عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2017, 11:35 PM
المشاركة 3
صبا حبوش
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
2- ترجمة مهيار الديلمي :





أبو الحسن مهيار بن مروزيه ، الكاتب الفارسي الديلمي الشّاعر المشهور؛ كان مجوسياً فأسلم، ويقال إنّ إسلامه كان على يد الشّريف الرضي أبي الحسن محمّد الموسوي ، وهو شيخه، وعليه تخرّج في نظم الشّعر، وقد وازن كثيراً من قصائده.

وذكر شيخنا ابن الأثير الدزري في تاريخه أنه أسلم في سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، فقال له أبو القاسم ابن برهان: يا مهيار قد انتقلت بأسوبك في النار من زاوية إلى زاوية، فقال: وكيف ذاك؟ قال: كنت مجوسياً فصرت تسبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعرك.

وكان شاعراً جزل القول، مقدماً على أهل وقته، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات، وهو رقيق الحاشية طويل النفس في قصائده.
وذكره أبو الحسن الباخرزي في كتاب دمية القصر فقال في حقه:

"هوشاعر، له مناسك الفضل شاعر وكاتب، تجلّى تحت كل كلمة من كلماته كاعب، وما في قصيدة من قصائده بيت، يتحكّم عليه لو وليت، وهي مصبوبة في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الزمان المذنب عن الذنوب؛ ثمّ عقّب هذا الكلام بذكر مقاطيع من شعره وأبيات من جملة قصائده." وأورد له من الرّمل :

يا نسيم الريح من كاظمةٍ شدّ ما هجت البكا والبرحا

الصّبا إن كان لا بد الصّبا إنها كانت لقلبي أروحا



وذكره أبو الحسن علي بن بسّام في كتاب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة "، وبالغ في الثناء عليه وذكر شيئاً من شعره.
ومن نظمه المشهور قصيدته التي أولها:


سقى دارها بالرقمتين وحياها ملث يحيل الترب في الدّار أموالها.(1)



ومثلما لا تنمو النبتة أو تثمر إلاّ إذا وجدت الأرض المناسبة لها، فقد لا يقدّر لإنسان أن يكتشف نفسه وحقيقتها إلاّ إذا وجد من يجلو عنها غياهبها لتظهر جليّة ناصعة. هكذا كان حال شاعرنا مهيار الديلمي في صحبته للسيد الشريف الرضي وتلمذته عليه ، فقد كان الشريف تلك الأرض الخصبة التي احتضنت بذرة مهيار فنمت وترعرعت في ظلّه وكنفه حتى اكتشفت قدراتها. لقد قيّض لمهيار أن يلتقي بالشّريف ليجد فيه ضالته التي يبحث عنها ، فلازمه وتتلمذ عليه وترك مجوسيته وأسلم على يديه واعتنق مذهبه.

ينتسب مهيار إلى أرض الديلم، قال ياقوت الحموي: (إن الديلم ينسبون إلى أرضهم بهذا الاسم لا إلى أب لهم)، والديلم شعب من ذراري الفرس ينسبون إلى أرضهم التي تقع في القسم الشمالي من بلاد فارس، ويحدّها من الشمال جبال الجولان، ومن الشرق طبرستان، ومن الغرب آذربيجان أمّا من الجنوب فمنطقة قزوين ، وفي هذه المنطقة (قزوين) عاش والدا مهيار وكانا فقيرين، فنزحا في طلب الرزق إلى بغداد التي كانت خاضعة يومئذ للنفوذ البويهي، وكانت الخلافة العباسية تعيش حالة الاحتضار. والبويهيون ديالمة فارتقب الوالد خيراً في ظل بني عمه فهو الذي تربطه بهم وشائج القربى. وكان البويهيون أسبق إلى الإسلام من والد مهيار إذ كانوا مجوساً إلى أن بايعوا عليهم الحسين بن زيد العلوي سنة 250 هـ، فأسلم قسم منهم وأسلم القسم الثاني على يد علوي آخر وهو الحسن بن علي الاطروش.
لم يحالف الحظ والد مهيار في توفير لقمة العيش لابنه الذي لم يكن بأسعد حظ من أبيه، فلازمه الشقاء منذ طفولته وحتى شبابه وسقاه الدهر كأس المرارة حتى الثمالة، فكان مهيار يشكو الدهر والفقر والناس:

عيش كلا عيشٍ ونفسٌ مالها من لذّةِ الدنيا سوى حسراتِها

إن كان عندك يا زمان بقية ممايضامُ بها الكرام فهاتِها




وأظهر مهيار ذكاء وقدرة على العلم ؛حيث ألمّ بكثير من شوارد اللغة وحفظ دقائق التاريخ، وامتاز بذاكرة عجيبة ساعدته على استيعاب الكثير من المعرفة.




وخلال فترة تعليمه وتثقيفه اتصل بالشريف الرضي، وهو أهم حادث أثّر في شخصيته وشاعريته على السواء ؛ فالشريف يومذاك حجّة الأدباء والإشراف ونقيب الطالبيين وأمير الحاج ، وكان كريماً محبوباً لدى كلّ طبقات النّاس، وله هيبة في النفوس تتضاءل عندها هيبة الخلفاء والأمراء، فأثّر في نفس مهيار كثيراً ، ولقد أحبّ الشّريف مهياراً ، وأخذ يسعى في سبيل خدمته والإحسان إليه، فسعى بما له من منزلة في إلحاق مهيار كاتباً بديوان الخلافة ببغداد، ولكن مهياراً سرعان ما صرفه عن الكتابة الشعر الذي ملك نفسه ، وكان الشريف يتوسم في مهيار الذكاء والنبوغ والشاعريّة ،فكان يغدق عليه من إحسانه وفضله ،فأسلم مهيار على يديه واعتنق التشيّع، وأصبح المدافع الذي يتّقد حماساً عن دينه ومذهبه ،وبقي في كنف أستاذه الشّريف إلى أن لاقى الشريف ربّه عام 406 هـ ، وكان طوال حياته الحامي الأمين والصديق المعين لمهيار ، وقد أحسّ شاعرنا بالفجيعة التي ألّمت به ، فمضى يرثي أستاذه برثائيات مفجعة في قصائد عديدة وفي مناسبات شتّى، قال في إحداها:

أقريش لا لفمٍ أراكِ ولا يدِ فتواكلي غاض الندى وخلا الندي

بكَر النعي فقال: أُردي خيرها إن كان يصدقُ فالرّضي هو الرّدي



كان مهيار غزير المادة ،قلّ مَن جاراه من شعراء العربيّة في كثرة شعره سوى ابن الرومي، وإن كان ابن الرّومي يقصر عنه في بعض الأحيان، ولا يجاريه في نفسه الطويل، فكانت بعض قصائده تقارب الثلاثمائة بيت، وهكذا اجتمع لديه ديوان ضخم في أربعة أجزاء جمع بين دفّتيه (20969) بيتاً موزعة على (409) قصيدة دلّت على شاعريّة فذّة، وإبداع أصيل ، فتربّع على رأس الحركة الأدبيّة في أواخر القرن الرابع الهجري وحتى وفاته عام 428 هـ. .(1)

https://sebaahaboush.blogspot.com/
باحثة عن الرّوح..