عرض مشاركة واحدة
قديم 05-02-2012, 03:50 PM
المشاركة 5
زهراء الامير
فرعونيـة من أرض الكنانـة
  • غير موجود
افتراضي
[tabletext="width:100%;background-color:black;border:3px double red;"]
الفصل الأول: الإطار العام للأدب الموريتاني

لقد تحدث الباحث في هذا الفصل – بإفاضة – عن الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية التي شكلت الإطار العام الذي نشأ في أحضانه الأدب الموريتاني وتطور انطلاقا منه.
فمن الناحية التاريخية، تكلم الباحث عن موريتانيا قبل دخول الإسلام إليها حين كانت إيالة خاضعة للرومان، وعنها في ظل رحمة الإسلام، وعن وقوعها تحت نير الاستعمار الغاشم، وأخيرا عن استقلالها وظهورها باعتبارها كيانا سياسيا مستقلا منذ 1960م.
اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ دخول الملة الإسلامية إلى موريتانيا؛ فذهب بعضهم إلى أنها دخلت المنطقة في عهد الفاتح عقبة بن نافع الفهري (ق 1***65259، وذهب آخرون إلى أن ذلك وقع بعد عهد عقبة، وقال بعض المؤرخين إن الإسلام ولج موريتانيا في زمن المرابطين الملثمين الذين تمكنوا – بفعل جهادهم المتواصل ورباطهم الصادق – من تكوين إمبراطورية مترامية الأطراف تمتد على مساحة شاسعة في شمال أفريقيا وغربها والأندلس. وقد دخلت اللغة العربية موريتانيا مع دخول الإسلام إليها باعتبارها الوعاء الحامل لهذا الدين الحنيف. فتعربت المنطقة تعربا شاملا كما يصرح بذلك أحمد ولد حبيب الله، ورحب العلماء الموريتانيون وغيرهم بلغة العرب، وأقبلوا عليها تعلما وتعليما، وأولوها عناية كبيرة، بل إن العلامة محمد فال بن مُتَالِي آثر تعلم اللغة العربية على التفرغ للنوافل. وفي ارتباط مع هذا الموضوع، وقف الباحث عند تاريخ دخول الصوفية إلى موريتانيا وظروفه، مشيرا إلى أن ذلك تم ابتداء من القرن 11***65259;، وكان على طريقة الجُنَيْد، فظهرت زوايا عدة مارست سلطة روحية بالغة، ودخلت في حروب فيما بينها أو بينها وبين القبائل. والحق أن تحديد تاريخ دخول الإسلام أو العربية أو التصوف إلى بلاد شنقيط (موريتانيا) أمر صعب جدا؛ لأن أقوال المؤرخين والباحثين في هذا الصدد تضاربت وتباينت، ولأن كثيرا من التراث الفكري والأدبي الموريتاني قد تعرض إلى الضياع والتلف أو ما يزال مخطوطا حبيس رفوف الخزانات الخصوصية والقبلية والعمومية. والراجح أن الدين الإسلامي واللسان العربي قد دخلا المنطقة في القرون الإسلامية الأولى بوسيلتين رئيستين، هما: التجارة والدعوة السلمية. ويتأكد لنا هذا الأمر خصوصا إذا علمنا أن موريتانيا كانت تابعة لسلطان المغرب الأقصى وأنها جزءا في كيان منطقة الغرب الإسلامي التي وصلتها الدعوة الإسلامية في القرن الهجري الأول على يد الفاتحين الأُوَّل.
لقد دخلت موريتانيا خلال الفترة الممتدة ما بين ق 6 وق 14***65259; ما يسمى (عهد الإمارات)، حيث كانت موزعة بين عدد من الإمارات والقبائل في ظل غياب حكم مركزي. ويحكي لنا التاريخ كثيرا من الحروب والمعارك المبيرة التي كانت تنشب بين هذه الإمارات من جهة، وبينها وبين الزوايا من جهة أخرى، ولعل من أشد هذه الحروب ضراوة وفتكا الحرب المعروفة "بحرب شُرْبُبَّه" التي انتهت سنة 1678م. ومن أقوى هذه الإمارات بنو حسان ذوو السلطان السياسي والعسكري. والحسانيون إمارات عدة، أبرزها: إمارة أولاد امبارك التي تأسست في ق 9***65259; بزعامة أوديكه الأقرع، وإمارة النزارزة التي أسسها هدي بن أحمد بن دمان سنة 1040 للهجرة، وإمارة آدرار في أطار التي تأسست عام 1158***65259; على يد عثمان ولد لفظيل.
ومن الناحية الاجتماعية، يؤكد أحمد ولد حبيب الله أن المجتمع الموريتاني "تركيبة اجتماعية لا عرقية"، إذ يتشكل من زخم من القبائل والزوايا التي تقاسمت السلطة الزمنية والروحية في موريتانيا التي عانت مرة طويلة انعكاسات غياب السلطة المركزية الرادعة.
وفي الجانب الثقافي والأدبي، استرسل الباحث في الحديث عن المراكز العلمية التي كانت منتشرة في موريتانيا، أمثال: شنقيط التي أسست في القرن الهجري السابع، وولاته، وأوداغست، ووادان... إلخ. وقد كان لها أثر جلي في نشر الثقافة والمعارف التي شهدت ازدهارا ملحوظا في القرون 12 و13 و14 للهجرة. وإذا كان دارسو الأدب العربي يتحدثون عما أسموه (عصر الانحطاط) باعتباره عصر جمود فكري وركود مس الأدب العربي في ظل خضوع جل أمصار الأمة العربية للنفوذ التركي، فإن أدب موريتانيا كان يعيش نهضة ثقافية وأدبية بارزة الصُّوى في هذه المرحلة، وهذا بشهادة عديد من الباحثين. يقول أحمد ولد حبيب الله: "في الوقت الذي كان فيه الأدب العربي يمر بمرحلة ضَعف وجمود في ظل خضوع معظم الوطن العربي للحكم العثماني... كانت بلاد شنقيط أو موريتانيا تشهد نهضة أدبية وثقافية وفي مختلف العلوم العربية والإسلامية، تجلت في كثرة الشعراء والمؤلفات".([4]) ويقول محمد طه الحاجري (ت 1988م): "... على أن الصورة الأدبية التي نراها لشنقيط في هذين القرنين (18-19م) جديرة أن تعدل الحكم الذي اتفق مؤرخو الأدب على إطلاقه على الأدب العربي عامة في هذه الفترة، فهو عندهم – وكما تقتضي آثاره التي بين أيديهم – أدب يمثل الضعف والركاكة والفُسُولة في صياغته وصوره ومعانيه. فهذه الصورة تمثل لنا الأدب الشنقيطي في وضع مختلف يأبى هذا الحكم أشتد الإباء. فهو – في جملته – أدب جزل بعيد عن التهافت والفسولة"([5]).
هذه صورة عامة ومقتضبة عن الإطار العام للأدب الموريتاني الذي يشترك من وجهة مع الأدب العربي عامة في جملة من الأمور لأنه جزء لا يتجزأ من صرحه. ومن وجهة أخرى، فهو سيتميز بجملة من الخصوصيات التي هي نتاج طبيعي لمجموعة من الظروف والعوامل
[/tabletext]