عرض مشاركة واحدة
قديم 05-29-2012, 09:27 AM
المشاركة 728
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
إميلي نصرالله - قلم يرشحنضارة وجمراً
المصدر : مجلة الجيش
العدد 252 - حزيران, 2006

اعداد: تريز منصور


أقلعت عكس التقاليد والظروف وجسدت مسيرة النضال المبدع
تختصر إميلي نصرالله باقة من الرموز والقيم لها في وجداننا مساحات رحبة. من سفححرمون انطلقت فتاة يافعة، في نفسها جمالات الطبيعة ونقاوتها، وتوق للانطلاق علىدروب المعرفة والأدب. حملت موهبتها وعزمها وبدأت نضالها باكراً، روّضت الظروفالصعبة لتتابع دراستها. في الكلية الوطنية «سرقت» كتب جبران ونعيمة من المكتبةلتشبع نهمها للقراءة. وعلى ابواب الجامعة كان عليها ان تناضل من جديد، فعملت بعزمالجبابرة في التعليم والصحافة لتغطي تكاليف دراستها. إميلي نصرالله صاحبة القلمالذي يرشح نضارة وألقاً، تواصل مسيرتها الأدبية بشغف الانطلاقة الأولى. بين يديهااليوم رواية جديدة، وعلى رفوف المكتبات عشرات الكتب التي تحمل توقيعها روائيةوقاصّة وباحثة، وفي الحالات كلها مبدعة ترحب الجامعات والمنتديات بأدبها، وكتبهاترجمت الى العديد من لغات الأرض.

المرأة ولبنان

تعتبر إميلي نصرالله أن المرأة تتفوّق على الرجل، لأنهاالحياة وتشارك الله بصنع نعمة الحياة. وتقول عن لبنان: «إنه غني بمبدعيه، وهو «مشتلللإبداع» أعطاها الكثير، كما أعطتها قريتها مخزوناً لا ينضب.
سيرة روائية
ولدت إميلي نصرالله العام 1931 في بلدة كوكبا الجنوبية، وهي الإبنة البكر لعائلةمؤلفة من ستة أولاد. والدها السيد داوود أبي راشد من كوكبا، ووالدتها السيدة لطفىأبو نصر من الكفير، البلدة التي استقرت فيها العائلة بعد ولادة إميلي بقليل. عاشتإميلي نصرالله طفولتها كغيرها من أطفال القرى، فقد عملت في الحقول، وشاركت في جنيالمواسم، من قطاف الزيتون الى حصاد القمح وسواهما، فأغنت هذه الحياة ذاكرتها. معالحرف الأول الذي تلقنته ابنة الست سنوات، بدأت رحلة المعرفة لديها ورحلة غرامبالكتاب، لكن شوقها للمعرفة كان سابقاً لدخولها المدرسة، وهي تصف تلك المرحلةفتقول: «كان منزلنا مجاوراً لمدرسة القرية التي تستقبل تلامذة الست سنوات وحسب،وكنت أهرب من المنزل وانا في عمر الأربع سنوات، واسترق السمع من نافذة الصف وأحفظالشعر والقصص... فكم حفظت من الأشعار وأسمعتها لوالدي وهو يجلس على المصطبة يشربالقهوة مع أصدقائه».

لاحظ الموهبة الأدبية لهذه الطفلة، خالها الكاتب أيوبابو نصر، وهو أحد زملاء الأديب جبران خليل جبران في الرابطة القلمية في نيويورك،وصاحب مقالات أدبية نشرت في الصحيفة التي كانت تصدر عن الرابطة في حينه. وبعد عودتهمن الإغتراب، اثر مرض عصبي ألمّ به، كان مرشدها الأول وموجهها نحو القلم والأدب،فكان يدعوها الى وصف جبل الشيخ وغيره من الأشياء، الأمر الذي وسّع آفاق مخيلةالطفلة المبدعة.
«سارقة» الكتب
بعد ان انهت دراستها في مدرسة القرية التي يقف مستواها العلمي عند الصفالإبتدائي الثالث، والذي درسته إميلي نحو ثلاث مرات، كتبت رسالة الى خالها الثاني،وهو رجل أعمال مغترب، عبّرت له فيها عن رغبتها في متابعة تحصيلها العلمي، شارحةظروف أهلها المادية التي تحول دون دفع رسوم المدرسة الخاصة. بسرعة لبّى الخال المحبالنداء، وتجاوب مع طموحها وأرسل لها شيكاً بالمبلغ الذي خوّلها دفع رسوم الكليةالوطنية في الشويفات. درست في هذه الكلية لمدة أربع سنوات، كانت الفترة التي تكوّنفيها حبها للأدب، فخلال سنوات دراستها تلك «سرقت» العديد من الكتب من مكتبة المدرسةوقرأتها في فراشها سراً، ومن أهم ما قرأته وقتذاك اعمال ميخائيل نعيمة وجبران خليلجبران الذي تأثرت به كثيراً.

