الموضوع: حبي الأول
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
6

المشاهدات
1446
 
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9


ياسَمِين الْحُمود will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
35,006

+التقييم
5.45

تاريخ التسجيل
Oct 2006

الاقامة
قلب أبي

رقم العضوية
2028
03-16-2021, 10:58 PM
المشاركة 1
03-16-2021, 10:58 PM
المشاركة 1
افتراضي حبي الأول
حبيبي اسمه عمرو بن بحر…
شهرته: الجاحظ
موطنه: عقول الملايين، قلوب الملايين
محل إقامته: آلاف الصفحات المبدعة التي استطاعت اختراق الزمن، والقفز فوق حواجز اللغات، والحضارات، والأديان والمفاهيم ليكون أديباً عالمياً بمعنى الكلمة، لا أتذكر متى كان اللقاء الأول بيننا بالتحديد، ربما درس قراءة في المرحلة الثانوية، لم أحب اسمه هذا " الجاحظ" كيف سيكون؟
في مرحلة تالية، وجدتني معه في صالون فكري أنيق،ولا صالون العقاد الذي حدثنا عنه أنيس منصور.
ظللت في صالونه ثلاث سنوات، كانت عن (السخرية في أدب الجاحظ)…
كان معجوناً بروح الدعابة والمرح والتهكم، إذا احتجت إلى دليل مختصر، اقرأ ما كتب عن البخلاء أو القيان، أو المعلمين.
ذات مرة تألمت من أجل الجاحظ، حتى تحول الحب إلى شفقة، وإذا تحول الحب إلى شفقة والعاطفة إلى عطف، فقل عليهما السلام.
ذات مرة قابلته امرأة في أحد شوارع البصرة، أخذته من يده سحبته إلى محل صائغ مجوهرات!
انقاد الرجل وهو لا يعرف الهدف.
هل تستطيع أن تتخيل هذا المنظر العجيب؟
الجاحظ الشيخ المهيب، بجلالة قدره مسحوب من يده في يد امرأة مجهولة، لم تحدثه بأكثر من كلمة
" تعال" فذهب!
أمام دكان الصائغ وقفت المرأة، أشارت إلى وجه الجاحظ، فقالت للصائغ كلمتين فقط: ( مثل هذا ) وانصرفت.
دهش الجاحظ لغموض الموقف، لم يفهم شيئاً، رجل العقل والفكر عجز عن الفهم!
رئيس قبيلة النكتة، وزعيم حزب الساخرين، وجد نفسه معتقل اللسان، غير قادر على البيان!
سأل الصائغ ما الحكاية؟.
قال الصائغ: هذه المرأة أرادت أن أصنع لها تعويذة…
قال الجاحظ: تعويذة! وما شأني بذلك؟
قال الصائغ: أرادتها فص خاتم على هيئة الشيطان.
قلت لها، يا سيدتي أنا لا أعرف شكل الشيطان، فجاءت بك لأشاهد وجهك.
انصرف الجاحظ…
كنت معه في هذا المشهد الأليم وهو يمضي متعثرا في تراب أزقة البصرة وأفكاره تتصادم وقلبه يرجف بالأسى…
فكرت في احتمالات مختلفة…
هذا الفيلسوف الساخر، كيف أحس حين كان هو موضع السخرية؟
فكرت: سبحان الله، كيف وضع الوجه القبيح على النفس الجميلة ،والعقل اللبيب والقلب المفعم بحب الحياة؟
فكرت…
ألا يجوز أن الجاحظ نفسه هو الذي وضع الحكاية، ليبرهن لنا على قوته وأنه يستطيع أن يسخر حتى من نفسه؟!
شعرت بأن الجاحظ حبيبي الأول خدعني، سخر مني حين اختلق هذه الطرفة ، ولكني كنت سعيدة، سعيدة جداً ،أنه برغم رحيله منذ قروناً من الزمان، لايزال قوياً، قادراً على أن يُرسل ضحكاته المرحة الساخرة إلى هذا الزمان المتهجم.