عرض مشاركة واحدة
قديم 08-09-2013, 03:19 PM
المشاركة 6
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
آني المراعي الخضراء … لأن الحياة لا تخلو من المنعطفات*المفاجئة
Posted on 17/11/2011 by وليد بركسية

Anne of Green Gables

يصنفها بعض النقاد على أنها رواية موجهة للأطفال أو اليافعين , لكن ذلك لم يمنع رواية ” آني المراعي الخضراء Anne of Green Gables ” من التربع على عرش قلوب المحبين للقراءة في أنحاء العالم , لتدخل قوائم الكتب الكلاسيكية التي يجب على كل فرد قراءتها قبل وفاته .
تحكي الرواية قصة فتاة استثنائية يتيمة ( آني شيرلي ) عانت طوال حياتها من القسوة و حرمت من الحب و الحنان دون أن يؤثر ذلك على روحها الطيبة , قبل أن يقودها قدرها عبر خطأ فادح للعيش مع أخوين عجوزين ( ماريلا و ماثيو غوثبرت ) في بيتهما المنعزل الجميل الذي يدعى المراعي الخضراء , لتبدأ بذلك شق طريقها في الحياة بنفس مليئة بالطموحات و الأحلام و الرومانسية .
تتميز آني صاحبة الشعر الأحمر و النمش بأحلام اليقظة التي توقعها دائما ً في أخطاء مضحكة أثناء تأديتها لواجباتها المنزلية , إضافة للسانها الذي لا يتوقف عن الثرثرة الساحرة بأفكار غير تقليدية على الإطلاق نتيجة المخيلة الخصبة التي تمتلكها , ما يجعل منها فتاة محبوبة و غريبة الأطوار نوعا ً ما كونها تنفذ كل ما يخطر على بالها دون تفكير .
بمزيج ساحر من الفكاهة و الرومانسية تبني الكاتبة الكندية Lucy Maud Montgomery أحداث روايتها , عبر علاقات آني المتشابكة و أحلامها التي تتطور و لا تنتهي حتى تنال في نهاية القصة منحة كبيرة لدراسة الأدب في الجامعة , لكنها تتخلى عنها في سبيل الحفاظ على المراعي الخضراء إثر وفاة ماثيو المفاجئة و اقتراب ماريلا من الإصابة بالعمى , و لا يفهم الناس قرار آني و يتهمونها بالغباء دون أن يدركوا الحب الذي تحمله في قلبها للبيت الذي تنتمي إليه و الوفاء الذي تكنه لعائلتها ( ماريلا و ماثيو ) .
من جهة أخرى , تبدو الرواية كلاسيكية في السرد , لكنها مع ذلك تقدم مستوى ً لغويا ً رفيعا ً يرتقي بها إلى مرحلة الإدهاش و الإبهار , إضافة للتشويق و المتعة التي تقدمها سطرا ً إثر سطر , ما يجعل القارئ متحمسا ً لإنهاء الصفحات ممضيا ً ساعات كثيرة مع الكتاب دون أن يشعر بمرور الوقت , خاصة أن المواقف التي تتعرض لها آني غريبة جدا ً و توازي أفكارها التي تتدفق من عالم آخر مليء بالبراءة و المنطق و البساطة في وقت واحد .
توازيا ً مع ذلك , تطرح الرواية بين سطورها كمية هائلة من المشاعر المتدفقة مع الأفكار المختلفة , ما يدفع القارئ إلى الضحك من أعماق قلبه في أماكن كثيرة , و ربما يذرف الدموع في أماكن أخرى , و في كلتا الحالتين يبقى محتفظا ً بابتسامة حقيقية على شفتيه , و مع نهاية الرواية تصبح آني جزءا ً من وجدانه و نسيجه العاطفي و كأنه يعرفها شخصيا ً , و يستطيع سماع صوتها و ضحكاتها و أفكارها الغريبة كأنها تحيا داخله أو كأنها الرمز الموازي لطفولته البعيدة التي يريد استعادتها بشكل أو بآخر .
تعتبر شخصية آني واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ الأدب الكندي , و تحولت مع مرور الأيام إلى رمز لهذا البلد , إذ استمدت الكاتبة الأحداث في الدرجة الأولى من الطبيعة الساحرة التي تتمتع بها جزيرة الأمير إدوارد الكندية التي تدور الرواية في ربوعها , لتصبح الجزيرة معلما ً سياحيا ً شهيرا ً يقصده الناس من شتى أنحاء العالم ليروا بأعينهم المكان الذي عاشت فيه شخصيتهم الافتراضية المفضلة .
و تجدر الإشارة هنا إلى النجاح الكبير الذي حققته الشخصية و الحب الذي حظيت به , ما دفع الكاتبة بناء على طلب القراء إلى إكمال قصة حياتها في رواياتها اللاحقة و منها Anne of Avonlea و Anne of the island , إضافة لتشكيلها مصدر إلهام للعديد من الكتاب المعاصرين و منهم Budge Wilson الذي رصد حياة آني قبل قدومها إلى المراعي الخضراء في روايته Before Green Gables عام 2008 .
في سياق متصل , تبدو شخصية آني أسلوبا ً اتبعته الكاتبة لنقد المجتمع و عاداته المختلفة على لسان طفلة صغيرة جريئة لها أفكارها الخاصة عن الحياة , لتنجح في تغيير الناس من حولها دون أن تدري أو دون أن تقصد حتى , كونها تلفت انتباههم للأشياء التي يغفلون عنها مع انشغالهم الدائم بالحياة و متاعبها السخيفة التي لا تنتهي .
بناء على ذلك , يمكن اعتبار الرواية تمجيدا ً للرومانسية بكل ما تحمله من معان , و تقديسا ً للجمال و الطبيعة , و نبذا ً للمادية التي تشوب الحياة الإنسانية و خاصة في المدن الكبيرة , و نداء ً للعودة إلى بساطتنا و طيبتنا , دون أن ينفي ذلك حقيقة الواقع القاسي الذي يحيط بنا بكل شروره و بؤسه , لتغدو الرواية في مجملها نظرة تفاؤلية نحو عالم أفضل و إنسان أرقى و حياة أجمل .
Anne of Green Gables واحدة من رواياتي المفضلة , قرأتها مرات و مرات مندهشا ً من روعة التفاصيل الدقيقة و مأخوذا ً بسحر الكلمات الجميلة , ضحكت و بكيت معها و لم أشعر بين سطورها بالملل , إنها بحق رواية شديدة الإتقان و تحفة لا يمكن تجاهلها .
جدير بالذكر أن الرواية صدرت أول مرة عام 1908 و حققت لصاحبتها شهرة منقطعة النظير حيث باعت حتى اليوم ما يفوق الخمسين مليون نسخة , إضافة لاقتباسها في عدد كبير من الأفلام السينمائية و الأعمال الدرامية و الكرتونية , لتصبح عن جدارة واحدة من أشهر الروايات في القرن العشرين و رمزاً أدبيا ً مميزا ً يجب على كل شخص الإطلاع عليه