عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2010, 01:50 AM
المشاركة 25
أحمد صالح
ابن منابر الـبــار

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رسالة 20


نيويورك 9 كانون الأول 1924

ما أعذب صغيرتي المحبوبة تذكرني في صلاتها كل يوم. ما أعذبها وما أكبر قلبها وما أجمل روحها.

ولكن ما أغرب سكوت صغيرتي المحبوبة، ما أغرب سكوتها. ذلك السكوت الطويل كالأبدية العميق كأحلام الآلهة- ذلك السكوت الذي لا يترجم إلى أية لغة بشرية. ألا تذكرين أنه لما جاء دورك في الكتابة لم تكتبي؟ أولا تذكرين أننا تعاهدنا على معانقة الصلح والسلام قبل أن يعانق الليل الأرض؟

وأنت تسألين عن حالي، وعن "خاطري"، وعن الأمور التي تشغلني، أما حالي فهو مثل حالكِ تماماً يا ماري. أما خاطري فلم يزل في الضباب حيث اجتمعنا- أنتِ وأنا- منذ ألف سنة. أما الأمور التي تشغلني في هذه الأيام فهي من الأمور المضطربة المشوشة، تلك الأمور التي لا بد لمن كان مثلي من اجتيازها، رغب فيها ، أو لم يرغب.

الحياة يا مريم أغنية جميلة، فبعضنا يجيء نبرةَ في تلك الأغنية وبعضنا يجيء قراراً. ويبدو لي يا مريم أنني لست بالنبرة ولست بالقرار. يبدو لي أنني لم أزل في الضباب، في ذلك الضباب الذي جمعنا منذ ألف سنة.

على أنني رغم كل شي أشتغل مصوراً أكثر الأيام وفي بعض الأيام أهرب إلى مكان بعيد في البرية وفي جيبي دفتر صغير- وسوف أبعث إليك بشيء من ها الدفتر يوماً ما.

هذا كل ما أعرفه الآن عن "أنا" فلنعد إن شئتِ إلى موضوعنا المهم، لنعد إلى حبيبتنا الحلوة: كيف حالك وكيف حال عينيكِ؟ وهل أنت سعيدة في القاهرة مثلما أنا سعيد في نيويورك؟ وهل تمشين ذهاباً وإياباً في غرفتك بعد منتصف الليل؟ وهل تقفين بجانب نافذتك بين الآونة والأخرى وتنظرين إلى النجوم؟ وهل تلتجئين بعد ذلك إلى فراشك، وهل تجففين ابتسامات ذائبة في عينيك بطرف لحافكِ- هل أنتِ سعيدة في القاهرة مثلما أنا سعيد في نيويورك؟

أفكر فيك يا ماري كل يوم وكل ليلة، أفكر فيك دائماً وفي كل فكر شيء من اللذة وشيء من الألم. والغريب أنني ما فكرت فيك يا مريم إلا وقلت لك في سري " تعالي واسكبي جميع همومك هنا، هنا على صدري" وفي بعض الأحيان أناديك بأسماء لا يعرف معناها غير الآباء المحبين والأمهات الحنونات.

وها اني أضع قبلة في راحة يمينكِ، وقبلة ثانية في راحة شمالكِ، طالباً من الله أن يحرسك ويبارككِ ويملأ قلبكِ بأنواره، وأن يبقيكِ أحب الناس إلى


جبران
</b></i>

ما أعظم أن تكون غائبًا حاضر ... على أن تكون حاضرًا غائب