عرض مشاركة واحدة
قديم 10-05-2020, 09:48 AM
المشاركة 39
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: من المسؤول عن المسؤول ؟
الغالية ناريمان وأنا أقرأ كل ما جاء هنا ابتداءً من موضوعك انتهاءً بالردرد المثرية
تذكرت مقالة كتبتها سابقا بعنوان السقوط إلى أعلى أظن مابين السطور يناسب موضوعك

المقالة

كنت أتساءل، لماذا تحولت الصحافة في عالمنا العربي إلى منحى جديد علينا .
في السابق ما أن تدخل إلى أحد مراكز بيع الكتب أو المجلات إلا وترى مجموعة من الصحف والمجلات والمنشورات الرصينة محدودة العدد ، وعندما تقلب صفحاتها الأولى ترى أن من يشعل فتيل الفكر فيها هم الأدباء والكتاب والمثقفون ، المنحى الجديد هو تحويل الصحافة من مشروع ثقافي إلى مشروع تجاري ، وهذا أقرب إلى المشروعات التجارية المختلفة ، التي تقدم للمستهلك ما يريد أي (( ما يريده الناس أن نقدم لهم )) .
عبر الصفحات الأولى لأي مجلة أو صحيفة ، اختفت أسماء الأدباء والمثقفين الذين يديرون هذه المؤسسات وتقدمت أسماء ليس لها سابق معرفة بالصحافة والثقافة والأدب حتما نحن نقلل من قدرات هؤلاء ومكانتهم، ولكن يبدو أن الصحافة هي مشروع فشل الأدباء والمثقفون في تحويله إلى مؤسسة تدر الدنانير والدولارات ، لهذا لم تعد هناك حاجة لهؤلاء المثقفين متبلدي الفكر الذين يحلمون بقصيدة شعر لا تغني ولا تسمن من جوع ، أو نص أدبي لا يفهمه إلا ثلاثة في عاصمة مزدحمة بالسكان ، أو مقالة تتحدث عن (( أدلجة )) الثقافة أو طغيان الحداثة في النص الأدبي.
انسحب المخلصون من المثقفين وانزووا في نصف صفحة ثقافية خجولة قد تظهر يوما وتختفي أياما أو لا تظهر أبدا .
نعم لقد أتى رجال جدد، في ذهنهم كيف تتحول أوراق الصحف المطبوعة إلى دنانير في الحسابات المصرفية، وفي أواخر الشهر أو أواخر العام ، يقول أصحاب رأس المال ،،" Well done " أي حسنا فعلتم بالأسلوب الأمريكي المادي.
عقلية التاجر لم تكن كعقلية المفكر ، فالمفكر يسعى إلى رقي الإنسان ، أما التاجر فيفكر كيف يحقق المال وهذا يعني إسقاط الكثير من المبادئ والثوابت والأخلاقيات التي تعاملت معها الصحافة منذ نشأتها.
فإذا كان القارئ يريد أخبار الكرة فلنقدم أكبر عدد من الصفحات عن الكرة والكرويين ، وإذا كان القارئ يريد فضائح فلنقدم له فضائح المجتمع ، وإذا كانت هناك فئة تريد أن تضرب فئة أخرى فبإمكانها الدفع ونفتح الصفحات لها ، وإذا كان هناك إعلان لشركة سجائر بنصف صفحة أو أكثر فعلينا إلغاء كافة المواد لتظهر السيجارة التي تدمر جيلا بأكمله ، وإذا كان هناك كاتب أو كاتبة تريد أن تقدم تفاهاتها ، فلنشرع لهم الأبواب .
مقولة " القارئ عايز كده " مقولة حقيقية ، سمعت من سكرتيرة إحدى المجلات أن مجلتها قد اعتادت على وضع صورة شخصية عربية مرموقة ولكن حدث ما لم يكن بالحسبان حيث كانت الكميات المرتجعة بالمئات ، ولهذا لم يتكرر الخطأ مرة أخرى .
الذي استلم أمانة الصحافة في عالمنا العربي بفكره التجاري أمن بمقولة الانحدار إلى مستوى الشارع ، لهذا كان السقوط إلى أعلى .
وهذه الأيام تكتشف كما هائلا من المجلات والصحف على أرفف المكتبات ، هي مجموعة من الصور والتحقيقات فقط من أجل جذب انتباه القارئ وليس الارتقاء بفكره ، ولكن هذا لا يعني عدم وجود صحف ومجلات رصينة تحاول مقاومة التيار ، من أجل الارتقاء بمستوى الفكر والمحافظة على الثوابت.
وفي هذا السياق وأنا أكتب هذه المقالة قرأت في الصباح خبرا في إحدى المجلات عن قيام مجموعة من الأحداث ، وهم فتيان صغار السن ، بسرقة مكتبة ، وعند قراءة الخبر كنت سعيدة جدا (( فمن الذي يسرق كتابا أو مجلة هذه الأيام ؟ ))ولكن ما أن انتهيت من قراءة الخبر حتى اكتشفت أن هؤلاء الفتية قد سرقوا صندوق المكتبة وبه مبلغ لا يستهان من المال ، ولكنهم لم يسرقوا أي كتاب أو مجلة ، الحمد لله هذه الحكاية الأخيرة أشبة بحكاية الصحافة والمنحى الجديد .