجوز الذي أحبته قبيح الشكل والمنظر تتركه، فالحب المبني على جهل بالأخلاق والمبادئ والجمال لابد من التخلي عليه دون أسف وبلا رجعة.
عندما يختفي النظام والرقابة يتحول البشر إلى وحوش بشرية عمياء لا تتوقف عند مبدأ أو مسلك أخلاقي رفيع، فتنقطع الكهرباء ويتوقف ضخ المياه فتعم الفوضى في المدينة العمياء وتنتشر الأوساخ والأمراض والجثث. فكيف في أتون هذه الفوضى يمكنك رؤية الصواب؟ فحاسة الشم في هذا الظرف لن تفيد في شيء بل ستساعد في زيادة التيه عن معالم الوجود والاستقرار تماماً.
فهوية الإنسان تتجلى في صميم رؤيته للواقع وتفاعله معه وخلقه لبيئة ملائمة للعيش ببصيرة وعلم، فعندما يختتم الروائي ساراماغو روايته بأن يعيد للناس أبصارهم فيسيرون مبتهجين في الشوارع ومحتفلين بعودتهم إلى حظيرة المبصرين. هنا تعلق المرأة التي ظلت مبصرة على هذا الحدث بقولها:
(أعتقد أننا أصبنا بالعمى، بل نحن عميان من البداية حتى لو كنا نرى.. لم نكن حقا نرى!) وفي الحين يبرز الوقت المثالي للتفكير في الحيز المكاني الذي يجمعنا والمدى الزمني الذي نعيشه، ألا يستحق أن نبذل جهدنا لنعيشه بعشق وبكثير من الاسترخاء حتى لا يدمر بعضنا البعض بفعل عمل أهوج جاهل وأعمى؟
إن العمل الروائي الذي أتحفنا به جوزيه ساراماغو لم يأتِ من فراغ، وإنما هو امتداد للواقع الذي عايشه، والمتأثر بطبيعة القضايا السياسية والاجتماعية المكونة لعناصر الحياة المحيطة به، هذه العناصر التي تمثل هموماً عامة تمس قطاعات عريضة من البشر، والتي تفاعل معها الروائي فأنتج عملا فذا لن ينقرض أبدا. فانحطاط كائن الإنسان إلى ما تحت الحيوانية وفقدان المدنية كل مقومات وجودها الجمالية هي ما حاول الكاتب بحبكة روائية مدهشة هنا الكشف عنها بالإطلالة عما يختبئ داخل غابات النفس البشرية.
الرواية تكشف الجانب المظلم من طبيعة الإنسان عندما يصاب بالعمى الذي ينتشر داخل المدينة فيطفو إلى السطح زيف الحضارة ومدى تدمير العمق الإنساني الفعال والحقيقي في خضم من السرعة في اتجاه المصلحة الشخصية والأنانية. ومن هنا نضع أيدينا على رواية عابرة للزمان والمكان فاتحة الباب على معان وإشارات للخلود والحكمة.