كان يتملكها في تلك المرحلة جوع للمطالعةوالقراءة، لدرجة أنها اعتبرت أن أجمل هداياها كانت: «قصاصة مجلة أو جريدة تضع فيهاصاحبة الدكان «الملبّس» و«القضامي»، وتجد الطفلة فيها مادة مثيرة للمطالعة». الفضلفي موهبة المطالعة لديها وتوجيه قلمها للكتابة الصحيحة في تلك المرحلة، يعود الىأستاذ اللغة العربية نسيم نصر، الذي علّمها تقنية الكتابة ووجّه لها «النقد اللاذعبقلمه الأحمر» على حدّ قولها. تأثرت به كثيراً، وأعجب بقلمها، ونشر مقالاتها الأولىفي صحف عديدة منها، «التلغراف» بين العامين 1949 - 1950، كما انه كان يختارهادائماً للمشاركة في المباريات الخطابية والكتابية. كتبت إميلي نصرالله في تلكالفترة العديد من المواضيع الانشائية البدائية بطريقة جيدة، وكانت كتاباتها تلكمثقلة بالمشاعر الصادقة وبالوصف المخلص والدقيق للأشياء. نَشرُ مقالاتها في الصحفالبيروتية، منحها الحافز للتطور والنجاح وروح التحدي، لكنه جعلها موضعاً لسخريةالصبية في المدرسة الذين راحوا يرحبون بها بالقول: «أهلاً بالأديبة».
مرحلة التحدي
كان من المقرر، فور تخرجها من المرحلة الثانوية، ان تعود الى مدرسة القريةوتمارس مهنة التعليم فيها لعدة اعتبارات أهمها، عدم رغبة الأهل بذهاب ابنتهم الىالمدينة للعمل ومتابعة تحصيلها العلمي بمفردها. ولكنّ شعوراً غريباً كان يتملّكهاويدعوها الى متابعة المسيرة ويحها على الإصرار لتحقيق ذلك. توجّهت الفتاة الطموحةالى العاصمة بيروت، تحمل أحلامها وآمالها كلها بثقة وتحدٍ للحياة الجديدة التيتنتظرها. عملت إميلي كمدرّسة خصوصية واعطت دروساً لأبناء الأديبة ادفيك جريدينيشيبوب رئيسة تحرير مجلة «صوت المرأة» آنذاك، والتي كانت تكلّفها احياناً ترجمة بعضالمقالات وكتابة البعض الآخر، وكانت الداعم القوي لهافي انتقالها الىبيروت.

مرحلة التحدي في العاصمة بدأت في المدرسة الأهلية فيوادي أبو جميل، حيث استقبلتها مديرة المدرسة السيدة وداد المقدسي قرطاس العام 1955،ومنحتها فرصة السكن، مقابل تقديم ساعتي تعليم في اليوم. وهذا الأمر منحها فرصةالإنتساب الى كلية بيروت الجامعية يصي سابقاً - يصءجي حالياً، ولكن هذا العمل لميوفر لها تأمين القسط الكامل، فعلى ابواب الجامعة كان كل ما بحوزتها خمس ليراتلبنانية. ولكن زميلتها في المدرسة جليلة سرور ساعدتها ودفعت قسطها الأول. وهكذابدأت مسيرة التعب والجد، فبالإضافة الى مزاولة مهنة التعليم في المدرسة الأهلية،أعطت دروساً خصوصية، وعملت في مجال الصحافة المكتوبة في مجلة «صوت المرأة» وفيالصحافة المسموعة، من خلال قراءة بعض النصوص عبر أثير الإذاعة اللبنانية. بذلكتمكنت من دفع دينها لزميلتها جليلة، والتي كانت لها اليد البيضاء في تعريفها على «دار الصياد»، من خلال صديقتها الصحافية جاكلين نحاس. وبذلك خطت إميلي نصراللهالخطوة الأول نحو احتراف الصحافة المكتوبة في مجلة «الصياد» العام 1955.
مهنة المتاعب
عملت الصحافية إميلي نصرالله ولمدة خمسة عشر عاماً، في مجلة «الصياد» في كتابةأخبار المجتمع، وكذلك في قسم التحقيقات، فكانت صوت الناس، حملت مشاكلهم وهمومهموعبّرت عن مشاعرهم ورفعتها الى المسؤولين، وكأنّ طريق النجاح تأبى إلاّ أن تمرّ عبرمهنة المتاعب، لا بل عبر البحث عنها. سؤال مقلق كان يراودها منذ بدأت تنشر مقالاتهاالصحفية، وهو: «أنا أنقل مشاعر الناس، ولكن من ينقل مشاعري لهم؟ وجواباً عن هذاالسؤال، أصدرت روايتها الأولى «طيور أيلول» العام 1962، والتي تناولت فيها هجرةالشباب من قريتها الجميلة الكفير. وكانت هذه الرواية تحولاً هاماً في الأدب الروائيالنسائي اللبناني، تلقفها المهتمون وناقشوها، فرأوا فيها شعاعاً لشمس قد تسطع علىالثقافة ولقد عرّضتها هذه الرواية للنقد والمدح في آن، ووجدت نفسها فجأة أمام محبةالناس لها من جهة وامام النقد الإيجابي أو السلبي من جهة أخرى. وبالتالي أصبحالتحديأكبر وأصعب، وحازت إميلي على بكالوريوس بالآداب من الجامعة الأميركية فيبيروت.
أسلوبها
كتبت إميلي نصرالله الرواية والقصة القصيرة، عن تجربتها وخبرتها في الحياة. كتبتعن بيئتها وأهل بلدها وعن كل ردود الفعل... وكرّت سبحة الإنتاج الأدبي، فأصدرتالروايات الواحدة تلو الأخرى، وكتبت أيضاً القصص القصيرة للأطفال والأولاد والكبار. ترجمت أعمالها الى لغات أجنبية عديدة، وصارت إميلي نصرالله عنواناً كبيراً للكثيرمن أطروحات الماجستير والدكتوراه، كما اعتمد بعض اعمالها في المناهج الجامعية. يتميّز أسلوب إميلي نصرالله بلغة سهلة ومريحة، اذ لم تخرج من إطار ريفيتها وما تحملأخبار الضيعة من سلاسة السرد. فالطبيعة الأخاذة ومداها الرحب موجودان في شعورالكاتبة ووجدانها، كونها إبنة ضيعة تلبس الملاءة البيضاء وترتاح في أحد سفوح جبلحرمون؛ تلك الطبيعة أكسبتها رحابة التفكير وسهولة التعبير، ما جعل أدبها فيالمتناول، يحاكي وجدان الكثيرين وشعورهم.

ولعل إميلي نصرالله من الأقلامالنسائية اللبنانية القليلة المتمتعة بهذا التفرد في حبك الرواية وعناصر التشويقفيها.
تدور أعمال إميلي نصرالله حول ثلاثة مواضيع أساسية:
1-
الهجرة: التيعالجتها في رواية «طيور أيلول» وفي «الإقلاع عكس الزمن»، و«الجمر الغافي» وغيرها...
2-
المرأة: تحدثت عن المرأة في عدة روايات مثل «شجرة الدفلى»، وهيرواية منع نشرها في بعض الدول العربية.
3-
الحرب وتأثيرها على الضحايا، تناولتهاالكاتبة إميلي نصرالله في «تلك الذكريات»، «الإقلاع عكس الزمن»، «خبزنا اليومي» و«يوميات هرّ»، الذي ترجم الى الألمانية والانكليزية والتايلندية...